محمد السكتاوي: الانتصار على التحديات لا يمكن أن يتحقق إلا من منظور تلبية جميع الحقوق

< منظمة أمنستي-المغرب-، تتابع عن كثب مسار حقوق الإنسان في المغرب، فعلى ضوء حلول ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما هو تقييمكم لمسار هذه الحقوق حاليا بالمملكة؟
> مع صدور دستور 2011، أصبح الأمل يحدو المدافعين عن حقوق الإنسان داخل المغرب وخارجه بأن تبرهن السلطات ومؤسساتها على توفر العزيمة والإرادة السياسية اللازمة لتحقيق تقدم ملموس على طريق التصدي للتحديات المتجذرة التي تعترض حقوق الإنسان.
ولم تنشأ هذه الأمال من العدم، فقد سنحت للحكومة المنتهية ولايتها فرص حقيقة للتقدم بإيقاع أكبر في مجال تغيير أوضاع حقوق الإنسان وإعمال الحقوق المكفولة في الدستور والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
لا احد يجادل في أنه قد تم استحداث عدد من معايير وتقاليد حقوق الإنسان، واعتمدت الحكومة الكثير من القوانين والتدابير ذات البعد الإيجابي في مجال حقوق الإنسان، كما تحققت إصلاحات وتدابير هامة في عدد من المجالات، وننتظر إلى ما ستنتهي إليه النقاشات حول إصلاح نظام العدالة في البلاد خاصة من جانبها المتعلق بتعديل ” قانون المسطرة الجنائية” و”مجموعة القانون الجنائي”، ونأمل أن يفضي ذلك إلى حماية أفضل لحقوق الإنسان، وسنرى ما إذا كانت هذه الإصلاحات ستعزز استقلال السلطة القضائية، ومواءمة القوانين الوطنية مع نصوص الدستور، ومع المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي التحق المغرب بها كدولة طرف.
ومع ذلك، ففي خلال سنة 2016 ظلت انتهاكات حقوق الإنسان، وأشكال الإساءة المرتكبة في سياق مواجهة حركية المجتمع المدني والصحافة، تشكل تحديا رئيسيا.
وفي هذا السياق فإن منظمة العفو الدولية ما انفكت توثق تقارير تردها عن انتهاكات حقوق الإنسان ناجمة عن وجود ثغرات في التشريع والممارسة العملية في المغرب، بما في ذلك حالات من الاعتقال التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية في الحجز، ومحاكمات لا تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.  
 وعدم كفاية الحماية المتوافرة للنساء ضد جميع أشكال العنف ولا سيما العنف الجنسي وكذلك بشأن قيود لا تزال مفروضة على الحق في حرية التعبير، والحق في الخصوصية وتتجاوز تلك المسموح به بموجب القانون الدولي.
وثمة قيود لا مسوغ لها أيضا لا تزال مفروضة على الحق في الحرية الدينية، ومن  جهة أخرى، وعلى الرغم من استمرار المغرب في فرض حظر تنفيذ أحكام الإعدام مند فترة طويلة الا أنه ما برح يطبق عقوبة الإعدام وهي عقوبة ترى فيها منظمة العفو الدولية انتهاكا للحق في الحياة الذي يضمنه دستور 2011.
ومن الأمور المقلقة هو تعامل الحكومة مع المنظمات الحقوقية بطريقة التضييق بدل الحوار و الشراكة.
 وقد تعرضت هذه الهيآت وخاصة منها التي انتقدت سجل الحكومة في مضمار حقوق الإنسان للمضايقات من جانب السلطات، التي منعتها في كثير من الأحيان من تنظيم فعالياتها الجماهيرية المشروعة واجتماعاتها الداخلية، وغالبا ما كان يتم ذلك بصورة غير رسمية عبر تحذيرات شفوية، أو باستخدام قوات الأمن لسد السبل أمام من يريدون الوصول إلى أماكن الفعاليات. كما أننا في منظمة العفو الدولية لم نسلم من هذه التضييقات، بالإضافة إلى أن السلطات وضعت قيودا على الأنشطة البحثية من جانب المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، سواء تعلق الأمر بالنسبة لمنظمتنا أو منظمة “هيومن رايتس وتش” والمعهد الدولي للعمل اللاعنفي.
وبالموازاة مع هذا استمرت السلطات في منع التسجيل القانوني لعدد من منظمات حقوق الإنسان أو إعطاء إيصالات بتسليم طلبات التسجيل ضدا على القانون، وقد عانت الجمعية المغربية بشكل خاص من هذا الإجراء التعسفي.    

