كشف المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، في بلاغ له توصلت بيان اليوم بنسخة منه، أن فريقا دوليا قد عثر على أدلة للاستعمال «الطبي» للأعشاب بمغارة الحمام بتافوغالت بمستويات أركيولوجية يرجع تاريخها إلى 15 ألف سنة، ونشرت نتائج البحث الأثري في المجلة العلمية المحكمة طبيعة .Nature
كما أشار المصدر ذاته إلى أن الفريق العلمي الذي أسهم في هذا الاكتشاف يتكون من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث من خلال الباحث الأثري لما قبل التاريخ ومدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، والمشرف على الأبحاث بمغارة الحمام بتافوغالت، عبد الجليل بوزوكار، وإسماعيل الزياني خريج المعهد وطالب بسلك الدكتوراه بجامعة لاس بالماس باٍسبانيا، إلى جانب لويز هامفري، باحثة بمتحف التاريخ الطبيعي بلندن، ونيكولاس بارطون أستاذ باحث بجامعة أكسفورد، وجاكوب موراليس أستاذ باحث بجامعة لاس بالماس بإسبانيا، ثم حسن الطالبي أستاذ باحث بجامعة محمد الأول بوجدة.
في هذا الصدد، قال الباحث الأثري لما قبل التاريخ ومدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، عبد الجليل بوزوكار، عن حيثيات هذا الاكتشاف المهم: «هذا الاكتشاف هو عبارة عن ثمار حبوب نبتة اسمها «ايفيدرا»، وهي نبتة كانت لها أهمية عند هاته المجموعات البشرية في مغارة الحمام بتافوغالت». وأضاف الدكتور بوزوكار في اتصال أجرته معه جريدة «بيان اليوم»: «لعل وجود ثمار فقط بدون أغصان يكتسي دلالة فائقة، بمعنى أن هؤلاء الناس الذين قطفوا لهاته الثمار، قطفوها لغرض أخذها هي ولم يكن لهم غرض في الأغصان. بمعنى يمكننا من الآن، أن نزيل فرضية استعمالها كوقود لإشعال النار.. لأنهم استهدفوا فقط الثمار».
واسترسل مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث قائلا: «نعرف عن هاته النبتة في تركيبتها الكيميائية أن لديها مجموعة من الاستعمالات، ولكن نحن في الأركيولوجيا، نستند على الدلائل المادية فقط. والدلائل المادية التي يمكن أن تفسر لنا وجود هاته الثمار بالذات داخل المغارة، يمكن تخليصها في كون الجمجمة خضعت لعملية جراحية عبارة عن خلق ثقب في عظم الجمجمة، وبينت الدراسات فيما بعد، أن هذا الثقب التأم، بمعنى أن الشخص الذي خضع لهاته العملية الجراحية تعافى والعملية كانت ناجحة، وتسمى هاته العملية «التربنة». عمر الجمجمة هو 15 ألف سنة وهو نفس عمر الحبوب، التي تم تأريخها بتقنية الكربون 14».
هذا ويواصل المتحدث أن «لدينا عملية جراحية أخرى اكتشفت في أواخر الخمسينات، جعلتنا كفريق علمي نتساءل عن كيفية تسكين الألم وإيقاف نزيف الدم الذي سببته العملية»، ظل هذا السؤال مؤرق بالنسبة لنا، يؤكد الدكتور بوزوكار، مضيفا أنه في عادات الأقوام التي عاشت في هاته المغارة خاصة في فترة 15 ألف سنة وما قبل، كان لديهم طقوس أو عادة تتمثل في إزالة الأسنان الأمامية للفك العلوي للبنات والأولاد، وربما هذا الأمر يعبر عن انتقال من البلوغ إلى مرحلة الشباب، وتبقى هاته مجرد فرضية، لكن المؤكد أن عملية خلع الأسنان بهاته الطريقة سببت ألما ونزيفا. وحينما وجدنا ثمار النبتة التي تحدثت عنها، تبين أنهم استعملوها لتهدئة الألم وإيقاف النزيف، وهذا أمر مهم، لكن لا ينفي استعمالات أخرى نجهلها، لأننا نتحدث عن تاريخ 15 ألف سنة، ولكن استطعنا أن نعرف أنه من بين الأمور التي تستعمل فيها هاته النبتة هو هذا الأمر. وبالتالي هذا ما جعلنا نتحدث عن أقدم استعمال للأعشاب لغرض التداوي أو يمكن القول «طبي»، يذكر بوزوكار.
أشار الباحث الأثري لما قبل التاريخ، أيضا، إلى أن هاته النبتة وجدت في مستويات أقدم، تعود إلى 40 ألف سنة وربما أكثر، ولكن لم يتم العثور عليها هي، بل حبوب اللقاح الخاصة بها، وهاته الحبوب يمكن أن تحملها الرياح، إذن ليست لها علاقة مع الإنسان، وهو ما يؤكد أن الدليل الموجود في تافوغالت هو دليل مادي وواضح وهو ثمار النبتة والهدف منها واضح.
كما يؤكد مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، على أن هاته الاكتشافات الأثرية تنشر في مجلات علمية محكمة عالمية، وتخضع لمسار طويل قبل المصادقة على النتائج، حيث قال: «أظن أنه يجوز لنا أن نقول بأن هاته الأرض أو هذا الحيز الجغرافي من العالم، تراكمت فيه مجموعة من الأشياء اخترعها واكتشفها الإنسان القديم، وهو مؤشر على أن المغرب كانت له خصوصية، والاكتشافات تعزز ذلك». واختتم الأركيولوجي بوزوكار توضيحاته لبيان اليوم بالقول: «هناك مناطق في العالم لعبت دورا في فترة من فترات الإنسانية، وهذا الحيز الجغرافي لعب دورا كبيرا في تاريخ البشرية منذ آلاف السنين».
جدير بالذكر أن الفريق بدأ أبحاثه الأثرية منذ أربع سنوات، لكن كان هناك تكتم حول الموضوع، لأن البحث كان يتطلب التدقيق والتمحيص والإحاطة به من جميع الجوانب، ولم يتم الإعلان عنه إلا بعد النشر العلمي في المجلة العلمية المحكمة طبيعة .Nature
>سارة صبري