بنعبد الله يؤكد أن إرساء مجتمع الحداثة والديمقراطية لا يستقيم دون معالجة المسألة النسائية

جدد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، التأكيد على أن إرساء مجتمع الحداثة والديمقراطية لا يستقيم إلا إذا تم الإقرار بالمسألة النسائية كنواة قلب هذا المشروع، وأن مسار المساواة في الحقوق بين النساء والرجال لازال طويلا وشاقا، هذا بالرغم من التقدم الكبير الذي حققه المغرب على هذا المسار من خلال المبادرات المقدامة لجلالة الملك محمد السادس عبر إقرار مدونة الأسرة سنة 2003، والمضامين التي حملها المتن الدستوري بتكريسه وتأكيده على المساواة .
جاءت تأكيدات الأمين العام لحزب الكتاب، خلال لقاء تفاعلي متميز في فرادته نظمه التقدم والاشتراكية ومنتدى المناصفة والمساواة، حيث لم يقتصر على استضافة نساء وفتيات ينتمين لقطاعات مهنية مختلفة، بل أعطيت لهن الكلمة للحديث عن مساراتهن بكل تفاصيلها التي توزعت بين نجاحات محققة بالرغم من الانتكاسات نتيجة العوائق التي واجهنها والحواجز التي تخطينها وبين مطالب يرفعنها بكل إصرار وعزيمة من أجل التقدم والمساهمة في البناء وتدعيم مفهومي المواطنة والعدالة الاجتماعية حيالهم.
وقال نبيل بنعبد الله”إن الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي، فدون معالجة المسألة النسائية لن تكون هناك ديمقراطية وتقدم أو حتى حقوق، إذ لا يمكن لمجتمع أن يخطو برجل واحدة”، مؤكدا في كلمة افتتح بها فعاليات هذا اللقاء الذي يندرج في إطار تخليد اليوم العالمي للمرأة ، أن “تخليد الثامن من مارس ليس يوما للاحتفاء بالنساء وحصره في تكريمهن والتعبير لهن بعبارات منمقة جميلة وتقديم ورود كهدية لهن، بل هو اليوم العالمي للنضال من أجل حقوق النساء والوقوف على ما تحقق والقضايا التي لازالت عالقة وتعوق هذا المسار”.
وحسب الأمين العام لحزب الكتاب،”لازالت أمور يتعين القيام بها للوصول إلى المساواة في الحقوق بين النساء والرجال بشكل عملي، وعلى جميع المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، البيئية والمسارات المهنية سواء ما يتعلق بالولوج لمناصب الشغل والوصول إلى مراكز القرار وغير ذلك من الفضاءات.
وحرص الأمين العام على التنبيه والتذكير بما تمثله المسألة النسائية لحزبه، بالقول إن الأمر ليس بموضة يتبعها الحزب أو تمت إضافتها حديثا إلى برنامجه النضالي، بل يعد التقدم والاشتراكية أول هيئة سياسية خلدت الثامن من مارس في المغرب وكون جمعية نسائية شقت طريقها فيما بعد، و كان أول حزب أعطى للنساء موقعهن في مراكز القرار المختلفة ضمن هياكله، مقرا، فيما يمكن اعتباره نقدا ذاتيا بهذا الخصوص، أنه “غير راض على ما هو عليه الوضع في الوقت الحالي. فالحزب، يقول المتحدث، يوجد” في وضع مثالي بعض الشيء على مستوى تواجد بعض العناصر النسائية في المراكز القيادية، لكن بالنسبة للقواعد فهو مثله مثل الأحزاب الأخرى يعرف نقائص وسلبيات على مستويات كثيرة”.
وأكد نبيل بن عبد الله، خلال تفاعله مع تدخلات مختلف المشاركات التي تعددت محاورها باختلاف القطاعات التي تنتمي إليها المشاركات، والتي توزعت بين أوضاع العاملات الزراعيات والنساء العاملات في القطاعات الأخرى غير المهيكلة، والنساء العاملات في مجال المقاولة، والطالبات والعاملات في المجال الصناعي، بل وحتى الموظفات في قطاعات رسمية، أن أوضاع النساء بصفة عامة تتطلب تعبئة من جميع الأطراف والحرص على مواصلة النضال، فالأمر لا يتعلق بإرساء قانون من شأنه أن يغير الواقع بل يرتبط بتغيير العقليات وثقافة سائدة لازالت تكرس تلك النظرة الدونية للمرأة والتي رغم أنها تململت قليلا، لكن لازالت تحتاج إلى مواصلة النضال لزعزعة جذورها البئيسة.
وبسطت النساء المشاركات أوضاع الهشاشة التي لازال الواقع المجتمعي مليء بها، من خلال حالات النساء العاملات في القطاع الزراعي والتي مثلتهن خلال هذا اللقاء، أمينة الصالحي، والتي تمتهن هذا العمل منذ سنوات، دون أن تكتسب حقوقا وهي تعمل لساعات طوال محرومة من التقاعد أو أي تعويض سواء تعلق بالتعويض عن المرض أو التعويضات العائلية، وتتقاضى أجرا لا يصل حتى إلى الحد الأدنى للأجر، بل والأدهى تعيش وضع المتخلى عنها من الزوج رفقة أبنائها بعد أن تقدمت نوعا ما في السن، و لاتتوفر حتى على سكن .
