تحت إشراف المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، نظم الفرع الإقليمي للحزب بمدينة تارودانت، يوم السبت 09 يناير الجاري، حفلا تأبينيا للفقيد والمناضل الفذ المرحوم الحاج الطيب أباسيل الذي وافته المنية يوم 11 شتنبر 2015 عن عمر يناهز 86 سنة. الحفل حضره بعض أعضاء المكتب السياسي للحزب، وعشرات من مناضلات ومناضلي الحزب من الإقليم وخارجه، ضمنهم منتخبي الحزب بالمنطقة، وممثلي الهيئات السياسية المحلية، وفاعلين حقوقيين وجمعويين، وعدد من أصدقاء ومعارف الفقيد، إضافة إلى أفراد عائلته.
وتميز هذا الحفل التأبيني، الذي ترأسه عبد الأحد الفاسي الفهري، عضو المكتب السياسي، بإلقاء عدة شهادات، في حق الفقيد، أجمعت على نبل أخلاقه وإخلاصه للحزب وتفانيه في النضال، وصلابة مواقفه، قدمها كل من الأستاذ عبد اللطيف أوعمو، عضو المكتب السياسي للحزب، وامحمد كبوش رفيق دربه، كما تناول الكلمة باسم عائلة الفقيد، إبناه محمد ولحسن، تطرقا فيها إلى بعض الأحداث المؤلمة التي عاشاها رفقة أبيهما الطيب أبسيل، بسبب اختيار هذا الأخير لطريق النضال والدفاع عن حقوق الطبقة المقهورة وسعيه الدائم لنصرة قضاياها خصوصا بمنطقة إيغرم. وبعد نشرنا في عدد سابق لشهادة مصطفى عديشان عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، نعود اليوم لنشر كلمة محمد مواد الكاتب الإقليمي لحزب التقدم والإشتراكية بتارودانت، وشهادة امحمد كبوش الكاتب الأسبق لحزب التقدم والاشتراكية بالجنوب 1992-1977 ورفيق درب الفقيد.
الرفيقات العزيزات، الرفاق الأعزاء،
الأخوات والأخـــوة،
السادة الضيوف الكرام:
يموت الجبناء عدة مرات أما الشجعان فيموتون مرة واحدة.
المناضل الحاج الطيب أباسيل الذي ولد سنة 1929م مات يوم 11 شتنبر 2015…
لكن الحاج الطيب لم ينعدم،
لقد ووري الثرى بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، بعد أن دهسته سيارة غادرة أمام المقر المركزي للحزب بالرباط، بعد أن قام رحمه الله بتهنئة الحزب على نتائج الانتخابات الإيجابية…
لكن روحه العطرة والطيبة لازالت ترفرف بيننا.
تذكرنا، أن ما ناضل من أجله… هو الحق… وقد تحقق منه الشيء الكثير.
فقد كان شعاره في الحياة منذ أن انخرط في الحزب سنة 1974 هو :
«النضال المستميت ضد الظلم والحكرة»
ولازلت وأنا حديث العهد بالانتماء لحزب التقدم والاشتراكية … لازلت أتذكر في زمن القمع السلطوي والتنكيل بمناضلات ومناضلي الحزب والتضييق عليهم أنه رحمه الله فاز باسم الحزب في الانتخابات الجماعية لسنة 1983 بجماعة والقاضي سابقا النحيت حاليا إقليم تارودانت.
وبما أنه الفائز الوحيد باسم الحزب على الصعيد الوطني، فقد حلت حينها لجنة مركزية من وزارة الداخلية للتحقيق في هذه النازلة واكتشاف عمن يكون هذا «التشيكفارا» أو «هوشي مينغ» الذي ربما قد يعلنها لهم ثورة من جبال الأطلس الكبير.
لكن كانت صدمتهم كبيرة لما وجدوا أمامهم شيخا، أميا، متواضعا، بسيطا، إنما اكتشفوا أن له كبرياء المناضل وعمق الوعي الفطري لما واجههم بكون اختيار الانتماء لهذا الحزب كان عن اقتناع. وأن اختيار الترشح باسمه كان كذلك عن وعي تام وكامل.
وكان رحمه الله صديقا للمرحوم علي يعته يواظب على زياراته بمقر الجريدتين بالدار البيضاء من أجل نقل شكاوي ساكنة منطقة اغرم لطرحها داخل قبة البرلمان وكان سببا في حل الكثير منها سواء المرتبطة بالجفاف، الظلم، الترامي على أملاك الغير، الدقيق المدعم وغيرها…
والمرحوم ولو كان أميا، فقد كان مثقفا بالفطرة، يميز المواقف، ويتخذ القرارات بجرأة وشجاعة، ويبلورها على أرض الواقع، دون أن تكون خارجة عن مبادئ الحزب وخطه السياسي.
