“حرب الأرقام “تتواصل بين المندوبية السامية للتخطيط والحكومة

بعد ما أعلن جلالة الملك محمد السادس تعيين شكيب بنموسى مندوبا ساميا للتخطيط خلفا لأحمد الحليمي العلمي، تبادرت العديد من الأسئلة حول مصير أرقام المندوبية وإحصائياتها، والتي أطلق عليها في فترة الحليمي “حرب الأرقام” مع الحكومات المتعاقبة.
و كانت أرقام المندوبية السامية للتخطيط في عهد الحليمي دوما محط انتقادات الحكومة الحالية التي تسعى لنشر تفاؤل زائف بالإنجازات التي تقوم بها، في حين تظهر أرقام المندوبية السامية للتخطيط عكس ما تدعيه.
فقد أكدت الحكومة في الكثير من بلاغاتها الأخيرة أن الدعم التي قدمته للأسر على سبيل المثال ساعد كثيرا الفئات الهشة من المجتمع، في المقابل أدرجت المندوبية السامية للتخطيط، مذكرة إخبارية لنتائج بحث الظرفية لدى الأسر في الفصل الأول من سنة 2024، تؤكد أن مؤشر ثقة الأسر عرف، خلال الفصل الأول من سنة 2024، تراجعا بالمقارنة مع نفس الفصل من السنة الماضية، وهكذا انتقل مؤشر ثقة الأسر إلى45,3 نقطة عوض 44,3 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق و46,3نقطة المسجلة.
وخلال الفصل الأول من سنة 2024، بلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة 82,5%، فيما اعتبرت %13,1 منها استقراره و4,4% تحسنه.
وهكذا، استقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 78,1نقطة، مقابل ناقص83,2 نقطة خلال الفصل السابق وناقص81,5 نقطة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.
أما بخصوص تطور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا المقبلة، فتتوقع 56,9% من الأسر تدهوره و%33,5 استقراره في حين ترجح %9,6 تحسنه. وهكذا، استقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 47,3 نقطة مقابل ناقص 49,0 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 8,38 نقطة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.
وصرحت 55,9% من الأسر، خلال الفصل الأول من سنة 2024، أن مداخلها تغطي مصاريفها فقط، فيما استنزفت %42,3 من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض. ولا يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخلها %1,8. وهكذا استقر رصيد آراء الأسر حول وضعيتهم المالية الحالية في مستوى سلبي بلغ ناقص 40,5 نقطة مقابل ناقص 40,3 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 42,0 نقطة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.
وبخصوص تطور الوضعية المالية للأسر خلال 12 شهرا الماضية، صرحت 56,2% من الأسر مقابل 3,5% بتدهورها. وبذلك استقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص52,7 نقطة مقابل ناقص56,1 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 57,2 نقطة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.
أما بخصوص تصور الأسر لتطور وضعيتها المالية خلال 12 شهرا المقبلة، فتتوقع 16,5% من الأسر مقابل%29,9 تحسنها. حيث استقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 13,4نقطة، مسجلا بذلك تدهورا سواء بالمقارنة مع الفصل السابق أو مع نفس الفصل من السنة السابقة حيث استقر في ناقص 10,6نقاط وناقص5,2 نقاط على التوالي.
