في حوار مع الإعلامي الصديق معنينو

حرب أكتوبر وراء  اختياري لتقديم يوميات المسيرة الخضراء

شكلت المسيرة الخضراء لحظة مفصلية في تاريخ المغرب الحديث، فقد كانت بمثابة ملحمة شعبية، أنصت فيها الشعب لنبض جزء منه في الجنوب كان لا يزال يرزح تحت سيطرة الاحتلال، ملبيا بذلك نداء جلالة الملك الحسن الثاني مهندس هذا التحرير. المسيرة التي تم التخطيط لها في سرية تامة راكمت جوانب متعددة من النجاح، انطلاقا من التخطيط إلى تحديد تاريخ الإعلان وإعطاء الانطلاقة من وتم تحقيق الأهداف. وأحد جوانب هذا النجاح كان الفعل الإعلامي التواصلي إن لم نقل الدعائي الذي أحاط بكل تلك الجوانب.
وبهذا الخصوص يعد الإعلامي المخضرم الصديق معنينو أحد الوجوه الإعلامية البارزة الذي واكب الحدث بتقديم برنامج يومي في التلفزة المغربية، إذ انتقل لمدينة مراكش حيث كان يتم الإعداد، ثم خلال انطلاق المسيرة ودخول المتطوعات والمتطوعين أرض الصحراء. إنه شاهد من قلب الحدث بأطواره وتفاصيله وشخوصه بل وكواليسه في أحيان كثيرة .
وهكذا اختارت جريدة بيان اليوم بمناسبة الذكرى 40 للمسيرة الخضراء، الحديث مع الإعلامي والكاتب الصديق معنينو لكونه من جهة كان في خضم الأحداث التي عرفها المغرب بإيجابياتها وسلبياتها، بشفافيتها وغموضها، لفترة مهمة.. وواكب بشكل خاص حدث المسيرة الخضراء، هذا فضلا عن أنه أصدر أن قبل بضعة أيام الجزء الثاني من سيرته أو مشاهداته التي جمعها في كتاب «أيام زمان»، والتي تحمل في هذا الجزء عنوانا فرعيا «الفتح المبين»، نسبة للمسيرة الخضراء التي كان الراحل الحسن الثاني قد أطلق عليها « الفتح» كاسم سري فرضته ظروف الإعداد. وفي مايلي نص الحوار.
>عاينتم عن قرب الإعداد لملحمة المسيرة الخضراء كحدث تاريخي شهده المغرب الحديث، فما هي أبرز المواقف والأحداث التي بصمت ذاكرتهم بشأنها؟
< في سنة 1975 كنت أشتغل صحافيا بالتلفزة المغربية، وشاءت الأقدار أن أمكث في الرباط في اليومين الأولين لمتابعة الأحداث، ولكن المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، ومن خلال وزير الإعلام أحمد الطيبي بنهيمة، دعاني للذهاب لمدينة مراكش من أجل تقديم برنامج خاص بالمسيرة الخضراء التي أعلن عنها الملك في خطاب ألقاه  يوم 16 أكتوبر، وكان يوم خميس، دعا فيه الشعب المغربي إلى التطوع للمشاركة في مسيرة خضراء أي مسيرة سلمية تضم 350 ألف من المتطوعات والمتطوعين.
وارتكز الملك في ذلك على قرار محكمة العدل الدولية بلاهاي التي قضت في رأيها الاستشاري بوجود روابط قانونية وروابط بيعة مع قبائل الصحراء وسلاطين المغرب، فالملك قال «بما أن هذا القرار جاء بهذا الشكل وأعطانا هذا الحق فعلينا أن نلتحق بأرضنا وأن نستردها».
وكان الملك قد فكر في المسيرة قبل حوالي شهرين ونصف من الإعلان عنها واحتفظ بالسرية ولم يخبر إلا بعض الأشخاص، الذين كان لابد أن يساهموا في الإعداد لها.. فكانت البداية مع ثلاثة ضباط من القوات المسلحة الملكية، أمرهم أن يقوموا بدراسة لوجيسيكية لنقل وإيواء وإطعام لـ350 ألف من المتطوعين. وبعد ذلك استقبل عمال الأقاليم وأقسموا بين يديه على الحفاظ على السر، ومباشرة عملهم في جو من الحذر والحيطة، وأمرهم أيضا بالإعداد لوسائل النقل والإيواء والإطعام، وبعد ذلك أخبر الحكومة وأقسموا جميعا على الحفاظ على السر، وبدأ كل واحد منهم حسب اختصاصه الاستعداد للمسيرة».
