احتفلت مدينة تيزنيت، عاصمة الفضة، بتظاهرة “تيفلوين” في دورتها الثالثة، برأس السنة الأمازيغية 2975، في الفترة الممتدة من 11 إلى 14 يناير الجاري، بتنظيم من جماعة تيزنيت وتعاون مع المجلس الإقليمي لتيزنيت، ومشاركة فعاليات المجتمع المدني.
وقد عاشت تيزنيت، طيلة أيام التظاهرة في أجواء حميمية اجتمع فيها الناس مع بعضهم البعض للاستمتاع بكل فقرات التظاهرة التي اختار لها منظموها شعار “احتفالية الأرض والهوية”.
أثثت تظاهرة “تيفلوين” مدينة تيزنيت ببرنامج غني شمل جميع فضاءات المدينة العتيقة، من مسرح الهواء الطلق إلى برج أغناج ثم ساحة الجامع الكبير والعين الزرقا و”تيكمي ن تمازيرت”.. وغيرها من فضاءات أخرى، حجت لها ساكنة مدينة تيزنيت ونواحيها، وأيضا، كانت فرصة ليكتشف الضيوف الثقافة الأمازيغية وعادات وتقاليد المدينة التي فتحت (تفلوينها) أبوابها للجميع.
وقد توزع البرنامج بين أربعين فضاء، امتد طيلة أربعة أيام بين مجموعة من الأحياء والممرات، مثل حي إنرارن ندعلي، حيث أقيم معرض للفن التشكيلي “أزور- آرت”، واستوديو وورشات للأطفال في النحت والرسم والألعاب التقليدية الأمازيغية (أدغارن ن تازانين).
أما ممر “كر المداين” فقد خصص لعرض صور الدورتين السابقتين للاحتفالية. فيما احتضنت باحة الجامع الكبير، برنامج ليالي صوفية الذي خصص لجلسات ذكر جماعية، تخللتها تلاوات قرآنية، وأمداح نبوية، عكست أجواء روحانية، وعززت الارتباط بالتقاليد الدينية العريقة، من تأطير مدارس عتيقة وزوايا دينية وجمعيات.
أما برج تيكمي ن تمازيرت، فقد خصص لورشة صناعة آلة الرباب والعزف عليها. كما عرضت أروقة متعددة للكتب لجمعيات وكتاب حول الثقافة الأمازيغية، وورشات للقراءة وفنون الخط وفن الأوريكامي بمركز تفسير التراث، فيما هيئ الفضاء العلوي للمركز للورشات التكوينية الموضوعاتية ولقاءات بين الفنانين والمبدعين. والفضاء التحت أرضي للمركز فقد كان بمثابة معرض لذاكرة تيزنيت ومعرض صور الحلي المحلية.
أما مسرح الهواء الطلق أغناج، فقد عرضت فيه صور أخرى للمآثر التاريخية، وأنشطة ترفيهية للأطفال صباحا، وحكايات “أومين دو أومين” مساء وسهرات تراثية ليلا شملت فنون أحواش ن درست – تيرويسا – تارشاشت وتزنزارت.
وانتصبت خيم سوق الإبداع soukcrea بمحاذاة سور قصبة أغناج، حيث عرضت مجموعة من الجمعيات والشباب إنتاجاتهم التي ناقاشوها في مقهى أدبي شبابي يدعى «cafécrea».
وخصص فضاء العين أقديم لعرض الأزياء الأمازيغية باعتباره نواة للمدينة العتيقة ونقطة جذب سياحية. وكانت أكلات “تاكلا وأوركيمن” حاضرة في فضاء أنوال الذي قدمت فيه منتوجات الجمعيات النسائية المتخصصة في فن الطبخ النشيطة بالمراكز الثقافية التربوية، وفقرات من المديح الصوفي النسائي “أكراو” ليلا.
كما خصصت إكي ن تفلوين لمعارض ذاكرة أعلام تيزنيت والعين أقديم والهوية البصرية الجديدة للمدينة. وعرض في ساحة النخلات تشكيلة متنوعة من الحرف والمعارف التقليدية. وفي مكان آخر ثمة متحف خاص بعرض مجموعة من المفاتيح وبعض أشكال الأبواب الخشبية التقليدية المختلفة المعروفة بتزنيت وببادية سوس، وهو متحف “أغوليد” الذي يحمل اسم صاحبه والمشرف عليه السينوغراف الفنان أغوليد المعروف بتيزنيت باهتمامه المتحفي والتراثي (ولنا في بيان اليوم عودة لهذا المتحف الهام في روبورطاج خاص).
وبمحاذاة السور الأثري، من باب تاركا أوسنكار في اتجاه باب الخميس، نصب ما يزيد عن 100 خيمة خصصت لمعرض تعاونيات الاقتصاد التضامني الاجتماعي، حيث قدمت منتوجات مجالية متنوعة يزخر بها إقليم تيزنيت. وبموازاته أقيم فضاء للمطعمة لتقديم الأكلات والأطباق الأمازيغية.
أنشئت عدة أفران لطهي الخبز التقليدي (إنكان وتفرنوت) وتقديم لوحات من فنون أحواش بالساحة الخارجية لباب تاركا وبالأخص أحواش نتفرخين (البنات). ونظمت بمزارع واحة تاركا جلسات لاحتساء الشاي بالنعناع التيزنيتي.
كما حضرت العائلات بأحياء المدينة الأكلات التي حملتها النساء في موكب يعرف بـ “ترزيفت”، في اتجاه العين أقديم ورافقتهن أهازيج وأغان متصلة باحتفالية إيض إيناير. فضلا عن ندوات فكرية وعلمية بفضاءات أكورا، رياض الجنوب وتورتيت.
