سقوط تلفزيوني

من حيث المبدأ، لم نعتد «تقطير الشمع» على الزميلات والزملاء في المنابر الإعلامية الأخرى، ولا التربص بهم «عند الدورة» في كل ما قد يعترض عملهم المهني من هفوات وتجليات نقص يبقى تقييمها دائما نسبيا ولا يخلو من ذاتية، لكن ما شاهدناه وسمعناه في «مباشرة معكم» هذا الأسبوع خلف لدينا حزنا حقيقيا، وكم كانت الأشياء والأقوال وكل الحكاية صادمة ومثيرة للاستياء. لقد كان واضحا الضعف في الإعداد القبلي، وأيضا في تدبير مسارات الحوار والتفاعل طيلة مدة البرنامج، كما عمت الضبابية الرؤية التي يفترض أن تقود البرنامج، وفي النتيجة خلصنا كلنا إلى الاقتناع بأننا ابتلينا بمرض اسمه… السطحية في كل شيء.
في عيد المرأة العالمي حمل لنا تلفزيوننا الثاني من يشتم نساءنا علنا ويصفهن بـ «الضاسرات»، وتابعنا متدخلات لم يصدقن ظهور وجوههن عبر الشاشة، وكن ممتنات وشاكرات لمن أراد أن يفرض علينا فهمه، أو لافهمه على الأصح، للأشياء وللرهانات وللصورة ولخطورتها.
هو النزول إذن إلى أسفل سافلين، وهي الدرجة الصفر في التفاعل التلفزيوني مع القضايا الكبرى لبلادنا، وأيضا الاستهانة بمواضيع هي في عمقها مؤسسة ومهيكلة للمشروع المجتمعي، وهي التي تميز بين المدافعين عن الديمقراطية والحداثة والتقدم والمناهضين لها.
إن السقوط هذه الليلة كان «مباشرة معكم» عبر التلفزيون، وقبل هذه الليلة كان من خلال حلقة أخرى خصصت للسينما، وفي لحظات تلفزيونية أخرى كان السقوط متجليا في اختيار المواضيع، وانتقاء الضيوف، وتدبير الحوار والأفكار والرسائل والتلميحات وغيرها.
إن التلفزيون يمتلك في عالم اليوم خطورته المعروفة عند الكل، وللصورة سحرها وفعلها وأثرها عند كل الناس، ولهذا فإن خوض معركة الديمقراطية والمساواة والحرية والانفتاح والحداثة بواسطة التلفزيون لا يكون فقط بـ «الفم»، وإنما أساسا بالعمل الجدي، في الإعداد والتفكير والإنجاز والتقديم، وهذا يتطلب «لفهامة»، خاصة عندما يتعلق الأمر بمواضيع وقضايا كبيرة لا يجوز التعاطي معها بخفة وسطحية.
ليس القصد هنا تركيز الحديث عن برنامج تلفزيوني معين، أو عن مقدمه، الذي أعتز بصداقته وأقدر حيويته المهنية، وإنما الغاية من إثارة الحلقة الأخيرة من البرنامج المومأ إليه هي التنبيه إلى فقر كبير تعاني منه قنواتنا التلفزيونية منذ فترة على مستوى البرامج السياسية والاجتماعية والثقافية ونشرات الأخبار، حتى أن الأخطاء وتجليات القصور لم يعد بالإمكان إحصاؤها يوميا.
إن التطلعات الديمقراطية والحداثية لشعبنا، والرهانات الكبرى المطروحة اليوم على بلادنا تتطلب تلفزيونا قويا وجاذبا ويمتلك المهنية الكبيرة، وأيضا ذوي الرؤية والكفاءة، أي أنه لم يعد مقبولا في كل مرة تجريب البدايات وتكرارها.
من حق القائمين على تلفزيوننا امتلاك آرائهم، وأيضا حق التعبير عنها، ولو تم ذلك بلا أية مناسبة أو غاية، ولكن الأساس أن من واجبهم أولا وقبل كل شيء القيام بعملهم، وتطوير عرضنا التلفزيوني الوطني، وبعد ذلك سيتكلم الفعل عن الفاعل، أما الواقع اليوم، فمع الأسف، لا أحد يستطيع إقناع أحد بأننا نملك تلفزيونا بالفعل كما يوجد في كل البلدان التي تحترم نفسها وجمهورها.
[email protected]

Top