لبنى الصغيري: المشروع نص فئوي يبخس على الفقراء ممارسة حقهم بشكل سلس

أبانت مقتضيات مشروع المسطرة المدنية الذي يحمل رقم 23.02، والذي تتداول فيه لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب منذ مدة، عن عديد نواقص وثغرات تعتري هذا النص، تشمل المس بحق التقاضي الذي يكفله الدستور والاستقواء بدور النيابة العامة وإطلاق يدها بدعوى حماية النظام العام، فضلا عن المساس بدور المحامي بالتقليص من مساحة إنابته عن المتقاضين في بعض الدعاوى، وعدم مراعاة هذا المشروع سواء في ديباجاته أو في باقي مواده مسألة سمو الاتفاقيات الدولية .
وقالت لبنى الصغيري، عضوة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، محامية بهيئة الدار البيضاء، في ردها على أسئلة لجريدة بيان اليوم بشأن مضامين مشروع المسطرة المدنية والمستجدات التي حملها والملاحظات التي يمكن استنتاجها من منطوق هذا النص، ” إن المشروع الجديد بالرغم من كونه حمل مستجدات مهمة كقانون غايته المساهمة في تحيين جودة الخدمات القضائية وضمان شروط المحاكمة العادلة، فإن مجموعة من النواقص شابت ديباجاته ومواده، وجعلت بناءه يبدو مختلا بل ويكاد يكون نصا فئويا يناصر أصحاب المصالح والمال ويبخس على الفقراء ممارسة حقهم بشكل سلس.
وأشارت المحامية والنائبة لبنى الصغيري، عضوة اللجنة النيابية الدائمة للعدل والتشريع بمجلس النواب إلى الإيجابيات التي حملها المشروع الجديد، والتي تشمل إجراءات التبليغ بحيث لأول مرة يتم اعتماد بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية، كما تم جعل التبليغ من مهام موظفي الضبط، وتم أيضا اعتماد شروط إجرائية من شأنها أن تساهم في تجاوز مشكل البطئ والتقاعس بالنسبة للملفات.
وسجلت النائبة، أن بين الشروط الأساسية التي تم اعتمادها في هذا الصدد، هو أنه أصبح من الضروري ومنذ أول وهلة لتقديم المقال أن يتم إرفاقه بالمستندات ، إذ ينبه القاضي إلى إلزامية وجودها منذ أول جلسة ويتسلم وصلا عنها، كما تم التنصيص على إجراءات جديدة ومهمة تهم إجراءات التنفيذ تتعلق أساسا بإجراءات البيع بالمزاد العلني.
وبالنسبة للملاحظات التي تسوقها النائبة، والتي تشير فيها إلى النواقص والثغرات التي تعتري هذا المشروع، والتي تطرح عديد إشكالات ، تأتي على رأس لائحتها ،مسألة نسخ قانون المسطرة المدنية القديم والإحلال محله قانون المسطرة المدنية الجديد، وهذه العملية هي عملية لايمكن استساغتها، على اعتبار أن قانون المسطرة المدنية الذي تم إقراره منذ 1913 إلى غاية اليوم، راكم تجربة قانونية كبيرة جدا واجتهادات قضائية كما راكم معرفة قانونية و تراثا للعمل القضائي لايمكن نسخه بين ليلة وضحاها.
وتعزز النائبة طرحها هذا، بالإشارة إلى كون النص الجديد تبدو مضامينه كأنها مجرد تعديلات جاءت لسد فراغات واختلالات أبانت عنها الممارسة القضائية ، وأنه بناء على ذلك كان على وزارة العدل الاقتصار على تقديم تعديلات بدل إعداد نص متكامل ونسخ قانون المسطرة المدنية القديم وإحلال محله نص قانوني جديد.