ومن المثير أن كل الاستعدادات بدأت وكانت العملية ناجحة وظلت السرية قائمة وتامة ولم يعلم أحد من خارج هذه الدائرة التي حددها الملك الراحل أن هناك شيء يتم إعداده لمثل هذا التحرك الشعبي الكبير.
> كيف وقع الاختيار عليكم  من قبل الملك الراحل الحسين الثاني لتقديم برنامج تلفزي يهم المسيرة الخضراء من داخل القصر الملكي بمدينة مراكش، وما هي الاستفسارات التي كان يرددها المواطنون كثيرا على مسامعكم؟
< سبق لي في حرب 1973 التي جرت في الشرق الأوسط أن قدمت برنامجا دام حوالي ثلاثة أسابيع، في كل يوم حوالي الساعة، أشرح فيه على مجموعة من الخرائط المعارك التي تجري في المنطقة، وتقدم هذا الجيش وتأخر الآخر، وما إلى ذلك، وكنت أشرح ذلك عبر خرائط كنت قد قمت بإعدادها شخصيا، لذا تم اختياري لتقديم هذا البرنامج التلفزي حول يوميات أو كل ما يتعلق بالمسيرة الخضراء.
بخصوص الاستفسارات التي كان يطرحها المتطوعات والمتطوعون، والتي كانت ترد على عمال الأقاليم والمشاركين في التنظيم، فتتعلق بمجموعة من الأسئلة المختلفة تتمحور حول وسائل الاتصال، في وقت لم تكن أقمار اصطناعية ولا هواتف نقالة ولا غيرها من وسائل الاتصال.. أسئلة حول الأحوال الجوية في الجنوب.. و قضايا حول النقل وإن كانت المتطوعة أو المتطوع هو من سيدفع ثمنه أم أن الدولة ستتحمل ذلك.
هذه الأسئلة كان يتم تجميعها ويتم إرسالها إلى القيادة التي كانت على  رأس المسيرة، وكان مقرها بقصر الدار البيضاء المتواجد بمراكش، حيث تم إرساء أجنحة على جنباته خاصة بممثلي عدد من الوزارات والمصالح والنواب المكلفة بتنظيم المسيرة. وكان بعين المكان أيضا مكتب كبير تابع لمصالح القوات المسلحة الملكية. وقد أمر الملك أن تأخذ التلفزة جانبا من ذلك الجناح الكبير ومن هناك كنت أبعث بالمراسلات أولا لأجيب على هذه الانتظارات ثم لأجيب الناس عن المراحل التي قطعتها المسيرة ومسارها، كما أخبرهم عما يجري  من تحركات والتي كانت تقوم بها الأقاليم والعمالات، وكذا ظروف وصول المئات من الآلاف من المتطوعين والمتطوعات قرب مدينة طرفاية، التي كان عليها أن تستقبل 350 ألف من السكان، قبل اختراق الحدود.
> إذا طلب منكم وصف الظرفية التاريخية التي تم فيها الإعلان عن المسيرة الخضراء، بماذا تردون؟
< كانت ظرفية مشحونة بالمناورات، لكن المغرب عبر الخطة السياسية والدبلوماسية التي قارب بها موضوع الصحراء تمكن من تحقيق هدف تحرير أراضيه الصحراوية.
ففي سنة 1974 من القرن الماضي، أعلنت إسبانيا أمام الأمم المتحدة عن نيتها في تنظيم الاستفتاء في الصحراء، واستعملت آنذاك اللغة المحببة لدى الأمم المتحدة، وقالت أن هذا الاستفتاء سيؤدي إلى استقلال، ولكن في نفس ذلك الوقت قالت أنها ستحتفظ بقطاعات الدفاع والخارجية والاقتصاد، بمعنى أن ذلك لم يكن استقلالا بل كان نوعا من التلاعب على حبال هذه الكلمة بغاية وضع حد لمطالب المغرب.
