زلازل وكوارث هزت العالم..-الحلقة 5-

على إثر الزلزال مدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.

بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.

زلزال تانغشان .. حين أودى بحياة أزيد من ربع مليون صيني

من ضمن الدول التي تتعرض بشكل دوري لزلازل مدمرة، دولة الصين، التي تشهد بشكل سنوي عشرات الهزات الأرضية إسوة بعدد من دول الجوار بالقارة الأسيوية، والتي كما سبق أن ذكرنا تعد بيئة خصبة للزلال والكوارث الطبيعية نتيجة البنية التكتونية التي تقع عليها هذه القارة.

وهكذا، كانت الصين في سنوات متقاربة على موعد مع زلازل مدمرة، من ضمنها زلازل شينغتاي عام 1966 وهو الزلزال الأكبر في تسلسل الزلزال الذي يؤثر على المنطقة خلال شهر من ذلك العام، حيث ضرب بقوة 6.8 درجة على سلم ريشتر وخلف وراءه 8064 قتيلا و 38 ألف جريح.  

ستكون الصين في عام 1969 مع موعد مع زلزال آخر مدمر بقوة 6.4 درجة على سلم ريشتر والذي ضرب مدينة غوانغدونغ وأدى إلى مقتل 3000 وإصابة آلاف الآخرين، فيما بلغ مداه مدن أخرى وأدى إلى قتلى وإصابات وتسبب في تدمير أزيد من 46 ألف منزل في هونغ كونغ.

في فبراير من عام 1973، وبالضبط بإقليم سيتشوان، سيضرب الصين زلزال آخر بقوة 7.6 درجة على سلم ريشتر والذي سمي بزلزال لوهو، حيث أدى إلى بشكل مباشر إلى مقتل 2199 شخصا وجرح 2743 آخرين.

بعدها بسنة فقط، وبالضبط في ماي 1974، سيضرب زلزال جديد أقاليم مختلفة بالصين، وهو زلزال تشاوتونغ، الذي ضرب بقوة 7.1 على سلم ريشتر، وأدى إلى خسائر مادية جد فادحة، فيما قدرت الخسائر البشرية ما بين 1641 و 20000 قتلوا جراء تبعات الزلزال.

وإن كانت هذه الزلازل المتكررة على الصين قد أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح والمباني والبنية التحتية، إلا أنها لم تكن في حجم زلزال تانغشان، والمعروف كذلك باسم زلزال تانغشان العظيم، الذي يعد أحد أكبر الكوارث الطبيعية التي ضربت الصين.

ويعد هذا الزلزال الذي سنخصص له الحيز الأكبر في هذه الحلقة، الأسوأ في تاريخ الصين بالنظر لشدته، وبالنظر أيضا لما خلفه من خسائر بشرية فادحة وخسائر مادية لا تحصى في المدينة، التي كانت ذات كثافة بشرية عالية.

وحسب مجموعة من التقارير فإن هذا الزلزال كان ليكون أسوأ الكوارث في التاريخ لولا الألطاف الإلهية والإشارات التي تلقتها المدينة لحظات قبل أن يضرب الزلزال والتي وإن لم تكن ذات طابع علمي إلا أنها شدت انتباه المسؤولين الذين شعروا بأن شيئا ما سيحدث وشرعوا في إخلاء المدينة.

تفاصيل هذه الكارثة الغريبة تعود لعام 1976، وبالضبط في شهر يوليوز، حيث أن مجموعة من الإشارات التحذيرية ستبدأ في التلويح بخطر قادم سيداهم المدينة لا محال. ومن ضمن هذه الإشارات استنتاج “وانج تشينجمين” من إدارة التحليل والتوقع بمكتب الرصد الزلزالي بالدولة أن منطقة تانغشان يمكن أن تتعرض لزلزال كبير في الفترة بين 22 يوليوز و5 غشت عام 1976، حيث وجه رسائل لعدد من المسؤولين بالدولة وبالإقليم بشأن ملاحظة إشارات غير طبيعية في مناطق بكين وتيانجين وتانغشان وبوهاي وتشانغجياكو.

أيضا، سيتم الإبلاغ عن ارتفاع مستوى المياه في بئر يوجد في قرية خارج تانغشان وانخفاضه ثلاث مرات قبل يوم من وقوع الزلزال، بالإضافة إلى الإبلاغ عن اندفاع الغاز من بئر آخر في قرية أخرى يوم 12 يوليوز، ثم تزايد هذا الاندفاع في 25 ثم في 26 من نفس الشهر أي يومين قبل الزلزال.

كما سيتم تقديم ملاحظات من قبل بعض سكان المدينة ممن لديهم أسماك بشأن حركات غريبة وأن الأسماك كانت مضطربة، حيث كانت تقفز للخروج من حوض السمك، كما لو كانت تحاول الهروب.

وبالرغم من كون هذه الملاحظات غريبة ولم تستند على أساس علمي، إلا أن الأغرب في هذا الزلزال هو ما تم تداوله بشأن الهجوم الذي تعرضت له مدينة تانغشان في صباح اليوم الذي ضرب به الزلزال، حيث هاجمت مجموعة كبيرة من الكلاب البرية الشاردة شوارع المدينة وبدأت بالنباح بشكل مرعب وهستيري وانتشرت في جميع الأحياء.

