تقارير مجلس حقوق الإنسان

البلاغ الذي أصدره الديوان الملكي بعد أن رفع المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى جلالة الملك تقاريره الموضوعاتية طبقا للفصل 24 من الظهير الشريف المحدث للمجلس، لا يجسد فقط إشادة وتنويها بالمؤسسة الوطنية المغربية لحقوق الإنسان، وإنما يرمز أيضا إلى تفاعل ملكي قوي مع القضايا الحقوقية والديمقراطية، ومع الورش الكبير لإصلاح وتأهيل العدالة في بلادنا. تتعلق التقارير الأربعة التي رفعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمحكمة الدستورية، وبالدفع بعدم الدستورية، وبالمحكمة العسكرية وبالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكلها تنتظم ضمن الإصلاحات التشريعية ذات الصلة بتفعيل مقتضيات الدستور الجديد.
ومن المهم التأكيد هنا على أن العمل المذكور يندرج كذلك ضمن متابعة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، كما أنه يتفاعل مع النقاش العمومي الجاري في البلاد بهذا الخصوص منذ فترة طويلة، وهو يثري أيضا مناقشات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، أي أن كل هذه الواجهات متكاملة، وستقود إلى بلورة أجندات الإصلاح داخل النسق المؤسساتي الوطني الذي ينخرط فيه الكل.
وبناء على ما سبق، فسيكون من غير المجدي جر الاهتمام اليوم إلى نزوعات أنانية وشكلية، وبالتالي توهم حروب مواقع هي بلا معنى في مثل هذا الورش الإصلاحي الوطني الهام.
نحن اليوم أمام رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول محاور أساسية في ورش إصلاح العدالة، وأمام مخطط تشريعي أحالته الحكومة على البرلمان، ولدينا أيضا مجريات النقاش الوطني حول إصلاح العدالة، بالإضافة إلى مقترحات الهيئات السياسية والجمعيات الحقوقية ومنظمات مدنية أخرى، كما أن السياق الدستوري والسياسي الجديد  يتيح كذلك لأطراف شعبية وجمعوية التعبير عن مطالبها وتصوراتها للإصلاح، ولهذا فالكرة اليوم لدى المؤسسة التشريعية لتستثمر كل هذه الآراء والاجتهادات من أجل تطوير منظومتنا التشريعية والقانونية في اتجاه توطيد دولة القانون وحماية حقوق الإنسان واستقلال القضاء، أي تفعيل مقتضيات الدستور الجديد، والاستجابة لانتظارات المجتمع المغربي، وتكريس الانسجام مع المعايير الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والعدالة والديمقراطية وفصل السلط.
إن الرسالة الأهم اليوم من خلال تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان وبلاغ الديون الملكي الذي ينوه بها، هي أن باقي مؤسسات الحكامة الموجودة والمنصوص عليها في الدستور يجب أن تتحرك بدورها وتكثف اجتهادها الاقتراحي، بالإضافة إلى أنها تنبه إلى أهمية عامل الوقت، وبالتالي مسؤولية مختلف الأطراف في تسريع وتيرة تفعيل مقتضيات الدستور، أي انجاز كل المهام التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية بما يمنح للوثيقة الدستورية الحياة، ويجعلها واقعا ملموسا وممتدا في مختلف مناحي الحياة المجتمعية.
وهنا تبرز مسؤولية البرلمان كبيرة وأساسية، أي استثمار المخطط المحال عليها من لدن الحكومة، ومختلف الآراء والمقترحات والتوصيات ذات الصلة بغاية تمكين بلادنا من منظومة قانونية ومؤسساتية في مستوى التقدم الذي حمله دستور فاتح يوليوز 2011.

Top