تعيينات بحجم تحديات البلاد

التعيينات الملكية الأخيرة لم تكن بلا دلالة أو رسائل التقطها عدد من المحللين ومراقبين لشأننا العمومي، وهي وجهت أولا رسالة اطمئنان بشأن الإصرار على تفعيل الإصلاح وتقوية دور القضاء ومؤسسات الحكامة.
هذه التعيينات التي قررها وأعلن عنها جلالة الملك، وفق أحكام القوانين ذات الصلة، تمتلك أهميتها لارتباطها بمؤسسات دستورية أساسية، ولها أدوار مركزية في تقدم المسار الديمقراطي والمؤسساتي العام ببلادنا.
بغض النظر عن بعض التفاصيل والسياقات ذات العلاقة بعمل مؤسسات شملتها التعيينات، فإن المشترك بين التعيينات المعلنة هو معيار الكفاءة المعرفية والمهنية، وقوة الشخصية لدى الأسماء التي حضيت بالتعيين.
ودلالة هذا، أن المطلوب اليوم من المسؤولين المعينين هو تحمل مسؤولياتهم كاملة في تدبير المؤسسات المعنية، وتمتين جودة الأداء ونجاعته، وأيضا تقوية الانسجام بداخلها، وبالتالي جعل هذه المؤسسات تكتسب ثقة المجتمع، وأن يطمئن لها ولعملها.
الحرص على الكفاءة، وعلى قوة الشخصية، وعلى المصداقية المهنية والأخلاقية والتدبيرية، كل هذا يعني إشارة واضحة لضرورة تعزيز السير في طريق الإصلاح، وتطوير جودة الحكامة، وتجديد التأكيد على أن بلادنا ماضية في طريق إنجاح الإصلاحات ومحاربة الفساد والمحسوبية، وتعزيز مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
تعيين زينب العدوي على رأس المجلس الأعلى للحسابات، وهي التي كانت أول قاضية به، يؤكد تثمينا واضحا لدور المرأة المغربية، ويوجه رسالة ثقة في النساء ودعوة للرفع من تمكينهن المؤسساتي وأدوارهن القيادية.
أما تعيين محمد عبد النبوي رئيسا أولا لمحكمة النقض، وبهذه الصفة رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فضلا عن تعيين الحسن الداكي وكيلا عاما للملك لدى محكمة النقض، وبهذه الصفة رئيسا للنيابة العامة، ففي ذلك إشارة ملكية قوية لتقدير الكفاءة المعرفية والتدبيرية، والمصداقية المهنية، وأيضا سعيا لتقوية الانسجام والتعاون على رأس المؤسسات الوطنية، ومن ثم التأسيس لمرحلة قضائية جديدة في بلادنا. 
ويعتبر تعيين أحمد رحو، من جهته، على رأس مجلس المنافسة توجيها ملكيا للسعي من أجل الفعالية ونجاعة أداء مؤسسة دستورية أساسية وذات أدوار مركزية ودقيقة، والحرص على تطوير العلاقات داخل هذه المؤسسة، وتمتين الانسجام، بما يعزز جودة العمل.
إن التعيينات الملكية جميعها تلتقي كذلك ضمن التعبير عن انتظامية التجديد على رأس المؤسسات الدستورية تطبيقا لمقتضيات القانون، وتسعى لضخ دينامية جديدة على رأس هرميتها التسييرية، وبعض هذه التعيينات تمثل نهاية مرحلة تدبيرية وانطلاق أخرى جديدة، يجب أن تكون مختلفة عن سابقتها وتنتصر للنجاعة والفعالية في الأداء، وتلتزم أيضا بالتعاون والانسجام الداخليين.
ولكن الدرس الجوهري من كامل هذه التعيينات الملكية يبقى هو ضرورة التقيد بمعيار الاستحقاق الشخصي والمهني في مختلف التعيينات في كل المسؤوليات العمومية بلا محسوبية أو زبونية أو أي عامل قرب مهما كان.
وامتدادا لهذا الدرس الملكي، ومن داخل دلالته، فإن قوة الشخصية وتحمل المسؤولية في القرار والتنفيذ، وكذلك قدرة تدبير فرق العمل وتمتين الالتفاف الداخلي، تعتبر من مقومات المسؤول الناجح المطلوب اليوم لتدبير الشأن العمومي الوطني.
بلادنا، بشكل عام، أمامها اليوم تحديات جوهرية بالنظر إلى الظرفية الوطنية العامة، وبحكم تداعيات زمن الجائحة، ومن ثم تكتسب مؤسسات التدبير والحكامة أهميتها وراهنية تطوير أدائها وما ينجم عن عملها من آثار في الواقع، ولكل هذا، التعيينات الملكية الأخيرة ليست مجرد تنصيب أشخاص أو تتويجات ذاتية لهم، وإنما هي تندرج ضمن توفير شروط وأدوات وبروفايلات مواجهة بلادنا لتحدياتها التدبيرية والتنموية والديمقراطية، أي أنها من عناوين مرحلة وطنية جديدة تؤسس لها بلادنا لبناء وتعزيز المستقبل.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top