والمغرب من جانبه، حينما تدخل قال «على إسبانيا أن تفتح معي المفاوضات، لأن الأرض أرضي ولا يمكن لها أن تنظم أي شيء فوق تلك الأرض إلا بعد الاتفاق معي»، ورفضت إسبانيا في الأمم المتحدة كما في لقاءات ثنائية أي مفاوضات مع المغرب وأي كلام معه في هذا الموضوع، مدعية أنها حينما دخلت للصحراء وجدتها أرضا خلاء بدون مالك وغير خاضعة لأية سيادة. أمام هذا الإشكال، طلب المغرب من الأمم المتحدة أن تلقي سؤالا يتمحور حول «هل عندما دخلت إسبانيا إلى أرض الصحراء هل وجدتها أرضا خلاء؟»، كما طلب من الأمم المتحدة أن تطرح سؤالا على محكمة العدل الدولية بلاهاي تستفسرها فيه حول مدى وجود خلاف قانوني بين المغرب وإسبانيا من عدمه، حيث قضت المحكمة بوجود خلاف قانوني بين المغرب وإسبانيا الأمر الذي أصبحت على إثره إسبانيا مضطرة للتفاوض مع المغرب، خاصة وأن الأمم المتحدة أمرتها بعدم تنظيم أي شيء في الصحراء إلى حين أن تتوضح الأمور.
ويشار إلى أنه في ذلك الوقت ذهب وفد مغربي رفيع المستوى مكون من عدد من القانونيين إلى لاهاي للدفاع عن وجهة النظر المغربية، كما توجه وفد رفيع إسباني للدفاع عن وجهة نظر هاته الأخيرة، لكن مع كامل الأسف انضم وفد رفيع المستوى من الجزائر إلى الوفد الإسباني للدفاع عن وجهة النظر الإسبانية ضد المغرب.. وهكذا وجدنا أنه في خندق واحد يقف نظام جزائري يدعي الاشتراكية والتقدمية يحارب الاستعمار إلى جانب نظام إسباني فاشستي ديكتاتوري رجعي. وكان هذا الموقف السلبي والعدائي ضد وحدة المغرب من بين الأمور التي ظلت عالقة في ذاكرة الشعب المغربي.
وهكذا جاء قرار الرأي الاستشاري لمحكمة العدل بلاهاي، صبيحة 16 أكتوبر، وكان يوم خميس من سنة 1975، حيث اعتبرت المحكمة بالنسبة للسؤال الأول أن إسبانيا لم تجد الصحراء أرضا خلاء وبذلك إذا سقطت الحجة التي كان يعتد بها الإسبان. فيما أقرت، بالنسبة للسؤال الثاني، بوجود علاقات قانونية وعلاقات بيعة بين قبائل الصحراء والمغرب.
ومساء ذات اليوم، أي الخميس، ألقى الملك الحسن الثاني خطابا أعلن فيه عن قرار المسيرة الخضراء، وطلب فيه مشاركة 350 ألف من المتطوعين، لكن العدد وصل، يومين فقط بعد بداية عملية التسجيل، إلى حوالي مليون من المتطوعين والمتطوعات.
> هل استمر تواجدكم بمراكش أم واكبتم المسيرة نحو الأراضي الجنوبية؟
< قدمت البرنامج على مدى عدة أيام من مدينة مراكش، وعندما وصلت جميع الوفود إلى الصحراء التحقت بها. كانت الهندسة التي تم بها تنظيم إقامة خيام وفود المتطوعات والمتطوعين في غاية التنظيم، حيث حدد لكل إقليم مربع كبير لإقامته ونصب خيامه، هناك عاش الناس وعشت إلى جانبهم خلال تلك الفترة.
> ما أبرز ما طبع ذاكرتكم من مواقف وأحداث في الرحلة التي انتقلتم خلالها من مراكش نحو طرفاية والحدود الوهمية مع الأقاليم الجنوبية؟
< لابد من الإشارة إلى أن 350 ألف من الساكنة التي انتقلت نحو الصحراء كانت نسبة  10 في المائة من المشاركين ضمنها، نساء، وكلهم في تعبئة وحماس منقطع النظير، علما أن المغرب منذ أربعين سنة ليس هو مغرب اليوم، حيث لم يكن هناك لا طرق سيارة ولا حتى طرق وطنية جيدة، ورغم ذلك تمت تعبئة 9000 شاحنة وحافلة توجهت كلها إلى الجنوب في تنظيم ودقة كبيرين وفي إطار لوجيستيكي يمكن أن يدرس حاليا في أرقى المدارس المتخصصة في إعداد اللوجيستيك.