ودعت في هذا الصدد إلى استحضار تجارب مقارنة في المجال، فمثلا في التجربة الفرنسية، والتي يعود فيها قانون المسطرة المدنية الفرنسي لسنة 1804، فقد شهد هذا النص إدخال العديد من التعديلات لكن دون الحاجة إلى العمل على نسخ المسطرة المدنية ن بل تم الإبقاء والحفاظ عليها وبالتالي الاحتفاظ بالتراث القضائي والإجرائي الذي تكون قد راكمته الممارسة القضائية في ظل إعمال هذا القانون.
وثاني ملاحظة تطرحا النائبة،تتمثل في كون مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد لم يأخذ بعين الاعتبار معطى مهم جدا يتمثل في الاتفاقيات الدولية ، مشيرة إلى التناقض الواضح الذي سقط فيه واضعوا المشروع، “فبيان الأسباب يتحدث عن أن سن هذا القانون ونسخه جاء من أجل ملاءمته مع المرجعية الدولية المتمثلة في نتائج وتوصيات التقارير الدورية الصادرة عن الهيئات والمنظمات واللجان الدولية المتخصصة في تقييم الأنظمة القضائية عبر العالم، لكن المضمون على عكس ما جاء في الأسباب .
وقالت في هذا الصدد” أن المشروع الجديد لم يراعي الاتفاقيات الدولية التي ينص الدستور على سموها على القوانين الوطنية، وان ذلك يعد من العيوب التي تشوب هذا النص، الذي غابت عن ديباجته أو في باقي مواده مسألة الاتفاقيات الدولية ولم يأخذ بها كمصدر لإجراء هذا التعديل”.
ومضت النائبة ، معلنة أن أخطر العيوب التي تسجل على هذا المشروع تتمثل في رسملة التقاضي ،ويطرح ذلك بشكل جلي من خلال فرض حسن النية من جهة وفرض الغرامات التي تم التنصيص على دفعها للخزينة العامة، في حال الحكم برفض الدعوى، وعدم قبلول الاختصاص ، أو عدم قبول التعرض وغريها من الأعذار التي تضمنها النص الجديد.
داعية الحكومة وأغلبيتها إلى استحضار مصلحة المواطنات والمواطنين واعتبارها مصلحة فضلى وعدم تغليب مصلحة الأغلبية الحكومية أو البرنامج الحكومي الذي يستهدف نصر المستثمر على حساب حقوق ومصالح الطبقات الكادحة أو الطبقات الشغيلة التي هي طبقات غالبا ما تكون تحت طائلة الغبن ، وغالبا ما لا تكون وسائل الإثبات بيدها منذ أول وهلة وتكون في حاجة إلى حماية القضاء وقناعته لضمان حقوقها وذلك توفيرا لشروط المحاكمة العادلة والأمن القضائي.
يتم الحديث عن التقاضي بسوء نية ، حيث تقضي المحكمة تلقائيا بناء على طلب النيابة العامة وأحد الأطراف على كل من تبث لها أنه يتقاضى بسوء نية بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين 10 آلاف و20 ألف درهم، وبصرف النظر عن مبلغ التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر، قائلة” هناك مشكل خطير، خاصة و أن ضبط المعايير التي من شأنها أن تؤدي إلى معرفة حسن النية في التقاضي لدى أطراف الدعوى، أمر جد صعب”.
واوردت الصغيري، أن من الملاحظات التي سجلتها على المشروع ، تلك التي تتعلق التقاضي بسوء نية ،حيث نص المشروع أن المحكمة تقضي تلقائيا بناء على طلب النيابة العامة وأحد الأطراف على كل من تبث لها أنه يتقاضى بسوء نية بغرامة لفائدة الخزينة العامة تتراوح ما بين 10 آلاف و20 ألف درهم، وبصرف النظر عن مبلغ التعويض الذي يمكن أن يطالب به المتضرر، قائلة” هناك مشكل خطير، خاصة و أن ضبط المعايير التي من شأنها أن تؤدي إلى معرفة حسن النية في التقاضي لدى أطراف الدعوى، أمر جد صعب”.
