ما بعد الانتخابات الجزئية

الانتخابات الجزئية التي جرت الخميس الماضي في خمس دوائر، وبالرغم من طابعها الجزئي هذا، فهي لم تخل من دروس لابد من تأملها اليوم وتحليلها واستيعابها من طرف مختلف الفرقاء السياسيين.

لقد منحت نتائج التصويت المقاعد الخمسة لأحزاب الأغلبية، وهو ما اعتبره بلاغ رئاسة التحالف، بشكل منطقي، تجديدا لثقة المواطنات والمواطنين في الأحزاب الأربعة.
قد تفرض بعض المعطيات التفصيلية والميدانية نفسها هنا، وتجعل هذا الاستخلاص نسبيا، ولكن من المؤكد أن اختيارات الناخبين عبرت عن ثقة شعبنا في المسار العام للإصلاح، أي في النموذج المغربي المتميز والمختلف.
من جهة أخرى، لقد نجحت هذه الانتخابات الجزئية في دحض الآراء التي كانت تعتقد بأن اتجاهات الناخبين تغيرت خلال سنة من عمر التحالف الحكومي الحالي، وبالتالي فإن أية انتخابات تقام اليوم ستفرز تغييرات جذرية في الخريطة الحزبية والانتخابية، فمرة أخرى يقف المبدأ الشهير القاضي بأهمية «التحليل الملموس للواقع الملموس» منتصبا في وجه الجميع، ويحث بعض المتوهمين على ضرورة التحلي بقليل من التواضع.
ورغم ما شهدته بعض الدوائر من تجاوز أو انزياح أو ضرب تحت الحزام، فإن الاستحقاق الجزئي أكد، مع ذلك، الحاجة القصوى لمزيد من الجهد الفكري والسياسي بغاية صنع تحالفات كبرى لإنجاز المهام الديمقراطية والتنموية المرتبطة بالمرحلة التاريخية التي تحياها بلادنا، كما أن عدم فوز المعارضة بأي مقعد، وعجزها حتى عن تحقيق نتيجة لافتة، أو محاصرة خطاب الأغلبية بخطاب معارض أكثر اتساقا يكون جاذبا لاهتمام الناخبين، يطرح كثير أسئلة عن أحزاب المعارضة نفسها، وفي نفس الوقت، يحتم اجتهادا أكثر جرأة وشجاعة وسط الطبقة السياسية برمتها بخصوص المستقبل.
وصلة بذلك، فقد منيت عقلية التحكم في المشهد السياسي والحزبي أيضا بفشل كبير، حيث بدا خطابها قاصرا عن الإقناع في الميدان لافتقار صناعه ومروجيه إلى المصداقية، كما بدا واضحا أن فرض بديل سياسي على الأرض يتطلب أساسا امتلاك الشرعية والعمق المجتمعيين، وهذا ما يجعل من المستحيل صنع البديل فقط من وحي الخرائط المتخيلة.
الآن، وقد انتهت الانتخابات الجزئية بما صار معروفا لدى الجميع، فإن التحدي الجوهري المطروح أساسا على أحزاب الأغلبية يبقى هو الإصرار على مواصلة الدينامية الإصلاحية في البلاد، وتلبية الانتظارات الاجتماعية والاقتصادية لشعبنا، وذلك من أجل استمرارية ثقة الناس في الإصلاح، وبالتالي ضرورة التعبئة الجماعية من أجل تفادي العودة إلى الوراء في مجالات الديمقراطية والإصلاح.
وفي السياق نفسه، على أحزاب الأغلبية الخروج بسرعة من أجواء الانتخابات، والتخلص من مخلفاتها الميدانية والنفسية، والانكباب على برامج الإصلاح، والحرص على تمتين التماسك الحكومي، وتجسيد ذلك في الخطاب وفي السلوك السياسي والإعلامي.

[email protected]

Top