حول التمثيلية في البرلمان

يشهد فضاؤنا السياسي والإعلامي نقاشا مكثفا في الفترة الأخيرة حول التمثيلية في المؤسسة التشريعية المقبلة، ويشمل هذا النقاش مطالب العديد من الفئات (النساء، الشباب، الأطر الحزبية والكفاءات السياسية، المهاجرون…)، وبغض النظر عن تفاصيل هذا النقاش، فإنه مع ذلك يحيل على طلب قوي للانخراط في المؤسسات التمثيلية، وهو معطى غير مسبوق في تاريخنا الانتخابي، حيث انتقلنا من الحديث عن العزوف وسبل مواجهته إلى كثرة الطلب وأساليب الاستجابة، وهو معطي يفرض عدم تضييعه وسط الحسابات الذاتية والانتخابوية.
الأمر الثاني الذي يطرحه الجدل المذكور، وهو أن الترافع القوي الذي تقوم به الجمعيات النسائية والأحزاب الديمقراطية من أجل تعزيز التمثيلية النسائية وتطوير ما تحقق من مكتسبات على هذا الصعيد، لا يجب أن يفهم كما لو كان «معركة» ضد تمثيلية الشباب أو الأطر أو غيرهما، وبالتالي  يتحول ترافع منظمات الشباب إلى «معركة مضادة» في مواجهة نضالات الحركة النسائية، إنما الأمر يتعلق في الحالتين معا بمعركة وطنية واحدة تروم تحسين وتوسيع تمثيلية برلماننا القادم، والتفاعل الإيجابي مع المطلب المتزايد اليوم بشأن المشاركة في الشأن البرلماني والانتخابي.
ولهذا، فإن اللجوء إلى تخفيض عدد مقاعد اللائحة الوطنية لا يمكن من تطوير هذه التجربة، بقدر ما يمثل تراجعا مسيئا لها، وكان من الأولى، بدل ذلك، اختيار توجه مختلف يقوم على الزيادة في مقاعد اللائحة الوطنية (إلى 120 مثلا) وبلورة ميكانيزم لتركيبتها يجمع بين تمثيل النساء وبين إشراك الأطر والكفاءات، رجالا ونساء، وبذلك سنكون قد عملنا على ضمان الرفع من نسبة حضور النساء في البرلمان المقبل، وفي نفس الوقت ساعدنا القوى السياسية على ترشيح نخب سياسية ذات كفاءة وتجربة، وضمنا لهذه الأحزاب استقلاليتها في إيجاد الآليات التنظيمية والمسطرية لتمثيل الشباب والنساء والأطر في لوائحها.
النجاح في إيجاد توافق بشأن اللائحة الوطنية لا يتعلق فقط بالسلطات الترابية المعنية بالانتخابات، إنما يرتبط أيضا بالأحزاب التي عليها تجاوز حساباتها الداخلية، واستحضار الرهانات الحقيقية التي تحيط بهذا الموضوع، وأيضا الإجماع الحاصل حول ضعف مستوى أدائنا البرلماني الحالي، وحاجة المؤسسة التشريعية، في ظل الدستور الجديد، إلى كفاءات ونخب ذات تكوين وتجربة.
وفي السياق نفسه، فإن هذا النقاش لا يجب أن ينسينا أن الأمر الجوهري يهم نظرة شمولية للانتخابات، تقوم أساسا على ضرورة محاربة التزوير، وإبعاد المفسدين وتجار الانتخابات والسماسرة، وبالنسبة لهذا الورش فهو يفرض نضال كل الديمقراطيين، نساء ورجالا، وذلك حتى لا نبقى محصورين في مناقشة المقاعد والنسب، ونترك للفاسدين الحرية في «تحصين» الدوائر، وإعداد مخططات السيطرة على  المؤسسة برمتها.
[email protected]

Top