قالت فاطمة نافع، الفاعلة الجمعوية بجمعية للا رقية علي أحماد للتراث والأمداح النبوية بتيزنيت، وهو اسم الزاوية التي انبثقت منها الجمعية: “كانت النساء تزرن الزاوية لإنشاد الأمداح النبوية، ثم قررنا تأسيس الجمعية للحفاظ على هذا التراث والتعريف به”.
تضيف فاطمة في تصريح لجريدة “بيان اليوم”: “نقوم اليوم بعرض مجموعة من الأزياء الأمازيغية النسائية والرجالية التي تخص مدينتي تيزنيت وتافراوت.. لدينا ألبسة ترجع إلى فترات الستينات والسبعينات من القرن الماضي توارثناها جيلا عن جيل، وهناك ألبسة وأكسسوارات أخرى اكتريناها خصيصا لهاته المناسبة. هناك تيزرزاي وأحلاب وتازلاكت وتاونزة وأجبير والخنجر.. هناك، أيضا، مجموعة من الألبسة والأكسسوارات التي وظفناها في هذا العرض للاحتفال بالسنة الأمازيغية، ويقدم هذا العرض من طرف 13 امرأة و3 رجال”.
كما قدمت جمعية للا رقية علي أحماد للتراث والأمداح النبوية بتيزنيت، في ذات الليلة، أمداحا نبوية بـ “تشلحيت” من طرف مجموعة من النساء الكبيرات في السن، اللواتي حافظن على هذا المديح أو ما يسمى بـ “أكـراو”. وتسعى الجمعية، من خلال هاته الأمداح، التعريف بهذا الموروث الثقافي الذي يخص منطقة سوس. تقول نافع: “الفرقة متكونة من نساء كبيرات في السن، ونساء في الأربعينات، ومؤخرا انضمت إلينا مجموعة من الطفلات ليحافظن على هذا الموروث”.
في تصريح مماثل، قال المخرج المسرحي الحبيب نونو، المسؤول عن سهرات أغناج، التي أقيمت فيها فنون أحواش ن درست – تيرويسا – تارشاشت وتزنزارت: “وددنا أن نقدم في هاته السهرات، تارشاشت كامتداد للفنون الجماعية التقليدية بمنطقة إيبركاكن وإيسافن، وكذلك من خلال تجربة أرشاش مولاي علي شوهاد”.
يضيف نونو: “نود أن ننفتح من خلال هاته التجربة على صنوف أحواش. كانت مدينة تيزنيت معقلا لفن تيرويسا الذي أبدع فيه الذكور وكذلك النساء قبل أن يبنى سور مدينة تيزنيت. تيرويسا لها شكل وقالب فني غني. وقمنا بهاته الاختيارات انسجاما مع العمق الثقافي والفني لتظاهرة تيفلوين، فحيثما وليت وجهك ترى احتفالا، وساكنة مدينة تيزنيت مدعوة لأن تشارك في هاته الاحتفالات، وهي احتفالية لا حدود لها، لأن أي شخص يمكن أن يأتي ويحتفل بصيغته وطريقته، وأبواب تيزنيت ومنازل العائلات كلها مفتوحة لهاته الاحتفالية”.
واختتم المسرحي الحبيب نونو حديثه بالقول: “أود أن أشير إلى أن المرأة حاضرة بقوة في هاته الاحتفالية، من خلال “أكـراو”، ومن خلالها نحافظ على عمق الثقافة الأمازيغية، وكذلك نراها في صنوف أحواش واللباس..”.
من جهتها، قالت رشيدة دماعة، الفاعلة الجمعوية، ورئيسة جمعية “أكـراو”: “جئنا للمشاركة في احتفالية تيفلوين بمناسبة إيض إيناير. نقوم في الجمعية بمجموعة من الأنشطة، ولكن أعطينا الأهمية أكثر لـ “أكـراو” كي لا ينقرض، ونسعى إلى تلقينه للأطفال الصغار كي يحبوا هذا الموروث الثقافي وأيضا، كي لا ينقرض”. قبل أن تضيف: “النساء الكبيرات في السن ما زلن يحفظن هاته الأمداح، وهن اللواتي ينقلنها للجيل الجديد. الغرض هو إحياء هاته الأمداح”.
وكان بلاغ لجماعة تزنيت والمجلس الإقليمي، قد ذكر بأن احتفالية هذه السنة تهدف إلى “المساهمة في جعل اقتصاد المعرفة والصناعة الثقافية قاعدة لتحسين التنافسية الاقتصادية والترابية لإقليم تزنيت، وعاملا من عوامل تقوية جاذبيته الثقافية والتراثية والتنموية، وترسيخ الترابط التاريخي بين “بساتين تاركا” كمتنفس بيئي يمتد على عشرات الهكتارات، والمدينة العتيقة كواحدة من أعرق المدن على الصعيد الوطني”.
وأضاف المصدر ذاته بأن “احتفالية تيفلوين” تسعى إلى “المساهمة في التعريف بالموروث المادي واللامادي لمدينة تيزنيت، عبر ورشات حرفية تمتح من التقاليد التراثية للذاكرة الجماعية، المرتبطة أساسا بالدورة الزراعية والفلاحية والصناعات التقليدية المختلفة، كما تسعى إلى استعراض أشكال ثقافية وفنون أصيلة منفتحة على التعبيرات الحداثية والعصرية، مع استحضار تنوعها وضرورة تشجيع وتثمين المنتوجات المحلية المجالية والبيولوجية”.
مبعوثة بيان اليوم إلى تيزنيت: سارة صبري