من جانبه، يشعل التضخم مواجهة بين المندوبية السامية للتخطيط، التي ترفض مبررات الحكومة، وتطالب بعدم ربطه بالسوق الدولية، وبين رئيس الحكومة ‏الذي أعلن محافظة حكومته على مسار سياستها المالية، مشددا على أن حكومته “ستواصل محاربة التضخم، وحتى التضخم المستورد، تماما مثل التضخم المتعلق بالمواد الغذائية، على الرغم من كون هذا الأخير مرحلي، ومرتبط إلى حد كبير بالعوامل المناخية مثل الجفاف وموسمية المنتجات الزراعية”.
وفي هذا السياق تواصلت جريدة بيان اليوم مع المحلل الاقتصادي عبد النبي أبو العرب، الذي أكد في تصريحه أن التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط يظهر أن التضخم هو ظاهرة مستدامة ومستقرة ومن المنتظر أن تستمر المؤشرات والأسباب الكامنة وراءها بالنظر إلى الارتفاع الشامل الذي تشهده أسعار المواد الاستهلاكية بالمغرب، مضيفا “وبالتالي نحن أمام ظاهرة تمتلك مقومات الديمومة والاستمرار خلال السنوات المقبلة لاسيما أن مؤشرات التضخم بدأت تستفحل من شهر إلى آخر”.
وأشار أبور العرب ضمن تصريحه، إلى مقارنة المندوبية السامية للتخطيط بين مؤشرات التضخم خلال شهري يونيو ويوليوز من السنة الجارية، والتي خلصت إلى تطور المنحنى التصاعدي للتضخم وارتفاع الأسعار بصفة عامة بـ0.7 بالمئة، بفعل تزايد أثمنة عدد من المنتجات الاستهلاكية، محذرا في السياق ذاته من استفحال التضخم، خاصة عندما نقارن ما بين المعدل المسجل في سنة 2022 وذلك المسجل في سنة 2023، والذي ارتفع بنسبة 11 بالمئة.
ويرى  الخبير الاقتصادي أنها مؤشرات مقلقة تدل على أن هذه الظاهرة ما تزال في استفحال مستمر وأن المغرب يواجه ضغوطا تضخمية من شأنها أن تعمق من أزمة القدرة الشرائية للمستهلكين المغاربة بسبب استمرار موجة غلاء. الأسعار وأن السياسات العمومية التي تم اتخاذها للحد من ارتفاع الأثمان وتقليص نسب التضخم لم تؤت أكلها لحد الساعة.
وبخصوص “تفاؤل” الحكومة مقابل “تشاؤم” مندوبية التخطيط، اعتبر أبور العرب أن تضارب الأرقام بين المؤسستين “أمر طبيعي في إطار التوازن بين المؤسسات داخل المشهد الاقتصادي والسياسي المغربي، بالنظر إلى أن المندوبية السامية للتخطيط هي هيئة مستقلة هدفها تتبع وتجميع المعطيات الاقتصادية وتحليلها باعتماد معايير موضوعية”.
وفي نفس السياق أكد رشيد لزرق، محلل سياسي، ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، في تصريحه لبيان اليوم، أن “التعيين الملكي لا يكون عشوائيا”.
وأورد المتحدث نفسه، أن المؤشر هو ثقة الملك، التي تضع بنموسى أمام مهمة واضحة المعالم، خاصة على مستوى منهجية الإحصاء التي رسمها الحليمي، ويستبعد أن يخرج عنها.
وتابع رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية بأن تولي بنموسى رئاسة لجنة النموذج التنموي، بالإضافة إلى التجارب الاقتصادية الأخرى، مكنه من اكتسابه نوع من الصرامة وتجنب المحاباة الحزبية، ما جعله يحظى بثقة الملك.
وشدد لزرق، أن أي حكومة في العالم ترفض أن تخرج تقارير رسمية تعبر عن أرقام صادمة للرأي العام، لتبدأ التساؤلات عن مصدرها وعن المسؤول عنها، وانتمائه الحزبي”، لافتا إلى أن “الجميع مازال يتساءل: هل المسؤول في أي منصب له حرية التعبير عن الأرقام الاقتصادية دون رقابة ذاتية؟”.
وأشار رشيد لزرق، إلى أن “الإشكال ليس في الاسم الذي سيأتي للمندوبية السامية للتخطيط، بل في التنزيل الأدق لمنهجية الإحصاء بما يحترم الموضوعية والدقة، وعلى سبيل المثال مؤشرات الفقر التي تحصي فئة وتتغاضى عن المساكين، وهم طبقة لها دخل، لكنه لا يكفيها للحفاظ على كرامتها”.
وختم المتحدث نفسه بأن “لدى العديد من المسؤولين إرادة الإصلاح، لكنهم يفتقدون قوة التدبير، وهذا هو الرهان على تعيين بنموسى.

< هاجر العزوزي

Top