ظاهرة استقالات القضاة في المغرب

حذر نادي قضاة المغرب في بيان لمجلسه الوطني من تزايد الطلبات المقدمة من طرف القضاة للاستقالة وللتقاعد النسبي ووضع حد للتمديد، داعيا الى دراسة أسباب هذه الظاهرة وتأثيرها السلبي على الجسم القضائي . تفاعلا مع بلاغ نادي قضاة المغرب، أرجعت  مصادر قضائية، مطلعة تزايد عدد طلبات مغادرة السلك القضائي المقدمة من طرف القضاة الى عدة أسباب، أبرزها ما يطرحه نظام تأديب القضاة من إشكاليات بسبب إمكانية التوقيف الفوري نتيجة الخطأ الجسيم، فضلا عن تفاقم عبء تحرير الأحكام وغياب التحفيزات بسبب جمود نظام الترقية. تأديب القضاة بسبب الخطأ في القانون وغياب الانتصاف تبرز أول أسباب طلبات استقالة القضاة في مخاطر التأديب بسبب الخطأ الجسيم طبقا لمقتضيات الفصل 97 من النظام الأساسي للقضاة، والتي قد تشكل تضييقا على الإجتهاد القضائي. وفي هذا السياق، سبق لنادي قضاة المغرب أن سجل كثرة الإحالات التأديبية إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية المتعلقة بالخطأ الجسيم، والتي جعلت عمل القضاة “ملغوما”، بحيث يمكن أن تترتب عن بعض الأخطاء المرتكبة بحسن نية الإحالة على المجلس، حتى وإن تعلق الأمر بأخطاء في القانون يمكن تصحيحها عن طريق ممارسة طرق الطعن المكفولة قانونا. كما يلاحظ أن عدم إحساس القضاة بالإنصاف بعد إحالتهم على التأديب بسبب تقارير سلبية من المسؤولين القضائيين، أو حرمانهم من الترقية بناء على نشرات التنقيط، جعل بعضهم يفضل تقديم الاستقالة من المهنة عوض ممارسة حقّ الطعن المكفول دستوريا أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، وذلك نظرا لتأخّر آجال البتّ في غالبية الطعون، والتي يكون مآلها في نهاية المطاف عدم القبول أو رفض الطلب. وقد سبق لنادي قضاة المغرب أن أثار خلال مناقشة مشاريع قوانين السلطة القضائية ضرورة إحداث مجلس الدولة لرفع الحرج عن قضاة الغرفة الإدارية في محكمة النقض الذين يتولون البتّ في الطعون المقدمة ضد القرارات الصادرة عن المجلس فيما يخص تدبير الوضعية الفردية للقضاة. غياب التحفيزات والتخوف من مآل اصلاح قوانين التقاعد والمحاماة تأتي مشاريع إصلاح نظام التقاعد الذي تنكب عليه الحكومة المغربية والتي تتجه إلى وضع سقف أعلى لرواتب المتقاعدين، أيضا ضمن الأسباب التي دفعت عددا من القضاة إلى تقديم طلبات الاستفادة من التقاعد النسبي، أو وضع حدّ للتمديد، ذلك أنهم يفضلون التقاعد وفق القانون القديم الذي يضمن لهم راتبا أكبر من الرواتب الخاضعة للتسقيف. في نفس السياق، يلحظ أن عددا من القضاة يفضلون مغادرة مناصبهم لأسباب اقتصادية نتيجة بطء وتيرة إصلاح منظومة أجور القضاة، خاصة قضاة الدرجة الاستثنائية الذين لم تسوَّ وضعيتهم المادية منذ حوالي عقدين من الزمان، رغم الوعود المقدمة بتسوية هذا الملف خلال جولات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، كما أن بعضهم يفضلون تقديم الاستقالة من سلك القضاء والالتحاق بصفوف المحاماة كمهنة حرة توفر تحفيزات أهم، وذلك قبل مراجعة قانون المهنة الذي يفترض أن يحدد سنا أقصى لولوج قدماء القضاة الى مهنة المحاماة وهو ما قد يؤدي الى حرمان شريحة واسعة من القضاة