جلالة الملك دعا دائما إلى القيام بتحليل موضوعي ومتجرد للواقع العربي

في الوقت الذي تنعقد فيه القمة ال28 لجامعة الدول العربية بالأردن في ظرفية صعبة تمر بها الأمة العربية، كتبت صحيفة “هافينغتون بوست” الأمريكية، الواسعة الانتشار، أن جلالة الملك محمد السادس دعا دائما إلى القيام بتحليل موضوعي ومتجرد للواقع العربي، بالنظر إلى أن “الوحدة العربية الحقيقية والسلام بالمنطقة لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيقها بالاعتماد على مقاربة عسكرية اختزالية، في هذا القرن ال21″، مع التأكيد على الحاجة الملحة لكسب معركة التنمية.
وأبرزت “هافينغتون بوست”، في مقال تحليلي من توقيع أحمد الشرعي، الناشر وعضو مجلس إدارة العديد من مراكز التفكير الأمريكية، تحت عنوان “الأردن يستضيف قمة جامعة الدول العربية في ظل أجواء من الفوضى بالشرق الأوسط”، أن “جلالة الملك دق في خطابه إلى القمة العربية ال27 التي انعقدت بنواكشوط في يوليوز 2016، ناقوس الخطر لرؤساء الدول العربية، مؤكدا على ما مفاده أن الوحدة العربية والسلام بالمنطقة لا يمكن تحقيقهما على أساس مقاربة عسكرية اختزالية في القرن ال21”.
كما شدد جلالة الملك على “واجب التحليل الموضوعي المتجرد للواقع العربي، وضرورة التنبيه إلى المخاطر الداخلية والخارجية التي تستهدف تقسيم البلدان العربية”.
واستحضرت “هافينغتون بوست” أحد المقاطع الأكثر دلالة وعمقا في خطاب جلالة الملك خلال القمة العربية ال27 بنواكشوط، والذي أكد خلاله على أنه “إذا كان من جهاد صالح فهو جهاد النفس، جهاد بناء الثقة، وجهاد تنقية الأجواء، للتمكن من حل مشاكلنا فيما بيننا، بعيدا عن التأثيرات الخارجية التي تزيد تلك القضايا تعقيدا وتؤجل حلها، مما يترتب عنه إهدار للجهد واستنزاف للطاقات والخيرات”.
ولاحظت الصحيفة الأمريكية، في هذا السياق، أن “صاحب الجلالة والعاهل الأردني الهاشمي يتقاسمان بوضوح هذه الفلسفة، على أمل أن يريا باقي الأمة العربية تنخرط في هذه الرؤية.”
من جهة أخرى، سجل كاتب المقال أن القمة العربية ال28، التي تحتضنها الأردن، تواجه سلسلة من التحديات، لاسيما الأزمة السورية، والوضع السائد في ليبيا، والعلاقات بين الدول العربية، وتهديدات داعش للسلام والأمن الإقليميين، وأزمة اللاجئين السوريين، والعلاقات مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب.
وبخصوص حصيلة القمة، بدا اجتماع الزعماء العرب لافتا في مستواه العددي الذي يعتبر قياسيا بالمقارنة مع قمم سابقة وفي مستوى الانسجام النسبي الذي ساد أداء المجتمعين. وأجمع المراقبون على أن القمة الـ28 في البحر الميت في الأردن أسست لآليات تقارب بدا الجميع تواقا لإرسائها، وأن المشهد عكس حاجة لترميم النظام السياسي العربي الذي ينتقل من طور ما قبل مرحلة “الربيع العربي” إلى مرحلة أخرى لم يستقر تموضعها بعد.
ويعكس حرص القادة على إنجاح قمتهم تمسك العواصم العربية بالمؤسسة العربية الجامعة رغم الوهن الذي أصاب العمل العربي المشترك ورغم ركاكة الأداء الذي تسلكه جامعة الدول العربية في مقارباتها لملفات المنطقة.
وتجمع أوساط سياسية واكبت أعمال المؤتمر على أن الزعماء العرب نجحوا في الحفاظ على الحد المطلوب من التآلف المشهدي في ما بينهم، رغم وجود تباينات حقيقية بين الدول العربية حول بعض القضايا الرئيسية.
وإذا ما استثنينا خلو مقعد سوريا التي مازال النظام السياسي العربي يحمل نظامها مسؤولية الكارثة فيها، فإن موقف بغداد وبيروت بدا متوسلا لتوازن بين المزاج العربي وخصوصية علاقة العاصمتين بالنظام الإيراني.
ويرصد المتابعون لشؤون العلاقات العربية الإيرانية أن القمة العربية وجّهت رسالة واضحة لا لبس فيها ترفض تدخل إيران في شؤون البلدان العربية. ولاحظ هؤلاء أن الكلمات التي ألقاها الزعماء العرب كما نص مشروع البيان الختامي جسّدت موقفا جامعا يعبّر عن إجماع عربي حيال السياسة التي تنتهجها طهران في العالم العربي، بما يشكل رسالة عربية للعالم عموما، ولواشنطن وموسكو خصوصا، حول عناوين الموقف العربي حيال طهران.
ولا يغيب عن المراقب أن القمة أعادت انتشال القضية الفلسطينية نحو صدارة المشهد العربي كعنوان رئيسي من عناوين مقاربة مسائل المنطقة برمتها.
وتؤكد مراجع دبلوماسية فلسطينية أن المقاربة العربية في القمة سعت إلى إعادة تفعيل المبادرة العربية التي أقرتها قمة 2002 في بيروت بصفتها الرؤية العربية التي لم تتغير لمستقبل العلاقات العربية الإسرائيلية.
ويرى باحثون في شؤون الموقف العربي التاريخي من الشأن الفلسطيني أن الزعماء العرب عبروا عن توق لتأكيد ثوابت الموقف المتعلق بالشأن الفلسطيني المستند على حل الدولتين الذي بدا في تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا أنه ليس الحل الوحيد، كما اتخذوا موقفا واضحا رافضا لبالونات الاختبار التي أطلقتها واشنطن أخيرا في شأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
ورغم اللبس الذي يشوب موقف الليبيين من مسألة شرعية حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، فإن المجموعة العربية عبّرت عن احترامها لمآلات اتفاق الصخيرات واعتماد مفاعيله من قبل المجتمع الدولي.
وانصب اهتمام المراقبين على ما يمكن أن تنتجه الاجتماعات الجانبية على هامش أعمال القمة من تطور في العلاقات السياسية البينية بين بعض العواصم العربية.
وفيما كان واضحا تعذر إجراء مصالحة مصرية قطرية قيل إن العاهل الأردني يسعى إليها، فإن لقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومن ثم برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وفر مناسبة لإزالة بعض الشوائب التي وسمت علاقات الرياض مع القاهرة وبغداد.

Related posts

Top