لنحارب جميعا الفساد الانتخابي

كشفت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة عن مشروع ميثاق وطني لأخلاقيات الممارسة السياسية، أحالته على الأحزاب قصد التوقيع، وبالتالي الالتزام بتحصين العمل السياسي والتمثيلي من كل الانحرافات، والتوافق حول حكامة سياسية وحزبية جيدة.
المبادرة لا يمكن إلا الترحيب بها، والانخراط في تشجيعها، والتنويه بالهيئة على هذا العمل الهام، وعلى مجهود خبرائها وباحثيها، وهي خطوة تضع كل الأطراف الحزبية اليوم أمام واجب الامتناع عن ترشيح كل من صدرت في حقه أحكام جراء ارتكابه تجاوزات أو جرائم تتعلق بالتدبير العمومي، أو ألغي نجاحه في الانتخابات بسبب سلوكات تدليسية، وامتناعها كذلك عن تشجيع الترحال، وبالتالي المساهمة الحقيقية والفعلية في تخليق وتأهيل الممارسة الانتخابية بما في ذلك جعلها تقوم على البرامج والأفكار، وترشيح كفاءات سياسية مؤهلة معرفيا وأخلاقيا، والقيام بحملات نزيهة، ومحاربة الرشوة… ولكن مع ذلك، فإن الأمر غير كاف، ولن يتحقق الهدف بمجرد توقيع الأحزاب على الميثاق.
إن محاربة الفساد في حقلنا الانتخابي بالخصوص، تتم من خلال منظومة متكاملة، بما في ذلك من خلال القوانين الانتخابية وأنماط الاقتراع وأشكال التقطيع الانتخابي وتقنيات التصويت، ومن هنا فإن اعتماد دوائر انتخابية كبيرة كان من شأنه المساهمة في تقليص ظاهرة شراء الأصوات، كما أن اللائحة الوطنية الموسعة يمكن لها أن تساهم في جعل الرشاوى الانتخابية بلا معنى أو أثر، ومن ثم تساهم، هي كذلك، في الحد من الفساد…
من جهة أخرى، إن إسناد رئاسة اللجان الإدارية للقضاء، وجعله يشرف على مختلف مراحل العمليات الانتخابية، من شأن ذلك التأسيس لضمانات حقيقية من أجل النزاهة، لكن شريطة أن يتحمل القضاة مسؤوليتهم كاملة من خلال الإصرار على التطبيق الصارم للقانون، وأيضا على توحيد الفهم والتنزيل بين كل القضاة في مختلف جهات البلاد..
وبالنسبة للسلطات الإدارية المعنية بتنظيم الانتخابات، فهي مسؤولة على ضرورة تحلي عناصرها بالحياد الإيجابي تجاه كل المتنافسين، والسهر على تطبيق القانون..
ويبقى أن مسؤولية المواطنين لا تقل أهمية عن مسؤولية باقي الأطراف المذكورة، فهم الذين عليهم أن يبادروا إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية، وأن يذهبوا إلى مكاتب التصويت يوم الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وأن يمتنعوا عن أخذ رشوة مقابل ذلك، وألا يترددوا في فضح الراشين والتشنيع بكل عمليات الإفساد الانتخابي والتبليغ عن ذلك.
إن تخليق المسلسل الانتخابي والحياة السياسية مسؤوليتنا كلنا إذن، والبداية هي في التشبث بحقنا في التسجيل في اللوائح الانتخابية، وأن يكون لنا صوت نعبر عنه يوم الاقتراع داخل المعزل من دون رشوة، بل بالاحتكام فقط إلى ضمائرنا وقناعاتنا.
[email protected]

Top