في عز فرحة المدريديستا، ومعهم كل عشاق البيت الأبيض، بتألق باهر توج بلقب الدوري الإسباني، والوصول بتفوق و”ريمونتادا” تدرس، إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، خرج خبر أفسد هذه الفرحة القياسية في كل المراحل…
توني كروس النجم الألماني، يعلن فجأة اعتزال اللعبة بصفة نهائية، في واحدة من المفاجآت المدوية التي أذهلت عشاق الأداء الجميل، والإبهار في التعبير الأخاذ داخل المستطيل الأخضر …
إنها بالفعل صدمة كبرى، تابعناها بعيون دامعة، والجميع يتابع بملعب “سانتياغو بيرنابيو”، لحظة وداع جد قاسية، وصعبة على التصديق، فرقم (8) الذي أعاد إلى الأذهان نجوما سبق أن تألقوا بكثير من السحر، كالدنماركي الراقي ميكيل لاودروب الذي عشقه أصحاب الدوق الرفيع، وتوني لم يحاك أداء الزميل الذي سبقه إلى نقش اسمه بخانة عظماء قلعة النجوم الكبار، بل أضاف خاصية القيام بالواجبات الدفاعية، وكيفية مصادرة الكرة، بكثير من النعومة والإتقان…
في إحدى الخرجات الإعلامية للراحل وأيقونة الكرة الهولندية يوهان كرويف، قال: “كرة القدم بسيطة، ولكن من الصعب لعبها بطريقة بسيطة”.
وكأن الأسطورة الهولندية توقع بسنوات، طريقة الأداء التي سيقدمها هذا الألماني، الذي تفوق في تقديم لعب كرة القدم بسيطة، لكونها مهمة ليست بالأمر السهل، ما دامت تدخل في خانة السهل الممتنع، والذي لا يمكن لأي كان القيام به، إلا إذا كان يتوفر على صفات استثنائية، ومميزات فردية لا تجارى…
ليس من السهل أن يفرط ريال مدريد في محور خط وسط، اجتمعت فيه ما تفرقت في غيره، لاعب هادئ، رزين، ذكي، قليل الانفعال، لديه قدرة غير عادية على التنبؤ، حاسم في التمرير، دقيق في التسديد نحو المرمى، إنها بالفعل مواصفات استثنائية؛ من الصعب أن تجدها بالملاعب الكروية…
خريج المدرسة الألمانية، تتلمذ بمعاهدها على الانضباط والصرامة وقيمة الاحترام، وزادته تقنياته الفردية، روعة وجمالا ومنحه قوامه ورشاقته وبراءة المحيا، جمالا لا يمكن أن تخطئه العين، يتمنى كل عاشق للعبة لو يستمر لعقود، وليس لسنة أو سنتين، كما يتمنى ذلك أهل الريال…
سيلعب كروس مباراته الأخيرة بقميص ريال مدريد بنهائي دوري أبطال ضد بروسيا دورتموند، يوم السبت القادم، والأكيد أنه يطمح إلى أن يغادر على إيقاع التتويج بالكأس الـ15، فهو أهل لأن يكون يوم تكريمه بستاد “ويمبلي”، حاملا عرش البطولة القارية المرموقة، ليكون خير وداع للاعب سيبقى اسمه، منقوشا في القلب والذاكرة…
لماذا كل هذه قساوة يا توني؟ لماذا استعجلت هذا الوداع الذي نراه مبكرا؟ حتى ولو تجاوزت الثلاثين، فالعمر مجرد رقم، والعطاء لا يقاس بالسن، بل بالأداء المبهر الذي من الصعب أن يجود الزمان بمثله، وأنت تغادر في عز العطاء…
>محمد الروحلي