عيد ميلاد سعيد يوتيوب

قبل أكثر من 10 سنوات قدمت ورقة في المجمع الثقافي في أبوظبي عن الإعلام الإلكتروني. كنت أقارن بين الصحافة الورقية والصحافة على الإنترنت. ذكرت مثالا عن أهمية الورق لحد وقت قريب. المصري يبقى حيا لدى الناس طالما لم يروا نعيه في صفحة الوفيات في الأهرام. تغيرت المنصات الإعلامية، ورق ومواقع وفضائيات وإعلام اجتماعي، لكن الحضور أو الغياب ظل مرتبطا بها في عالمنا اليوم.
احتفل يوتيوب بعيد ميلاده الخامس عشر. أعداد المستخدمين للخدمة فلكية وبالمليارات سنويا. كل دقيقة تشهد تحميل ما يعادل 500 ساعة من المحتوى المصور. الإعلانات على الموقع من كل حدب وصوب. أيقونة يوتيوب في مقدمة أيقونات التطبيقات على هواتفنا. أعرف عددا لا بأس فيه من الأصدقاء ما عادوا يمرون على المتصفح، بل يذهبون إلى التطبيق مباشرة. كأنهم يقولون لا نريد نصوصا أو صورا، بل فيديوهات فقط.
لو أجرينا مقارنة مع صفحة الأهرام، يمكن أن نقول إن أي شيء الآن لا حياة له من دون أن يكون متواجدا على يوتيوب. أي شيء بالمطلق، ومن دون مبالغة. أنت حي، إذا أنت موجود بشريط أو لقطة على يوتيوب.
أتابع الفضائيات على هاتفي من خلال صفحاتها على يوتيوب. كأنها تقول إن عهد الأقمار الصناعية إلى زوال. أستعيد برامج تم بثها، وأجدها تنتظرني طالما قرر منتجها، مؤسسة إعلامية أو فرد، أن يضعها سريعا على المنصة. الصحف تعيد إنتاج تقاريرها فيديو وتحملها على يوتيوب. الإعلام يعيش حياة جديدة على يوتيوب. السياسيون على هاتفك حيثما ذهبت.
اختر ما تشاء من المنتجات، ستجدها على يوتيوب. تحلم بسيارة جديدة وبمواصفات جيدة وبسعر مناسب؟ عليك ببوابة الشركة على المنصة، سترى السيارة من الداخل واستقرارها على الطرقات. أثاث؟ كريم للوجه؟ مضرب تنس؟ إجازة داخل البلد؟ خارجه؟ شركة طيران؟ غرف الفندق؟ طبيب الأسنان؟ كله موجود.
الترفيه هو يوتيوب. كل الأغاني من يوم ما غنى زرياب موجودة. كل مقدمات الأفلام الترويجية. عدد هائل من الأفلام ممن قرر أصحابها وضعها اختيارا على يوتيوب. مسلسلات. لا تضيع وقتك بالتنقل بين توقيتات مسلسلات رمضان. أغاني مادونا. أغاني أنغام. تقليد أغاني أنغام. هواة يحاولون محاكاة طريقة غناء ناظم الغزالي. موشحات. ترتيل قرآني. مسرحيات مدرسة المشاغبين والمتزوجون والعيال كبرت. عركة من برنامج حواري تافه. مقالب الكاميرا الخفية.
يوتيوب كبر وتضخم. لكنه أيضا أصيب بالغيرة. صار يريد تقليد نتفليكس وأمازون وبي.بي.سي. صار ينتج لصالحه مسلسلات. صار يقدم خدمة مدفوعة بلا إعلانات. لا يريد لمتابعيه أن يستخفوا به. هو ليس منصة بلاش فقط.
تعبت من العد. ألم أقل لكم كل شيء.

 هيثم الزبيدي كاتب عراقي مقيم بلندن

Related posts

Top