لا طريق للأحلام

ها أنا ذا، أطوفُ حولي في القبوِ الفَسيح. 

ها أنا ذا، أدخلُ وأخرجُ من رأسي كإبرةٍ ناعمة، أستَقِلُّ أنَواتٍ عديدة، علَّها توصِلُني إلى ذاتي، إلى حقيقَتي، إلى وجهَتي المجهولة.

 إنها أنا،

 ما زلت أحِبُّ الحياةَ حُبًّا صوفيًا طُفوليًا، رغم كل شيء.

والحلم صديق غادر، كما الأيادي التي مُدّت لي، مرّة يسحبني إلى أفكار لا تكاد أن تنفك حتى تلتهمني، أفكار تجهش باليأس والسفر حيث أستريح إلى الأبد دون عودة، يتدفق اندفاعا غزيرا حيث يدركني الخلاص لكن هناك عطب يلازمني لا عذر له، 

أحايين كثيرة يستمر في إقحامي داخل مشاكل نفسية، وشؤون طارئة، لا أحد يعرف عنها إلا أنا، لقد كنت معه مثل وريثة غير شرعية تطالب بإعادة فتح الأبواب المغلقة مهما كلفها من سقوط. 

إنها الحياة يا عزيزي، بكل قسوتها تمارس عليّ فنون الغدر والقهر في مجتمع قاحل لا يزرع فكرة، ولا يُنبت شيء لائقا لا يتقبل عفويتك ولا طيشك، يعبث بتصرفاتك أمام العجز والألم، لا يقدّر وجودك من الأساس.

مجتمع كل الأحلام فيه بلا وجهة، وكل السبل تعود بك خائبا، كأنك لم تجرّك خطوة.

لطالما رافقتني الأشياء السيئة، حتى صرتُ أشعر بخشونتها، بشكل ما كانت تؤذيني وتحرق اللهفة في عيني لاستقبال مواعيدي المؤجلة مع الفرح. 

كيف أخبرك يا عزيزي أنني أعيش تاريخا لستُ مسؤولة عنه وأني مجبرة على تدوين هذه الفوضى التي توغلني في فقد وغم وعزلة تحاصرني في تعب وضيق وظلمة. 

جمعتُ كل الأسرار التي رافقتني مذ وعيتُ أن الحياة مجرد كمين وعبأتها داخل رأسي لكن اليوم أتعبتني هذه الذاكرة بكل ثقلها وشجنها لا طريق توصل للأحلام.

..

عزيزي التعب 

هناك شعور يرهقني كل ليلة من روح عابرة لا تغادر محراب مخيلتي، روح تقاوم المسافة ليستْ قادرة على التقدم خطوة كما أنها عاجزة عن دفع تكلفة العودة .. 

روح مكلومة لا تعرف كيف تبرأ في المقابل لا تمنحني فرصة التجاوز، لا زلتْ تعاني لوعة الحبّ والشوق و الحسرة ليتني أستطيع النجاة من هول ما يحدث! 

..

لكي لا أنسى لقد استنزفت قلبي اليوم في مشهد أصابني بنوبة اكتراث ضخمة، في موقف جعلني أتمنى أن أغادر صحوتي وأدخل في سبات قاتل

ربما تعثرتُ بأشخاص عاديين كثر لكني كنتُ الأوفر إستثناءا، الأكثر سخاءا لطالما جعلتهم في أفضل حال كنتُ دائما القطعة الناقصة التي تُكمل الصورة، لأسباب مجهولة كنت دائما قادرة على التغيير 

لا طريق توصل للأحلام فقط إيقاع يوصل حتما إلى أشياء لم تولد بعد متحررة كالهواء

أُرَوضني لأتعلم كيف الكشف عن مكامن الأنوار وكيف يشرق العقل وهو يقُصُّ طريق الأخيار

ما أصغر الأشياء  تحدثني نفسي كلما امتدت لي يد الأمنيات والسماء فرحة بلا حدود

تراقص الأرض  حتى يتضح المسار

لكن فجأة قدمت لي الأقدار شخصا بارعا في ترتيب الفوضى داخل صدري، شخصا أتاح لي فرصة الشعور بالحبّ والشغف مرّة أخرى، منحني كل أشياءه الثمينة وعاملني على أنّي الفكرة الوحيدة التي كانت تدور في خلده مذ مدّة، جربتُ معه كيف تبدو ملامحي ساحرة لأول مرّة  كيف أجاور حُسني وأنا على يقين تام أني محشوة داخل قلبه، علمني كيف أتخطى الوحدة كيف أتخطى عناد اللحظة، كيف أخبره عن الأحاديث الصامتة التي تدور داخلي دون خوف

حلم يشبه تلك الغفوة التي تأتي بعد اِنتظار طويل أمسك بيدي وأنا مختبئة داخل جيوب العتمة، جعلني أشعر مرّة أخرى أني طفلة بالغتْ الحياة في رفسها وعجنها كأنها لعنة.