وكان رحمه الله، كلما تكلمنا في الثمانينات عن صعوبة استقطاب صفوف الحزب وآثار مضايقة السلطات للخلايا ونواحي الحزب، كان يقول : «كمشة ديال النحل، أحسن من شواري ذبان».
ومنه رحمه الله ومن أمثاله من شهداء وفقيدي الحزب… تعلمنا أن السياسة ليست لعبة أطفال ولا مجال فيها لخدمة الأجندات المعلومة… السياسة غابة مليئة بالأفاعي والوحوش الضارية، ولتفادي الافتراس، يجب على المواطنات والمواطنين اختيار المواقع الآمنة. ومنه ومن أمثاله من مناضلات ومناضلي الحزب، سواء الذين قضوا نحبهم أو الذين ينتظرون.
تعلمنا أن حزب التقدم والاشتراكية من بين تلك الأماكن الآمنة.
الذي هو مدرسة سياسية عمرها أكثر من 70 سنة يتعلم فيها المناضلون والمناضلات معنى: كرامة الإنسان، الأخلاق السياسية النبيلة، الجرأة والشجاعة في إبداء الرأي، الاستماتة في الدفاع على المواقف، الاستماتة في محاربة الحكرة والظلم، الدفاع عن ثوابت الأمة.
فرحم الله الفقيد، وأسكنه فسيح جناته.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
عائلات وأصدقاء المرحوم
أيتها الرفاق العزيزات
أيها الرفاق الأعزاء
اسمحوا لي بادئ ذي بدء أن أترحم على روح الفقيد الشهيد أباسيل الحاج الطيب رحمة الله عليه.
لازالت أتذكر لقائي الأول معه بأكادير، حيث أخبرني آنذاك أنه زار المرحوم علي يعته وكلفه بالاتصال بي قصد ربط العلاقات مع التنظيم الحزبي.
كان رحمه الله قصيرالقامة، نحيل الجسم، ذو شخصية قوية، تناول ملف إغرام بكل إمعان ودقة، وأكد لي أنه على استعداد تام للقيام بنشر معاناة وقضايا الساكنة في جريدة الحزب بالعربية البيان آنذاك،
حيث أكدت له بدوري عن استعدادي لمساعدته في ذلك، وفي اجتماع الحزب أخبر الرفاق بطلب الانضمام إلى الحزب من طرفه.
منطقة «إيدو زودت» معروفة عند أهل إغرام برجالها وصمودهم ضد المعتدين، طلبت من الرفيق المرحوم زيارته بدوار أيت إبورك، فقبل بكل فرح، ومع مرور الزمن والعلاقات الطيبة النضالية، تم نسج الثقة بين المرحوم والحزب وكذلك الجريدة من أين أبدأ هذه الملحمة: بالمقالات الأسبوعية في جريدة البيان،
بالعلاقات مع الحزب، بالكلام عن الإنسان المرتبط ببيئته.
الحقيقة أن الفقيد أباسيل الطيب يجسد كل هذه المهام، مقالات غزيرة أسبوعيا حول قضايا ومتاعب الساكنة القروية، فالأسواق الأسبوعية تغذي مقالات البيان في كل من سوق الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء والأحد. ولكل سوق لجنته والمسؤول عليها. وكان الرفيق المرحوم هو المنسق المحلي، بجانبه رفاق يتمتعون بالاحترام والتقدير من طرف الجميع من بينهم، مولاي عبد الله المعروف بالمهندس، الحاج عمر أومري، الحاج أحمد أومري، الحاج الحسن، وأحندام.
وكان لهذا الفريق نشاطا سياسيا واجتماعيا أزعج الإقطاع المحلي والسلطات المحلية والإقليمية ويتمحور هذا النضال عن العلاقات ما بين الإدارات والجماعات المحلية ودور السلطات المحلية والإقليمية.
1 – فضح جميع الاختلاسات من:
– الصنك في الأسواق المحلية والأسبوعية
– الدقيق الوطني المدعم حيث وصل بيعه إلى 170 درهم في السوق، مع العلم أن الدولة حددت له 100 درهم للكيس الواحد مع استعمال الدقيق القديم.
– المس بالحريات العامة والفردية.
– مشاكل الإدارات، تتجلي في غياب الخدمات الصحية والتعليم والفلاحة والإدارة والجماعات المحلية.
استحسن المواطنون نشاط الحزب وأصبح الكل يتكلم عن جريدة الطيب وعن حزب الطيب وعن رفاق الطيب وأصبح الطيب هو المحور.
قاد الطيب انتصارات بانتخابه عضوا بالجماعة القروية «والقاضي»، ثم بالجماعة القروية آيت إبورك وبمعية أحد الرفاق وأزعج بذلك عامل إقليم تارودانت عند قيام الحزب بتغطية جميع الدوائر السبعة البرلمانية بتارودانت.
