رسالة الملك إلى العرب

الرسالة التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في مؤتمر”فكر”الثالث عشر المنعقد بالصخيرات لم تختلف عن خطب جلالة الملك من حيث صراحة القول ووضوح الرؤية فيها، ومثل مضمونها، بذلك، لحظة هامة ولافتة في أشغال المؤتمر الذي ترعاه  مؤسسة الفكر العربي التي يترأس مجلس إدارتها الأمير خالد الفيصل، وتساهم فيه بفعالية كبيرة وزارة الثقافة، ويحضره عشرات المفكرين والمثقفين العرب.
لقد عبر جلالة الملك عن الحسرة والأسف من واقع التجزئة والانقسام، الذي يطبع العلاقات فيما بين الدول العربية، ذلك أن معظمها تعيش على وقع خلافات بينية مزمنة، وصراعات داخلية عقيمة، فضلا عن تنامي النعرات الطائفية والتطرف والإرهاب، ثم إن بعض هذه الدول تهدر طاقات شعوبها في قضايا وهمية، ونزاعات مفتعلة تغذي نزوعات التفرقة والانفصال، وأمام هذا الوضع الذي ترفضه الشعوب العربية، أكد جلالة الملك أن التكامل أصبح ضرورة ملحة، وشدد على أن الوحدة العربية ليست حلما صعب المنال، أو سرابا لا فائدة من الجري وراءه، بل هي تطلع مشروع قابل للتحقيق، وضرورة إستراتيجية على الجميع المساهمة في تجسيدها.
إن الاندماج الإقليمي أو الوحدة بين الدول العربية أو التكامل الذي تحدث عنه جلالة الملك في الرسالة الموجهة إلى المؤتمر المتمحور هذه السنة حول:”التكامل العربي:حلم الوحدة وواقع التقسيم”، لم يعد خيارا للنهوض بالتنمية فقط، بل أصبح حتمية ترتبط بالبقاء أمام سطوة التكتلات القوية، وكما قال جلالة الملك:”…فإما أن نكون متحدين، وإما أننا لن نكون، أو سنبقى مجرد كيانات لا وزن لها على الساحة الدولية”.
الرسالة الملكية حثت المشاركين في المؤتمر العربي المذكور على ضرورة إعمال التفكير العميق والجدي لمقاربة واقع العرب اليوم وسبل تغييره، ونبهتهم إلى أن الدول العربية  توجد اليوم في مفترق الطرق، وهي تواجه تحديات تنموية وأمنية، وتطلعات شعبية ملحة إلى المزيد من الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ولا سبيل للاستجابة لها إلا عبر التكامل والوحدة والاندماج، بحسب جلالة الملك.
الرسالة الملكية مثلت إذن مرافعة قوية تضع العرب أمام مسؤولياتهم التاريخية تجاه الشعوب وتطلعاتها، كما أنها تحمل المسؤولية للمثقفين العرب، باعتبارهم سلطة مضادة وقوة اقتراحية.
ومن جهته، رمى الأمير خالد الفيصل، خلال افتتاح المؤتمر بتساؤل بليغ، مستفهما عما إذا كان الوقت قد حان للعرب كي يحكموا العقل ويستفيقوا من غفوة الجهل، ودعا الحكماء العرب إلى قول كلمتهم”حتى نكون مشاركين لا تابعين، منتجين لا مستهلكين، مبادرين ومبدعين، لا ناقلين مقلدين”.
سؤال الأمير حمل تحديا أساسيا هو جوهر ما يطرح على العرب اليوم، أي استحضار العقل والاحتكام إليه، والخروج من… الجهل.
السؤال تضمنته كلمة تلاها الأمير ببلاغته المعروفة وأسلوبه المؤثر، كما أن باقي جلسات المؤتمر لم تستطع الانفلات مضامين وأفكار الرسالة الملكية حتى أن المناقشات كانت أحيانا كثيرة التوتر والسخونة والتفاعل بين المشاركين، ولكن في النهاية الكرة توجد في مرمى القادة والسياسيين، هم المطالبون اليوم  بالثورة على أنفسهم والوعي بتغيرات زمننا المعاصر وبمطالب الشعوب، والانكباب على وضع معالم نظام إقليمي جديد.

[email protected]

Top