كتلة المستقبل

قدمت أحزاب الكتلة الديمقراطية أول أمس الدليل على أنه في المنعطفات الكبرى لمسار بلادنا، تقف القوى الوطنية الحقيقية في عمق الحدث، بل وتصنعه.
بعد التأسيس في ماي 1992، وتصريح التجديد في 2006، اختارت الكتلة أن تتوجه إلى المغاربة في 2011 بأرضية برنمجاتية مشتركة تحت شعار: «تعاقد جديد للمستقبل»، معلنة عن وفائها لمرجعياتها واختياراتها الوطنية الديمقراطية، ولمواثيقها والتزاماتها تجاه شعبنا وبلادنا، ومؤكدة على أنها ستبقى محورا جوهريا في الحياة السياسية الوطنية، وفي بناء الدولة الديمقراطية، والدفاع عن مشروع مجتمعي واضح المعالم…
إن الخروج الإعلامي والسياسي للكتلة الديمقراطية دحض توقعات خصومها الذين تنبأوا بموتها أو بانتهائها، وأكدت أنها حريصة على وحدتها بالرغم من كل ما يشهده حقلنا الحزبي والسياسي من ارتباكات، كما شددت على انفتاحها، وعلى وعيها بأهمية تجديد ذاتها، وأيضا التوجه إلى المغاربة  بخطاب الأمل والمصداقية، وبتعاقد للمستقبل.
وإن هذا الوعي الذي شددت عليه أحزاب الكتلة الثلاثة، ينسجم مع الأمل الذي تعقده فئات واسعة من شعبنا على الأحزاب الحقيقية وذات المصداقية والقرار المستقل، خصوصا أن المكاسب الديمقراطية والإصلاحية التي حققها المغرب منذ منتصف التسعينات هي من صنع الكتلة ومن ثمرات نضالها المشترك، ولتقدير حجم ذلك يكفي فقط تصور المغرب من دون الكتلة ومن دون حكومة التناوب التوافقي، ومن دون كل هذه الدينامية السياسية والتنموية التي شهدتها البلاد خلال العقدين الأخيرين.
الكتلة الديمقراطية بعمقها الشعبي والمجتمعي، وبنفسها المتجدد والمنفتح، وبقدرتها على تطوير الأفكار والمقاربات لا زالت تمثل حاجة أساسية للمغرب وللمغاربة اليوم، وذلك لأصالة مكوناتها الثلاثة، ولامتلاكها القرار المستقل، فضلا على أن الحراك المجتمعي الذي تعيش على إيقاعه البلاد، والمتفاعل مع  المحيط المغاربي والعربي، يستمد عمقه وجذوره من التاريخ النضالي للأحزاب الديمقراطية، وهذه الأخيرة هي الأقدر على احتضان نضالات مختلف فئات شعبنا، وقيادتها، وبالتالي تعبئة المجتمع للإسهام في إنجاح التجربة الديمقراطية المغربية المتميزة.
التحدي الكبير أمام بلادنا اليوم يوجد في القدرة على التنزيل الجيد للمضامين المتقدمة للدستور، والمدخل إلى ذلك يتمثل في النجاح في تنظيم انتخابات تشريعية نزيهة وذات مصداقية، وتستطيع أن تضع البلاد على سكة آمنة، وتؤهلها إلى مرحلة جديدة في مسيرتها الديمقراطية والتنموية، وإن كل فشل في ربح هذا التحدي التاريخي، من شأنه أن يفتح باب العبث والمجهول أمام بلادنا.
وبقدر ما أن هذه المعركة تتطلب انخراط الدولة بكل قوة ضد الفساد والمفسدين، فإنها تتطلب أيضا وبنفس القوة وجود الكتلة الديمقراطية كتحالف موحد وقوي ومتماسك وفاعل في الساحة السياسية الوطنية، وفي القادم من محطات واستحقاقات.
الكتلة اليوم هي أكبر من كل الحسابات الظرفية..
[email protected]

Top