اللافت في خطاب جلالة الملك في افتتاح البرلمان كان هو نبرته العامة المتسمة بالتفاؤل والثقة في المستقبل، وقد وصف المرحلة المقبلة بـ «الواعدة»، مبرزا بوضوح هذه الثقة الملكية في المستقبل.
الخطاب الملكي في افتتاح الدورة البرلمانية يكتسب عادة طبيعة «خارطة طريق» تحدد أولويات عمل الحكومة والمؤسسة التشريعية، ويجسد أهم عناوين الدخول السياسي المغربي.
هذه السنة، جاء الخطاب الافتتاحي للدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة مندرجا في ظرفيته المجتمعية الوطنية، وفِي سياقه العالمي، وجاء عقب مسلسل انتخابي طويل، وهو ما جعله يعرض الرهانات الوطنية الداخلية المطروحة أمام بلادنا، وأيضا ما تواجهه من تحديات ومخاطر خارجية، ومن ثم يكتسب أهمية تأطيرية ومرجعية أساسية…
بالرغم من ثقته في المرحلة المقبلة والنبرة التفاؤلية للخطاب، وبعد أن استعرض جلالة الملك عديد مؤشرات إيجابية عن الوضع الاقتصادي والمجتمعي العام بالبلاد، وحجم المجهود الوطني الذي بذل للتصدي لتفشي الوباء وتداعياته، فهو شدد، في نفس الوقت، على ضرورة التحلي بالواقعية ومواصلة العمل بكل مسؤولية، وبروح الوطنية العالية، فيما يخص تدبير الأزمة الوبائية ومواصلة إنعاش الاقتصاد، ثم وجه توضيحا مرجعيا قويا، حيث أكد أن النموذج التنموي ليس مخططا للتنمية، بمفهومه التقليدي الجامد، وإنما هو إطار عام مفتوح للعمل يضع ضوابط جديدة، ويفتح آفاقا واسعة أمام الجميع…
وبذلك يحمل المسؤولية للحكومة، كي تنكب على عملها وتحدد الأولويات والبرامج والخطط ومصادر التمويل وأساليب الإنجاز والتنفيذ، وألا تسعى لرمي كل مهامها على النموذج التنموي الجديد.
خطاب جلالة الملك، في السياق ذاته، شدد على أهمية المسألة الاجتماعية، خصوصا ما يتعلق بالصحة والحماية الاجتماعية، كما أبرز محورية قضايا السيادة، كما فرضتها تداعيات الزمن الوبائي، واستعرض أهمية السيادة الصحية والطاقية والغذائية والصناعية، ودعا إلى تعزيز الأمن الإستراتيجي للمغرب وإحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الإستراتيجي للمواد الأساسية في هذه المجالات، والحرص على التحيين المستمر له، والإصرار على استقلالية القرار الوطني.
وزاد جلالة الملك، حيث ربط بين السيادة والديمقراطية، خصوصا لما نوه بالمشاركة الكثيفة لسكان الأقاليم الجنوبية في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، وأيضا لما أشاد بتنظيم الانتخابات بشكل عام، واعتبر أن ذلك كرس انتصار الخيار الديمقراطي المغربي، كما لفت إلى أن «الأهم ليس فوز هذا الحزب أو ذاك، لأن جميع الأحزاب سواسية لدينا»، وهو ما يمثل إشارة ملكية قوية إلى أهمية الخيار الديمقراطي والتعددية السياسية، وتثمين دور الأحزاب، أغلبية ومعارضة، واعتبار كل القوى الوطنية مسؤولة عن إنجاح المرحلة القادمة، ومواجهة كل ما تطرحه من رهانات وتحديات داخلية وخارجية…
خطاب جلالة الملك أمام البرلمان، الجمعة، قدم إذن أسسا توجيهية ومرجعية مركزية شددت على المسألة الاجتماعية، وعلى الصحة والحماية الاجتماعية، وقضايا السيادة واستقلالية القرار الوطني، وعبرت عن ثقة ملكية واضحة في المستقبل، كما ذكرت بأهمية الخيار الديمقراطي والتعددية السياسية ودور كل الأحزاب والقوى الوطنية، وهي كلها عناوين لطريق بلادنا نحو المستقبل، وهو ما يجب أن تستحضره الحكومة الجديدة في عملها من الآن، وأن تعمل على إبرازه في برامجها وسلوكها وعلاقاتها وأساليب عملها…
<محتات الرقاص