لنناقش البرامج والأفكار

كشفت بعض الأحزاب عن برامجها الانتخابية عشية استحقاقات 25 نونبر، وقدمت تصوراتها للقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تجسدها مطالب المغاربة، وتطرحها تحديات المرحلة.
لن نتردد منذ البداية في اعتبار الأمر إيجابيا، ويسمح على الأقل بالانتقال بنقاشنا السياسي إلى مستوى آخر يعتمد الأفكار والمواقف والتصورات، لكن مع ذلك، فإن بضعة أحزاب، لا يزيد عددها عن عدد أصابع اليد الواحدة، هي التي أعلنت عن برامجها لحد الآن، وبقي المغاربة يتساءلون عن مبرر وجود 34 حزبا، وماذا تريد أن تفعله بالبلاد والعباد.
من جهة ثانية، إن البرامج الانتخابية ليست مجرد ترتيب للأرقام وللوعود، ولا هي فقط مجرد صياغات لغوية وبلاغية تقدم العناوين التواصلية المحكمة والمانشيطات المثيرة، ولكنها في البدء وفي النهاية يجب أن تنطلق من مشاريع مجتمعية، ومن مرجعيات فكرية وقيمية هي التي تحدد التمايز بين الأطراف الحزبية المتنافسة، وتطرح أمام الشعب اختيارات واضحة.
ولهذا، فقد كان من الطبيعي أن يرتكز برنامج حزب مثل حزب التقدم والاشتراكية على الثابت الاجتماعي، باعتباره أساسيا في هويته الفكرية والسياسية التاريخية، كما أنه من الطبيعي الانشغال بقضايا المساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان والحداثة والعدالة الاجتماعية، لأنها قضايا بقيت دائما ملتصقة بنضالاته، وبمواقفه عبر التاريخ، كقوة ديمقراطية ويسارية عريقة في تربة نضالات شعبنا.
أما الأحزاب التي لا تفهم من البرنامج سوى ما ترسله لها مراكز الدراسات ووكالات التواصل بمقابل مالي كبير، وتتولى هي تنظيم «الشو» في الفنادق والساحات لعرضه، فهي لا تقدم للمغاربة سوى منتجات دعائية قد تكون جاذبة في فترة الحملات الانتخابية، لكن الصلاحية تنتهي يوم الاقتراع.
إن انتخابات في حجم ورهانات اقتراع 25 نونبر تستحق برامج حقيقية، وأحزاب حقيقية، وبالتالي عرضا سياسيا أرقى يقدم للمغاربة، ويؤسس لممارسة انتخابية وسياسية مختلفة عن السابق.
ونشير في السياق نفسه إلى أن متابعة ما يقدم من برامج ومواقف هذه الأيام، يقتضي من إعلامنا العمومي، والتلفزيوني خاصة، أن يطور مواكبته الإعلامية إلى التركيز على هذه البرامج بالذات، وجعلها موضوع حوار تفاعلي، يخضع الأرقام للجدل وللتحليل بين الأحزاب المتنافسة، وكل ذلك من أجل تقديم مشاريع سياسية ومجتمعية متباينة للناخبين.
من المهم اليوم أيضا أن يساهم التلفزيون في الارتقاء بالنقاش السياسي العمومي إلى مستوى الحوار عن الأفكار ومقترحات الحلول، وإشراك الفاعلين السياسيين الحقيقيين والخبراء الاقتصاديين والنقابيين والمحللين في ذلك، بما يساعد على توضيح معالم مشهدنا الحزبي والسياسي.
لا تفصلنا عن موعد الاقتراع سوى أسابيع، ومن المهم الانتقال بحوارنا السياسي الانتخابي إلى السرعة الموالية، أي إلى تقديم الأفكار والبرامج، وأيضا المساهمة في تعبئة المواطنات والمواطنين لمحاربة الفساد وشراء الذمم…
[email protected]

Top