حلت خلال الأسبوع الأخير، ذكرى استشهاد الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. كانت مناسبة بالنسبة إلي للرجوع إلى أعماله الكاملة، أعماله القصصية والروائية بالخصوص، وربط الصلة بأدب ملتزم بقضية جوهرية، هي القضية الفلسطينية.
لقد مرت ذكرى وفاته، أو بالأحرى استشهاده؛ بشكل عابر في ساحتنا الثقافية وحتى الإعلامية.
كنت أتمنى لو أن مديريات وزارة الثقافة أو بعض الجمعيات التي تعنى بالأدب، وما أكثرها، وخاصة تلك الجمعيات التي تسمي نفسها حقوقية، لو أنها بادرت إلى تنظيم يوم دراسي حول أدب صاحب رجال في الشمس.
لكن يبدو أن تلك الجمعيات وتلك المديريات وغيرها، منشغلة حاليا بالعطلة الصيفية ومتطلباتها. الله يحسن عونها.
ما من شك في أن أدب غسان كتفاني، خاصة منه القصصي والروائي، يستحق الرجوع إليه، بالنظر إلى أنه أدب يحمل في طياته دروسا في الكتابة الإبداعية الجادة، الملتزمة، في وقت طغى فيه الاستهتار بقيمة الكلمة، والتعبير الكتابي، وأفرغ الأدب من محتواه.
إننا نشهد حاليا تراجعا فظيعا في ما يخص التعبير عن قضايانا الجوهرية، كما أن أسلوب الإبداع الأدبي في حد ذاته أصيب بنوع من الركاكة والضحالة لدى العديد من الأقلام التي تنشط في الآونة الأخيرة، في مقابل انسحاب معظم الأقلام الجادة والرائدة من ساحة النشر.
وكم هي مدعاة للشفقة تلك الأسماء التي لم تنتج شيئا يستحق الذكر، مع ذلك تتهافت للحديث عن تجربتها الأدبية، وتريد أن يتم الاحتفاء بها واستضافتها في البرامج الحوارية التلفزية والإذاعية.. ولا تكف عن التباهي بأن لها إصدارات منشورة، مع أن هذه الإصدارات لم تكن تستحق النشر أصلا.
إن هذه الأسماء لا تعدو كونها تثير جعجعة بلا طحين.
لعل سهولة النشر التي باتت تتيحها التكنولوجية الرقمية، لها إسهام في هذا التراجع، كما أن تعدد وسائط الاتصال المتاحة، جعل اهتمام المتلقي مشتتا بين الكلمة المكتوبة والصورة والصوت وغير ذلك من الوسائط التعبيرية.
لقد فقدت الكلمة قيمتها في التعبير الإبداعي، إلى حد أن معظم الإنتاجات التي صارت تطل علينا عبر وسائط متعددة، تكاد لا تلتزم بأي قضية من قضايانا الجوهرية، فضلا عن أن أسلوبها يبدو معطوبا.
هل أدباؤنا المعاصرون، وبصفة خاصة الجدد، باتوا يفتقرون إلى الرصيد اللغوي وكذا المعرفي الذي يؤهلهم للتعبير عن أحاسيسهم ومشاعرهم الإنسانية والكونية؟
في الكثير من هذه الكتابات التي تدخل في خانة الإبداع الأدبي، لم نعد نلمس فيها تلك الدرجة الدنيا من الجهد في التفكير وفي التعبير وتركيب الجملة وتوليد الصور والمشاهد والمواقف والوقائع.
هناك غياب للعمق.
كان لا بد إذن من الإشارة إلى هذا الوضع الذي بات يسم إنتاجنا الأدبي، ونحن نعيش حاليا ذكرى استشهاد الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، بالنظر إلى أنه يعد نموذجا حقيقيا للأديب الملتزم بقضية جوهرية، ليس ذلك فحسب؛ ففي كتاباته القصصية والروائية تقدير للكلمة باعتبارها كائنا حيا.
ينبغي علينا أن نتعلم من درس كاتب بهذا الحجم.
عبد العالي بركات