فهؤلاء المتطوعات والمتطوعون في عين المكان تحملوا بحماس ظروفا قاسية، حيث لم يكن في عين المكان لا ماء ولا كهرباء، وانتظروا نداء الانطلاقة للمسيرة. كانت الساكنة في حاجة يوميا إلى مليون و100 ألف خبزة، وإلى ما يقارب 3 ملايين لتر من المياه وإلى عشرات الأطنان من الخضر والفواكه، وقد تم توفير كل ذلك بطريقة سلسة.
ومن بين الملاحظات التي أحتفظ بها مثلا، هو أن عددا من النساء والرجال القادمين من المرتفعات من جبال الأطلس، ومن من ورزازات والراشيدية، اكتشفوا البحر لأول مرة في حياتهم، فقد سمعوا في أحاديث وخرافات أن هناك  بحرا وهو كبير ويتوجب الخوف منه كما يقول المغاربة، لكنهم اكتشفوا خلال هذه الرحلة هذه زرقة البحر وجماله ورحابة أفقه.
كذلك وجدنا أن المتطوعات والمتطوعين القادمين من مدن تقليدية عريقة كتطوان، والشاون وسلا، سواء النساء أو والرجال منهم، لم يألفوا ولم يعرفوا أو ناموا سابقا تحت الخيام وفي ظل هبوب رياح تحمل الرمال، والبرد الشديد. كا تحملوا قضاء الليل في مجموعات تضم نحو 30 إلى 40 شخصا تحت خيمة واحدة، إذا كان نوعا من الاكتشاف، مغاربة اكتشفوا مغاربة، واكشفوا بلدهم، وكانوا في عين المكان للدفاع عن الوحدة الترابية لوطنهم.
> ما هي الانطباعات التي تركها لديكم اللقاء خاصة بطرفاية، بالصحفيين المراسلين الأجانب الذين كانوا يواكبون المسيرة؟
< كان هناك حوالي 300 صحفي. وعندما أعلن الملك عن انطلاق المسيرة من مدينة مراكش يمكن القول أن عددهم أصبح يناهز 500 صحفي.. كانوا يمثلون عددا من القنوات التلفزية العالمية.. وأكثر من 30 إذاعة وعشرات من كبريات الصحف الورقية كانت حاضرة في عين المكان، منها صحف فرنسية، أمريكية وإسبانية أساسا، ثم الصحافة العربية التي كانت حاضرة بقوة كبيرة، أذكر أنه من مصر كان هناك 30 صحفي.. إذا هذا التجمع الصحفي الكبير كان يمارس نشاطه يوميا ويتصل بالناس وينتظر ما ستسفر عنه الأحداث من تطورات.
>ما هي الرسالة التي يمكن توجيهها للشباب بمناسبة الذكرى الأربعين لهذه الملحمة التاريخية للمغرب الحديث؟
< كان من حظي أن واكبت ميدانيا انطلاق المسيرة الخضراء  من القصر الملكي بمراكش، حيث دعاني الحسن الثاني لتقديم برنامج تلفزي، ثم من طرفاية حيث تجمع  مئات الآلاف من المتطوعين مرورا بيوم العبور وأخيرا في مدريد إبان المفاوضات. وأعتقد بشكل قوي بأنه لابد من الحفاظ على شعلة المسيرة الخضراء وتذكرها واعتبارها عملية سلمية تحررية شعبية استطاع من خلالها المغرب أن يستعيد جزء من ترابه الوطني، ولابد أيضا من اعتبارها  كآلة سياسية ودبلوماسية نجح المغرب في استعمالها للضغط من أجل فتح مفاوضات مع إسبانيا.