واعتبر الأمين العام، في تفاعله مع تصريح السيدة الصالحي، والسيدة حكيمة تابنعديد التي تعمل في مجال الطبخ، كقطاع غير ميهكل، أن من شأن ورش الحماية الاجتماعية الشاملة الذي أطلقه جلالة الملك أن يكون مدخلا لمعالجة أوضاع هذه الفئة من العاملات بل كل العاملات والعاملين في هذا المجال وفي مختلف القطاعات غير المهيكلة، مؤكدا أن بناء مجتمع حداثي ديمقراطي ينطلق من تمكين النساء من حقوقهن الأساسية، بل تمكين جميع الفئات إناثا وذكورا من حقوقهم.
وقال في هذا الصدد” إن مثل هذه الوضعية تتطلب تعبئة من جميع الأطراف لإنزال ورش الحماية الاجتماعية، فلا يمكن أن يبقى ملف هذه الفئة متروكا على الجانب أو الهامش، إذ ينبغي تطبيق التغطية الاجتماعية الشاملة في مختلف القطاعات لضمان الحقوق، بما فيها التقاعد والتعويض عن المرض والتعويض عن فقدان الشغل وضمان التعوضات العائلية .
وأعلن، في هذا الصدد، التزام حزب التقدم والاشتراكية بمطالب إدراج ملف العاملات الزراعيات في القانون الجديد، فالأمر يتعلق، يقول نبيل بنعبدالله، بمسألة أساسية، إذ لا يمكن، في نظره،” الاستمرار في التغاضي أو تجاهل معاناة هذه الفئة التي تعاني محنا حقيقية نتيجة حرمانهن من كل حقوقهن الاجتماعية بل وحتى الإنسانية، حيث أغلبهن محرومات من التغطية الاجتماعية بل وحتى من الحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى الحق في السكن، و التعليم ، والحق في الكرامة”.
وشدد بنعبدالله على أنه بالنسبة للعاملات في المنازل والتي تم إقرار قانون على عهد وزير من حزب الكتاب، ينظم العلاقات المهنية بين المشغلين والعاملات والعاملين في البيوت، يتعين أن يتم إلزام أرباب المنازل بالخضوع للقانون وتمكين العاملات من حقوقهن، معتبرا أن تحقيق ذلك هو مسألة وقت ومرحلة انتقالية ليس إلا، محذرا في ذات الوقت مناضلي حزبه الذي يحمل قيما تقدمية تنادي بضمان الحقوق، أن يتم التعامل بنوع من التناقض مع هذه الفئة بحمل خطاب حقوقي خارج البيت وحرمان اللواتي يشتغلن داخل بيوتهم من حقوقهن .
وبالنسبة للنساء المقاولات، ثمن الريادة التي تتمتع بها النساء اللواتي شاركن في هذا اللقاء، واللواتي اقتحمن مجالات كانت ولازالت ذكورية بامتياز كمجال المحلات التجارية الكبرى” سوبيريت” بالنسبة للسيدة بشرى القيطوني، والتي تملك مقاولة عبارة عن محل يصنف ضمن المحلات التجارية السالف ذكرها، أو السيدة حجيبة مشرف التي تملك مقاولة في مجال البناء، والسيدة لمياء النهاري التي تملك مقاولة في مجال التأمين، فضلا عن المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي الشابة شروق الشلواطي،والتي تحمل لقب ملكة جمال العرب، والسيدة صفاء اليعقوبي كإطار داخل الإدارة المغربية والطالبتين سلمى خويلي ونهيلة كريوص.
واعتبر أن مسار التمكين في جزء منه تملكه النساء، وعليهن التحلي بروح التحدي والنضال، فالأمر عسير طبعا، خاصة وأن تغيير الواقع لايتطلب فقط أن يتغير تفكير الذكور أو الرجل، لكن يجب أن يتغير تفكير النساء، والإيمان بفكرة أن النضال من أجل حقوق النساء ليس نضالا نسائيا، بل قد يكون نسائي ولكن هو نضال الرجل أيضا، خاصة بالنسبة للذين يعتبرون أنفسهم تقدميين والذين هم منضوين داخل أحزاب تؤمن وتحمل القيم التقدمية،داعيا إياهم إلى الانتباه من السقوط في انفصام الشخصية على هذا المستوى، بعيش حياة في الواقع مغايرة لتلك التي يمارسونها في خطابتهم”.
وفي جانب آخر، يتعلق بما أصبح يعرف بموضوع المؤثرات التي فتحن قنوات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويملكن عدد متابعات تفوق الملايين، ويحققن عائدا ماديا محترما من خلال ذلك، أكد الأمين العام أن هذه المهن هي من المجالات الجديدة وهي غير مقننة أو مؤطرة، وأن كل العاملات والفاعلات والفاعلين فيه حاولوا أن يدبروا وضعيتهم بإمكانياتهم الخاصة، معبرا عن استعداد الحزب للعمل مع من يرغب في ذلك من هؤلاء لوضع إطار تصور شمولي للتقنين رغم ما يثيره هذا التقنين من جدل لربط البعض المسألة بحرية التعبير، مؤكدا أن المضامين المليئة بالميوعة والتفاهة، والتي تبث خطاب العنف والكراهية العنصرية و التمييز ضد النساء لا يمكن تركها دون تقنين.

فنن العفاني

> عدسة: رضوان موسى

Related posts

Top