وسجلت النائبة على المشروع الجديد، إقدامه، على التضخيم في دور النيابة العامة أمام المحاكم، موضحة أن “النيابة العامة التي كانت فقط طرفا في القضايا الأصلية،أصبحت في هذا النص طرفا في الدعوى سواء كان طرف أصلي أو طرف منظم،وأعطي لها بذلك لها دور كبير جدا ، فمثلا في مقتضى جديد جاء في مشروع المسطرة المدنية تم التنصيص عليه في المادة 17، تم بموجبه منح النيابة العامة الحق في التقدم بالطعن ولو خارج الآجال .
وأردفت مضيفة” أن المشرع جاء بمظلة الأحكام التي تخالف النظام العام، لمبرر لمنح للنيابة العامة هذا الحق، وهذا حق قد يراد به بعد ذلك باطل، قائلة” كلنا مع النظام العام و المحافظة عليه بجميع الوسائل لكن أن نطلق يد النيابة العامة في تكييف معنى ومصطلح النظام العام دون أن يتم ضبطه في نص هذا المشروع مما يجعل النيابة العامة تقوم ببعض الممارسات تحت مظلة وغطاء حماية النظام العام، هذا معطى خطير وخطير جد”، وفق تعبير النائبة.
وعابت النائبة على مشروع النص الجديد مساسه بدور المحامي من خلال التنقيص من حضوره، واستندت على المادة 96 التي تتحدث أن القضايا الشفوية كلها والتي تظهر هذا الوضع، ملفتة أن هذه أن القضايا التي وفقا للمادة السالف ذكرها، تكون ابتدائية ونهائية كقضايا الزواج والنفقة والرجوع لبيت الزوجية وقضايا استيفاء مراجعة الوجيبة الكرائية،أي القضايا الاجتماعية، أصبحت تعتبر قضايا شفوية، وبالتالي ضمنا توحي بإلغاء دور المحامي لأن المساطر الكتابية هي التي تكون فيها إلزامية المحامي .
وزادت موضحة” أن هذا النوع من القضايا التي تم اعتبارها قضايا شفوية والتي أصبح لايمكن الاستعانة فيها بمحامي تشكل مساسا كبيرا بحقوق المواطنين، مردفة بالقول” أن هذه القضايا بطبيعة الحال ولو أنها قضايا نفقة أو استيفاء الوجيبة الكرائية وهي قضايا اجتماعية فإن المتقاضي بمفرده لايمكن أن يدافع فيها على حقوقه شفويا، وضرب هذا الحق يظهر أيضا على مستوى مقتضيات المادة 44 التي تعطي الحق في التقاضي وتجعله مطلق دون الاستعانة بالأشخاص الذين لهم دراية بالقانون وخبراء في المجال”.
وتعتبر لبنى الصغيري،” أن المادة 32 من قانون المحاماة تمنح لمهمة الدفاع ومؤازرة التمثيل للمحامين، وأنه وفقا لمنطوق هذا المقتضى كان من الأولى على المشرع أن يعمل على حماية الأمن القانوني وحقوق الأطراف في الدفاع على أنفسهم بواسطة حماية دور المحامي وليس التقليل منه”.
ولفتت النائبة، إلى أن أكبر تجلي في ضرب استقلال المحامي هو إعطاء القاضي الذي تزعجه مرافعة ومداخلة المحامي الحق في معاقبته بشكل مباشر ، وذلك في تغييب لدور النقيب وهو الوحيد المخول له حق صلاحية البث في مضمون ما يسجل في محضر جلسة بخصوص مرافعة المحامي وتصريحاته وأقواله، مردفة أن القاضي أصبح، وفق النص الجديد، له صلاحية أن يكيف مداخلة المحامي وفق سجيته، والحال أن من له هذا الحق في تكييف هذه الأقوال والمحضر مخول حصرا لنقيب المحامين .

< فنن العفاني

Top