فلأول مرة في التاريخ، وأظن أن العملية لن تتكرر، تم تحرير أرض بطريقة سلمية وتحت ضغط شعبي. فالذين عبروا الحدود ودخلوا إلى إقليم الصحراء ووجدوا أنفسهم على بعد 500 متر من الجيوش الإسبانية، هؤلاء الناس قال لهم الحسن الثاني في خطابه الأول «ستذهبون إلى الصحراء وستحررونها، ولكن قد يطلق عليكم الإسبان النار، وعليكم أن تستمروا في مشيكم».. وعندما دخلوا إلى أرض الصحراء وكنت أحد الذين دخلوا، أنجزت ربورطاجا من عين المكان، الذين هم في سني لازالوا يذكرونه اليوم، لأنني كنت أصيح وأبكي محاولا أن أنقل ما أراه وما أشعر به.
وبعد أن قضينا عدة أيام على أرض الصحراء، قال الملك في خطاب جديد وكان يلقي الخطب كل يوم أو ثلاثة، في إطار تواصل مستمر مع المتطوعين ومع الشعب، «عليكم أن تعودوا إلى منطلقكم».. وكان الناس حائرين لم يفهموا ما معنى أن نعود إلى الوراء بينما كانوا ينتظرون أن يقول لهم تقدموا  للشهادة واسترجاع الصحراء، لكنهم امتثلوا ورجعوا بالفعل سالمين إلى أماكنهم.
وشاء الحظ أن يدعوني وزير الاتصال إلى مغادرة الصحراء يوم 11 نونبر والالتحاق بمدريد لمتابعة المفاوضات المغربية الإسبانية، وفعلا وصلت إلى مدريد وتابعت تلك المفاوضات التي انتهت بإقرار إسبانيا بمغربية الصحراء وتنازلها على ذلك الإقليم وإرجاعه إلى السيادة المغربية.
إذا هذه المعركة يجب أن تظل حاضرة في أذهاننا، وعلى الذين حضروا المسيرة أن يسلموا المشعل لأبنائهم وحفدتهم، وأن يوصوهم دائما بأن يحافظوا على ذلك المشعل لأن المغرب مستهدف، فالجزائر شغلها الشاغل هو قضية الصحراء ومحاولة  تطويق المغرب، وعلينا أن نكون على وعي تام بذلك وأن نتخذ كافة الإجراءات للدفاع عن أنفسنا ووحدة ترابنا.
>خلال المفاوضات بمدريد ما هي أهم الملاحظات التي علقت في ذاكرتكم بشأن الأطراف المشاركة فيها؟
< كانت الأطراف المشاركة ثلاثة، الطرف الإسباني بطبيعة الحال وكانت إسبانيا تعيش أزمة سياسية خانقة إذ كان الجنرال فرانكو يرقد على فراش الموت في إحدى المصحات، وأعتقد أنه كان باق على قيد الحياة  فقط بفضل الآلات اوالأجهزة التي كانت تحيط بجسده، فلم يكن واعيا بحدث المسيرة الخضراء، وأظن أن فرانكو مات ولم يعلم بالمسيرة ولا بالمفاوضات ولم يعلم باسترجاع المغرب لصحرائه.
وأشير أنه في هذه الفترة كان خوان كارلوس أميرا ينتظر وفاة فرانكو ليصبح ملكا، وكان في إسبانيا توجس من الجيش من أن يقلب المعادلة وأن تحاول تلك الفلول القوية الرجعية في صفوفه رفض أي انفتاح ديمقراطي وأن تتسبب في قلاقل، فإسبانيا حينها كانت تعيش مخاضا سياسيا.
ومن جانبي، كنا في قسم التحرير في التلفزة المغربية منقسمين إلى فريقين، مجموعة منا تقول «نتمنى أن يموت فرانكو ليصل خوان كارلوس للحكم لأنه صديق للملك»، ومجموعة تقول «نتمنى أن يبقى الوضع عما هو عليه، ويستمر الاضطراب لأن هذا سيكون في صالحنا لأن إسبانيا لا يمكن أن تتخذ قرارا صعبا في هذا الوقت».
وفي المفاوضات كان الوفد المغربي المغرب وإلى جانبه وفد موريتاني، وكانت المفاوضات عسيرة طيلة يومين، ولكنها لم تكن هي الأولى من نوعها، فقد سبق للوزير الأول أحمد عصمان آنذاك أن ذهب لإسبانيا بأمر من الملك الحسن الثاني خلال هذه الفترة، ووجد أن الأجواء غير ملائمة للتفاوض فعاد، ثم أرسل الملك وزير الخارجية الذي بدوره عاد هو الآخر ليقول أن الإسبان غير متفقين ومختلفين.
