تفشي الإشاعات يفقدنا مزحة كذبة أبريل

كم كنا جد متلهفين ومشتاقين لمزحة كذبة طريفة تطل علينا، أو نطل بها شهر أبريل من كل سنة على الأهل والأحباب والأصدقاء. سواء لعبنا فيها دور البطولة أو حظينا بمجرد المشاركة أو حتى إن كنا ضحاياها. كنا نستمتع خلال هذا الشهر بأي خبر مكتوب أو تسجيل صوتي أو مرئي أو أي مشهد مفبرك. يدخل علينا السعادة وينسينا متاعب الجد والحزم المفروض أننا نواظب عليها طيلة السنة. مع الأسف لم يعد بإمكان شهر أبريل أن يستمر في التربع على عرش الكذب والإشاعة والدعابة. وبات عرشه مهددا بالانهيار، بعد أن زاد انتشار واستفحال الإشاعة والأكاذيب طيلة السنة.
بات للكذب خبراء ومحترفون يتفننون في إبداعه وتسويقه. منشغلون بتعذيب العقول البشرية، وتشتيت أفكار وهموم العقلاء. فأصبح الكل مصابا بهذا الفيروس، الذي شغل الناس، وهم سجناء كورونا المستجد وباقي متحوريه، رهن الحجر الصحي والمنزلي، يقتلهم الملل والضجر.
تخلت العوالم الرقمية عن مهامها في التواصل الإيجابي والمثمر، وفقد الناس مؤنسهم الوحيد و مناظيرهم  التي يطلون بها على عالمهم الواقعي، الذي أصبح بعيد المنال مؤقتا. مستعمرا من طرف زعيم مجهول وغير مرئي.
زادت غضبة شهر أبريل شدة. بالنظر إلى ما تعرض له من خيانة بشرية، وخيانة من باقي الأشقاء الـ 11، شهور السنة الميلادية.  فلا هو قادر على محو غدر هؤلاء، الذين استباحوا الأعراض والشرف والدين والأخلاق. بسيوف الكذب والبهتان. ولا هو راغب في استعادة عرش لطخ بالدموع والدماء والعرق.
وبرغم ما يعرف بمآسي شهر أبريل التي عددها موقع  (ويكيبيديا). هذا الشهر الذي عرف ولادة الزعيم الألماني هتلر. واستسلام الدولة الألمانية في الحرب العالمية الثانية. وقبلها عرف بداية الثورة الأمريكية، كما عرف اغتيال الرئيس الأمريكي إبراهام لينكون، وزلزال فرانسيسكو، وغرق السفينة تيتانيك… فإن من مميزات هذا الشهر، أنه اعتاد الإطلالة علينا كل فصل ربيع. وكلنا شوق ولهفة، لاستقبال (دعابة) أو (كذبة بيضاء)، تزيدنا مرحا ونشاطا. اعتدنا القبول بأكاذيبه وشائعاته. لأنه لم تكن يوما أكاذيب وشائعات محبطة ومدمرة للنفوس. كتلك التي باتت تطل علينا في وقت وحين.
لم يعد شهر أبريل، مهتما بعرشه. ولم يعد يفكر حتى في الانتقام ممن دبروا مؤامرة الثورة والانقلاب والإطاحة به. بقدر ما أصبح مهتما بخطورة هؤلاء الانقلابيين في زمن كورونا. وما قد يلحقونه من ضرر للبشرية جمعاء.. وما قد ينسبونه إليه من أكاذيب وإشاعات هو بريء منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
ورغم عشق الشعوب وشوقها لـ(كذبة أبريل)، فإن ما يجري ويدور من جرائم الكذب والبهتان والتلفيق والفبركة الرقمية، جعل كل دول العالم تسن قوانين لتجريم الكذب والإشاعة. وهي اليوم تشدد عليها أكثر في زمن كورونا. والمغرب في مقدمة تلك الدول. كان سباقا قبل سنوات، لسن قانون محاربة الإشاعة ونشر الأخبار الزائفة، أو التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري دون موافقة أصحابها. وبات ناشر الأكاذيب والإشاعات عرضة للمساءلة القانونية والمتابعات القضائية. ومآله السجن. ومدة العقاب تتراوح ما بين 6 أشهر و3 سنوات، وغرامة مالية من ألفين إلى 20 ألف درهما.
فهل يكفي سن القوانين، وتحديد العقوبات السجنية والغرامات، من أجل وقف زحف فيروس الكذب والإشاعة. وهل يكفي استفاقة المتحكمين في منصات التواصل المتأخرة، وتأكيدهم على تنقية وتطهير منصاتهم من هذه الكائنات البشرية المدمرة، من أجل ضمان مراقبة صارمة لما يبث وينشر بالعوالم الافتراضية؟؟..
طبعا لا.. والدليل ما نعيشه اليوم من انتشار واسع للإشاعة والأكاذيب. والتي يعتمد أصحابها على إمكانيات إخفاء هوياتهم التي توفرها لهم بعض منصات التواصل. وكذا إمكانيات البث والنشر من أي بلد، وتحت أي غطاء.
 مع الأسف الشديد أصبحنا اليوم نئن تحت وطأة الإشاعة. وبدأ الكل يشكك في كل ما يصله من أخبار ومعلومات. بل بدأ يفقد الثقة في كل من يدبر أموره داخل الحكومة وباقي رفوف الإدارة. علينا وضع حد لمسلسل نشر التفاهات والسخافات واستغلال منصات التواصل في التربية والثقافة والتعليم وتبادل المعلومات الصحيحة. وتبادل الوصايا والمقترحات الجادة. والكشف عن الثغور والثقوب والنواقص، والعمل على إيجاد السبل لمعالجتها.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top