المتقاعدين من ممارسة هذه المهنة. عبء التحرير وتغليب ثقافة الكم على الكيف من بين الأسباب التي تدفع بعض القضاة إلى تقديم استقالاتهم الخطاب الرسمي الذي بات يركز أكثر على الإنتاجية داخل المحاكم، من خلال ربط البت في القضايا بآجال افتراضية، وربط تقييم  القضاة وترقيتهم بمستوى إنتاجيتهم، أي عدد الأحكام التي يصدرونها، بغضّ النظر عن طبيعة هذه الاحكام، أو مدى احترام بعض الشكليات القانونية مثل توصل الأطراف بالاستدعاءات أو جاهزية الملفات، وقد نتج عن هذا الخطاب تفاقم عبء تحرير الأحكام، خاصة بعد مراجعة قانون التنظيم القضائي الذي أصبح يستلزم ضرورة النطق بالأحكام محررة، فضلا عن توسيع نطاق  العمل ببعض التطبيقات الرقمية التي تمكن الإدارة القضائية على المستوى المركزي من تتبع وتيرة إصدار الأحكام القضائية المحرّرة، وفي هذا الإطار، نبّه بيان نادي قضاة المغرب إلى تسجيله حالات يطالب فيها المسؤولون القضائيون القضاة بإدخال البيانات الخاصة بالأحكام وفق التطبيق المعلوماتي، وهي مهام تدخل ضمن صلاحيات مساعدي القضاء أي جهاز كتابة الضبط، معتبرا أن هذه المهام الإضافية تخرج عن مهام القضاة المحددة في نظامهم الأساسي وفي قانون التنظيم القضائي وفي باقي النصوص ذات الصلة. بالأرقام: الخصاص مشكل متفاقم داخل المحاكم المغربية يأتي ارتفاع وثيرة استقالات القضاة ليعزز مشكل الخصاص، داخل المحاكم المغربية والذي تفاقم بعد مراجعة الخريطة القضائية وإحداث محاكم جديدة، ومراجعة التنظيم القضائي والاتجاه نحو تكريس القضاء الجماعي خاصة في المادة الزجرية، وقد سبق لتقارير رسمية وأخرى صادرة عن الجمعيات المهنية للقضاة أن دقت ناقوس الخطر حول تفاقم مشكل ضعف الموارد البشرية بالمحاكم أمام تزايد عدد القضايا المعروضة عليها. وفي هذا السياق، سبق لرئاسة النيابة العامة، أن حددت في تقاريرها السنوية حاجة هذا المرفق إلى ما يزيد من 300 قاض كل سنة، وذلك من أجل التغلب على وتيرة الأشغال المتزايدة والتي تبلغ ما مجموعه أكثر من 3760 إجراء سنوي، أي بمعدل 270 يوم عمل في السنة، وبمعدل يومي يتجاوز 13 إجراء لكل قاض. بدوره أكد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، في افتتاح السنة القضائية للعام 2023 تزايد وتيرة القضايا المعروضة أمام المحاكم المغربية بنسبة زيادة في الأحكام قدرها 13%، أي ما يناهز 1700 قضية لكل قاض. وكانت دراسة لوزارة العدل أنجزت في إطار الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة قد قدّرت حاجة المحاكم إلى توظيف ما بين 200 و250 قاضيا جديدا كل سنة، للوصول إلى العدد الكافي من القضاة كما أكد نادي قضاة المغرب، أن التغلّب على مشكل الخصاص الكبير في صفوف القضاة بالمحاكم المغربية  يقتضي من وزارة العدل تنفيذ التزام الحكومة بالإجراء الخامس  من الإجراءات الفعالة لتنفيذ المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية والذي ينص على ما يلي: “يتعين على الدول أن تولي اهتماما خاصا لضرورة توفير الموارد الكافية لعمل النظام القضائي، ويشمل ذلك تعيين عدد كاف من القضاة لمواجهة الأعباء القضائية، وتوفير الدعم اللازم للمحاكم من الموظفين والمعدات”.

Related posts

Top