دروس من فرنسا

نجح فرانسوا هولاند، أول أمس الأحد، في تجاوز آخر منافسيه، وتم اختياره مرشحا للحزب الاشتراكي واليسار الفرنسي لرئاسيات العام المقبل.
ونحن هنا في المغرب حيث نعيش في غمرة أجواء انتخابية بامتياز هذه الأيام، من المهم لنا التأمل في دروس التجربة الفرنسية، والحرص على استخراج الخلاصات الجوهرية التي من شأنها بلورة الجواب عن سؤال تخلف حياتنا السياسية والحزبية والانتخابية.
فأن تتحول الانتخابات التمهيدية الرامية لاختيار مرشح الاشتراكيين إلى حدث سياسي وإعلامي ليس في فرنسا وحدها بل خارجها أيضا، فهذا هو الدرس الأول، من حيث القدرة على جعل السياسة جاذبة للاهتمام ولتسابق وسائل الإعلام.
أما الدرس الثاني، فقد تمثل، من جهته، في النقاشات التلفزيونية التي رافقت المسلسل الانتخابي الاشتراكي، وجودة المطارحات الفكرية والنزالات السياسية بين المتنافسين، وهنا بقي المتابعون مشدودين لقوة السياسيين، وأيضا لمهارة الصحفيين وحرفية وسائل الإعلام التي نجحت في جعل المادة السياسية تحضى بأوسع متابعة، ومن دون رتابة أو وجع دماغ.
أما الدرس الثالث، فيرتبط بنضج الأداء الحزبي، حيث جرت الانتخابات في جولتين، وشارك أعضاء الحزب ثم عموم المواطنين المتعاطفين مع أفكار اليسار في اختيار المرشح، وفي الأخير خرج الفائز مزهوا من البداية بثقة عشرات الآلاف من الناخبين والمناضلين، وهذا لم يكن ليتحقق لولا متانة المنظومة الحزبية وتجذر التقاليد الديمقراطية.
وجسد المرشحون الذين تنافسوا مع هولاند، وخصوصا مارتين أوبري (وهي بالمناسبة الأمينة العامة الحالية للحزب الاشتراكي) الدرس الرابع، حيث أنها بمجرد الإعلان عن نتيجة الأحد سارعت إلى تهنئة الفائز، ودعت إلى «الالتفاف حول مرشحنا»، ولم نر واحدا من المنافسين طعن في نزاهة الاقتراع، أو في شرعية الفوز، أو هدد بمغادرة الحزب أو بتأسيس حزب جديد.
ويبقى أن المواطن الفرنسي هو الذي قدم لنا الدرس الخامس والأهم، وذلك بمشاركته في الاختيار، وإقباله على التصويت في انتخابات تمهيدية تهدف إلى اختيار مرشح حزب، وأداء مقابل مالي (مهما كان رمزيا) من أجل المشاركة في التصويت.
لا يمكن النجاح في بناء ديمقراطية حقيقية، وفي تطوير ممارسة حزبية وانتخابية من دون مشاركة مواطنة مكثفة وواعية، وهذا ما علينا الوعي به في المغرب، والسعي لتكريسه بحث مواطناتنا ومواطنينا على التسجيل في اللوائح الانتخابية أولا، ثم الإقبال المكثف يوم الاقتراع على صناديق التصويت، والتصدي لكل ممارسات الإرشاء والفساد، وفضح المفسدين، ومن ثم التصويت للكفاءات النزيهة والمؤهلة، وللبرامج الحقيقية.
لن يكون بالإمكان بلوغ المستوى الذي تابعناه مع الانتخابات التمهيدية في فرنسا، من دون تعبئة الجميع، ومن دون الانخراط المكثف والواعي للمواطنين، أما أن نركن إلى عزوفنا السهل، وإلى الانتقاد الدائم في المقاهي، وإلى رفض كل شيء، فهذا كله لن يغير من واقعنا شيئا.
[email protected]

Top