كما أن الوفد الإسباني كان منقسما إلى فريقين وكذلك الأمر بالنسبة للجيش الإسباني، وهذا جعل من المفاوضات أمرا صعبا.
ويجب الإشارة إلى أن هذه الرحلة الثالثة التي ذهبت لمواكبتها جاءت بعد دخول المسيرة إلى أرض الصحراء، حيث وجدت إسبانيا نفسها مضطرة للتفاوض، وكانت ضغوطات من دول صديقة لنا ولإسبانيا تدفع في اتجاه التفاوض بين الجانبين، وكان مجلس الأمن في اجتماع مستمر.
فإسبانيا دعت مرتين مجلس الأمن إلى الاجتماع على أساس أن السلم والأمن الدوليين مهددين، واتضح فيما بعد أن الذي طلب عقد هاتين الجلستين هو وزير الخارجية الإسباني وكان صديقا للجزائر وتربطه مصالح اقتصادية مشتركة معها. فاستنكرت الحكومة الإسبانية بشدة ما أقدم عليه وزير خارجيتها. وتدخلت الجزائر محاولة الضغط بكل قوة على إسبانيا بالتهديد بقطع إمدادات الغاز عنها ورفض أي تعاون تجاري بين البلدين، وبعثت وزير التجارة والصناعة إلى إسبانيا مرفوقا بعدد من رجال الأعمال والمخابرات وهددوهم أن شيئا خطيرا سيقع إذا ما وافقت إسبانيا على إجراء مفاوضات مع المغرب.
إلى جانب ذلك قامت الجزائر سواء بمدينة بشار أو مدينة تندوف أو على الحدود مع المغرب بنشر قواها العسكرية، حيث تم استقدام الآلاف من الجنود الجزائريين والضباط والطائرات والدبابات من كل  أنحاء الجزائر ووضعها على الحدود مع المغرب لتهديده إذا ما دخل للصحراء أنها ستتدخل، وبالفعل تدخلت، وهذا ما جعل المواجهة تتم بعد ذلك بثلاثة أشهر بين القوات المغربية والجزائرية.
وأشير بهذا الخصوص أنه خلال المسيرة، كنا ننصت للإذاعات، وكانت إذاعة الجزائر تصلنا بوضوح كبير، وكانت في برامجها تصف المسيرة بأنها لقوات مغربية ألبسوها لباسا مدنيا، وقالت مرة أخرى أن جميع السجناء تم إطلاق سراحهم واستقدامهم للصحراء، وقالت مرة ثالثة أن الأمر يتعلق بأشخاص متذمرين يتظاهرون وهم لا يرغبون في العودة تحت السيادة المغربية.
فلابد أن لا ننسى هذا العداء أبدا، وعلى الأجيال أن تستعد أن تعيش في منطقة ربما ستظل فيها الحدود قائمة على مدى عدة أجيال.
>إذا أنتم متشائمون بخصوص مستقبل العلاقات مع الجزائر؟
< ما دامت الجزائر تحكمها أفكار توسعية وتنظر لشعوب المنطقة نظرة فوقية وتود أن تكون هي القاطرة والباقي هم مجموعة من التابعين، وما دامت فكرة الهيمنة سائدة لدى حكام الجزائر، سأظل متشائما.
>بعيدا عن الذكريات التاريخية، وقريبا من المستجدات الحالية، المغرب طرح مبادرة تخول الصحراء حكما ذاتيا؟
< المغرب شرع في تطبيق نظام الجهوية، وهي خطوة مهمة، تشمل مجموع التراب الوطني.. والجهوية حاليا ستعطي للمناطق المرونة في معالجة المشاكل ذات الطابع الاجتماعي والإداري والمالي.
أظن أن المغرب يسير بثبات في تطبيق تصوره. وهناك تيار دولي يعتبر مبادرة المغرب بأنها مبادرة واقعية وجدية تهدف إلى حل سياسي ونهائي للمشكل، وإذا ما تم الاستمرار على هذا النحو فلا خوف من أي شيء، نحن، على كل، على الأرض، نبني ونعمر.. وهكذا ستستمر الأمور.

Top