وركز الرفيق المرحوم نشاطه الاجتماعي في البحث عن الماء الشروب فكانت له ميزة في ذلك:
دفع الجماعات المحلية للبحث عن الماء عبر حفر الآبار خاصة في سنوات الجفاف في بداية الثمانينات 1981/1985، وقام بتنظيم مظاهرات لتحقيق وتعزيز هذا الطلب.
خرجت نساء ادوكنسوس بمركز إغرام عند مرور السيد العامل إلى مركز طاطا، بعرض جرار جانب الطريق، مما دفع السلطات المحلية بقطع وعد بتزويد الساكنة بالماء الشروب عبر الشاحنات وكان ذلك في أشهر الصيف.
قام الرفيق بحفر بئر على حسابه، وتمكن من الحصول على تجهيز بئر بالطاقة الشمسية.
كان الإقطاع المحلي والسلطات تواكب كل تحركاته الحزبية والإعلامية، ويدبرون في كل مرة فخا للرفيق ومن معه وأستشهد ببعض الوقائع:
-1 عند القيام بعملية حفر البئر بدوار آيت أبورك:
عند زيارة له من طرف مولاي عبد الله المهندس، أخبره أن المياه الجارية توجد تحت الحجرة بالواد قرب منزله، فلم يتردد المرحوم، فبدأ البحث عن الماء مستعينا باليد العاملة من ورزازات واشترى المتفجرات من الدارالبيضاء، وعند البدء في العمل، قام أعداؤه بإخبار السلطات والدرك الملكي الذين انتظروا أياما لدفع المرحوم إلى الخسارة ماديا واعتقاله بتهمة استعمال المتفجرات بدون رخصة، ويوم قدومهم إلى دوار آيت إبورك، صادف ذلك نبع الماء في البئر وذبح المرحوم كبشا بالمناسبة فأكلوا منه.
– قام السياح الفرنسيون بزيارة دوار إبورك فاستقبلهم الرفيق المرحوم بحفاوة، وقدم لهم زيت أركان وأملو والعسل، والسمن البلدي وخبز أفرنو ونظم لهم حفلا فنيا بحضور فرقة أحواش بمنزله.
وعند مغادرتهم الدوار، طلبوا منه إن كانت له طلبات.
فأجاب: نعم نطالب بالطاقة الشمسية والبئر.
فاستجاب الوفد السياحي لطلبه وتم حفر بئر وتجهيزه بالطاقة الشمسية.
– لم يتخل الأعداء عن متابعة الرفيق، فذات يوم في السوق الأسبوعي، تمت سرقة حمار لشخص، فلم يترددوا في تلفيق تهمة كيدية للحاج الطيب بكونه وراء هذه السرقة، حيث أخبروا بذلك رجال الدرك الذين حضروا إلى السوق حينا، وطلبوا من الرفيق المرحوم الحضور إليهم بمقر إغرام للقيام بالتحقيق في الموضوع، فاستغل الرفاق تلك المهلة، ليبحثوا عن الحمار ومن سرقه، حيث تم العثور على الحمار، فخاب أمل أهل المكيدة الذين كانوا يتربصون بالفقيد.
– وذات يوم، قام شخص بمحاولة اغتيال الرفيق الطيب، وقالوا إنه شخص مختل، أما معاناته مع المحاكم، فمكتب الرفيق عبد اللطيف أعمو أكبر شاهد على ذلك، من خلال الملفات الوهمية التي توبع بها الرفيق. وهذه المتابعات، عانى منها أيضا أفراد عائلته.
لقد كان الفقيد رجلا نزيها، يحظى باحترام الجميع، لكونه كرس جزءً من حياته للدفاع عن المظلومين، وأدى ثمنا غاليا نظير مواقفه النضالية ورفضه الخنوع، ووصل التآمر ضد الفقيد، ذروته، حين منع أحد رجال السلطة بدافع من القائد المحلي الفقيد من السفر إلى الحج، بمناسبة الذكرى الفضيه، 25 لتربع المرحوم الحسن الثاني على العرش، حيث تفضل جلالته آنذاك بتغطية مصاريف الحج لكل المزدادين سنة 1929.
وكان المرحوم من مواليد 1929، فطلب القائد من أعضاء اللجنة التكتم على اسم الطيب، لكن بمجرد شيوع الخبر ومؤامرة السلطة، اتصل الرفيق الطيب أباسيل بالرفيق علي يعته الذي تدخل لصالحه فتم تمكينه من السفر إلى الأماكن المقدسة،
وأراد القدر أن يتم اختيار الحاج الطيب للقيام بالعمرة لثلاثة سنوات متتالية من طرف أشخاص غالبا خارج عائلة الفقيد.
رحم الله الحاج الطيب أباسيل،
وإنا لله وإن إليه راجعون.