أثارت هذه الإشارات المتعددة مسؤولي الإقليم الذين انتبهوا في وقت متأخر إلا أن هناك أمرا يدعو للريبة، وأن كارثة ستضرب المدينة من دون شك، فتم على إثر ذلك الشروع في وضع خطط للطوارئ من أجل إخلاء السكان.

إلا أن حجم المدينة التي تعد مدينة صناعية وتضم ما يزيد عن مليون من الساكنة، جعل تنفيذ الإخلاء يتأخر، إذ شرعت السلطات في إخطار السكان بضرورة المغادرة تحسبا لزلزال قد يضرب المدينة.

استمرت عمليات الإجلاء في وقت متأخر، حيث تشير بعض المصادر إلى أنه جرى إجلاء حوالي 90 ألف من الساكنة، لكن العملية انتهت بالنظر لتزامنها مع حلول الظلام، حيث لم يتمكن الجميع من الإخلاء، فيما استعد البعض الآخر للمغادرة في اليوم الموالي. لكن الزلزال لم يمهل الساكنة والمسؤولين.

في يوم الأربعاء 28 يوليوز عام 1976، وبينما الساعة تشير إلى الثالثة و42 دقيقة فجرا بالتوقيت المحلي، ستهتز الأرض بقوة وعنف شديد لمدة تزيد عن 30 ثانية، فيما بلغت شدته  ما بين 7.8 و 8.2 على مقياس ريشتر، حسب السلطات الصينية حينها.

كان لهذا الزلزال أثر عنيف جدا، حيث أدى إلى حدوث انهيارات ضخمة في الأبنية وخراب لا مثيل له بالصين، كان الجو مختلفا عما يحدث في الزلازل التي عاشتها هذه الدولة في السنوات السابقة التي سجلت بها عشرات الزلازل بمناطق مختلفة.

وينظر إلى هذه الكارثة على أنها الأكبر خلال القرن العشرين حسب عدد القتلى. إذ تباينت الأرقام بين من قال إنها فاقت نصف مليون قتيل (بين 655 ألف و700 ألف)، فيما كانت السلطات الرسمية قد أعلنت أن عدد القتلى تراوح بين 240 ألف و255 ألف، أي ما يزيد عن ربع مليون من ساكنة هذه المدينة.

تبين أرقام القتلى حجم الدمار الذي لحق تانغشان التي كانت تعد مدينة صناعية يقطنها حوالي مليون نسمة، كما تتضمن عددا من المصانع والمنشئات، وهكذا تجاوز عدد القتلى ربع مليون من الساكنة، فيما فاق عدد الجرحى 164 ألف شخص، وفقد الكثيرون جراء هذه الكارثة.

وما زاد حينها الطينة بلة ورفع حجم الكارثة، هو الانهيارات الضخمة التي حدثت في المصانع، بالإضافة إلى الهزات الارتدادية العنيفة التي تلت الزلزال الأول، حيث أدت هذه الهزات الارتدادية إلى انهيار بعض الأبنية التي كانت تصدعت في الهزة الأولى.

كما ملء الدخان سماء المدينة، التي أصبحت حمراء بسبب تساقط أعمدة الكهرباء والانفجارات التي هزت المصانع، وزادت صعوبة التدخلات من أجل إنقاذ الناجين بفعل العدد الهائل من الهزات الأرضية الارتدادية والتي حدثت أعنفها في حدود الساعة السادسة و45 دقيقة صباحاً بمنطقة تيانجين، ما أسفر عن ارتفاع عدد القتلى.

وحسب مجموعة مع علماء الرصد، فإن الزلزال وقع حينها نتيجة تمزق صدع تانغشان بطول 40 كيلومتر، والذي يمر عبر المدينة، بسبب القوى التكتونية الناجمة عن انزلاق صفيحة أخوتسك بما يتجاوز الصفيحة الأوراسية.

أوضحت مجموعة من التقارير أن حجم الدمار الذي أحدثه الزلزال كان من شأنه أن يكون أكبرا لولا عمليات الإجلاء التي تمت بالرغم من تأخرها، خصوصا بعد الإشارات الكثيرة التي كانت تنذر بالكارثة.

كما لفتت التقارير إلى أن عدد الوفيات المرتفع قد يعود بالأساس إلى توقيت حدوث الزلزال، فرغم الاحتياطات التي كان من الممكن اتخاذها، إلا أن أغلب الساكنة كانت نائمة، لتزامن هذه الكارثة مع ساعات الفجر، الأمر الذي لم يسعف الآلاف من الهرب نحو الفضاءات المفتوحة.

وهكذا دمر الزلزال المدينة وعددا من المناطق المجاورة لها في مسافة تقريبية تصل إلى 6.5 كيلومتر طولا وفي 8 كيلومتر عرضا، وادى الدمار إلى حصار العديد من الأشخاص الذين نجوا من الزلزال الأول تحت أنقاض المباني المنهارة. إذ تم إحصاء تدمير 85 بالمئة من المباني في المدينة وتحولت إلى أنقاض وغير قابلة للسكن بالمطلق.

  • إعداد: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top