قبله كنت لا أعرف معنى أن يشعر المرء بالانتماء إلى أحدهم بكل هذا العمق واليوم لم أجرب الاكتفاء إلا معه، يبدو أن هذا الشعور الذي يرافقني عند التفكير به سيستمر في تحديث روحي، هو الثقة المتجددة والأمل الصامد الذي يدفعني للاستمرار ..

تُخالِجُني الأحلامُ فتُصيبُني بالرَعشة،

فجأةً تَنبِضُ مَساماتي الألف بالحياة وتَتَّحِدُ جميعُ المَتاهاتِ في رأسي، مُتَّجِهةً نحوَ الحُلم. تَناوَلوا رغيفَ الحِكمة، إنَّ العالمَ في داخِلِنا أوسَعُ بكثيرٍ من العالمِ الخارِجي.

لا طريق توصل للأحلام 

فقط مرآة خيال تكفي لأهمس لعين الحق

فقط مرآة خيال تكفي للتوغل في مفاتن الجمال 

وخلف متاهات النسيان قصيدتي أكبر من دائرة الكلمات المغلفة بقشرة الإغراء

اشتد وطيس الهرج المشاع تيمموا صعيدا مستهجَنا

لم يتراجعوا

مضى زمن الخصوصية والتجريد

تداخلت أصابع الوقت ولا حاجة لي لأصابع لا تشير لوقف غربة ليل

يدخلني أدغال تيه موحش وتيه في سراديب عميقة ملتوية كغصن نسي نفسه كل هذا السفر 

لا طريق توصل للأحلام نسكن الريح ولا بيت نرثه سوى إسم وظل 

لا يكفي وبعض ذكريات شاخت نحمل المكان والزمان دوائر تلفنا

لو كانت القلوب رهيفة  وأكثر رقة  لتركت الآمال مسار الشرود  ولاخضرت طريق الأحلام

هكذا سيَّرتنا فنون سخرية كلوحات سريالية والقلوب الغافلة تخون المخلصين

لا أقراص الأحلام المهدئة للتائهين!

الطريق إلى الله صفاء الحياة

علمتني الحياة أن أسمو كلما نكأ الضجر الجراح قبضة القدر رحيمة

تُوَلِّدُ في أعماقي زنبقة ولا طريق توصل للأحلام كلما فتحْتُ في رأسي ثقبا

ردد الحمام أغنية ألفتُها والقلب لا يرسو على بر، فالقلب على مرمى سهم 

وأنا الطريدة لا وقت للأحلام  ولا حاجة للكلام فقط مرآة خيال تكفي

لأهمس لعين الحق فالحياة مرة تكفي في كف زمن مكسور.

لم أعد أشبهني فالريح في دمي شعر مبثور والحلم مفقوءُ البصيرة .

فقط يرى ما أرى.

فقط يسمع ترانيم أصحاب الجاه و الموت يسير بلا وجهة.

في الوطن شاهدٌ يمسك  يد أخيه ولدنا في متاهة محنطين ليغوص الضليل في عراه

وااا حيرتاه !!!

وااا رباه!!!!

كُممت الأفواه وأصبح الموت حياة ذئاب تعوي بكل اتجاه ولا طريق توصل للأحلام هكذا سكت الرعاع عن الكلام .

فالحظ غير رحيم والحلم عبد خائن وضعوا الأغلال في يديه فهزمته الكمائن.

 

في محكمة السماء لا حاجة لإثبات جرائم الحياة ولن ينتصر الوقت إنها صرخة الخلود في زمن غير محدود.

الحلم يموت 

الخذلان يعمر

الزمن لا يشيخ

وكأن التهميش يُوَلّدُ أنسجة لا تموت فتجدد كالهيدرا نتكاثر كبدائيات النوى نريد أن نعيش في زمن أخضر لينفي صراعات البشر.

نريد أن نعيش في سلام.

الهيدرا: حيوانات

 فصيلة الهيدرا لديها القدرة على التجدد التي تتجنب الموت عند الشيخوخة.

 هند بومدين

Top