< كان الكثير من سوء الفهم قد تسرب للعلاقة بين أمنستي والحكومة في ولايتها السابقة، قام على إثرها الأمين العام لمنظمة أمنستي الدولية بزيارة للمغرب، حيث التقى برئيس الحكومة وعدد من المسؤولين المغاربة، فهل النتائج والانفراج الذي أسفر عنه هذا اللقاء ، لازال يطبع  بل ويحكم علاقات أمنستي حاليا بالسلطات المغربية؟
> يمكن أن نقول إن العلاقة بين الحكومة ومنظمة العفو الدولية، بعد الزيارات المتبادلة التي تمت بين الطرفين في لندن والرباط، وزيارة الأمين العام للمنظمة سليل شطي للمغرب ولقائه برئيس الحكومة، قد عادت إلى سابق عهدها.
 وكما هو معلوم، فإن منظمة العفو الدولية تعمل في المغرب من خلال مكتبها المحلي منذ 1994، ولم نعرف طوال مدة تواجدها أي اهتزاز في الثقة بين المنظمة والسلطات، واشتغلنا بدون تضييق سواء في مجال الأبحاث حول الانتهاكات أو القيام بالأنشطة الترافعية والتربوية، حتى فوجئنا في صيف 2014 بمنع المخيم الدولي لشباب أمنستي الذي شكل دائما فرصة للحوار بين  الشباب والمسؤولين الحكوميين، وذلك على مدى 16 سنة حول القضايا الحقوقية و التحديات ودور الشباب في مواجهتها،  وعلى أي حال فان علاقتنا الحالية مع السلطات تقوم على الحوار، وأعتقد أننا تجاوزنا مرحلة التوتر وانعدام الثقة.                                                                                                                                       

< كان تضمين تقريركم اتهاما بمواصلة ممارسة التعذيب بالمغرب من بين القضايا التي أثارت سابقا انتقادات وزارة العدل والحريات اتجاهكم، فكيف تنظرون لمعالجة هذا الملف حاليا ، وهل لازالت لديكم مؤاخذات بشأنه حيال مقاربته من قبل السلطات العمومية؟
 > ما نلاحظه في هذا الباب هو وجود نوع من الاستهتار شبه روتيني بالضمانات ضد التعذيب وغيره من ضروب المعاملة الموجودة حاليا في القانون المغربي، ولتوضيح ذلك أشير إلى أنه على الرغم من المتطلبات القانونية بان يجرى إخطار عائلات من يقبض عليهم فور القيام بذلك والسماح لهم بالاتصال بالمحامين، فانه نادرا ما يتم تفعيل هذه المسطرة.   
وما برحت تقارير التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة في الحجز على أيدي قوات الأمن تتوالى، ونادرا ما يجري التحقيق فيها، بينما تواصل المحاكم اعتماد إفادات يتم الحصول عليها بالإكراه في الإجراءات القانونية، رغم الحظر القانوني المفروض على استخدام الاعترافات القسرية لهذا الغرض.
 وتساور منظمة العفو الدولية بواعث قلق كذلك جراء تلقيها تقارير تتحدث عن اعتقال عدة أفراد وإدانتهم بتهم التبليغ الكاذب والقذف وإهانة الشرطة، الأمر الذي يردع ضحايا التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة، أو سواها من الانتهاكات على أيدي الشرطة، عن فضح أنفسهم أمام المحاكم.

< امتنع المغرب مؤخرا عن التصويت الإيجابي على مشروع القرار الأممي الخاص بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، فما هو تعليقكم؟
> في الحقيقة لا نفهم عدم التصويت الإيجابي على مشروع القرار الأممي الخاص بتنفيذ عقوبة الإعدام الذي يقضي بتعليق تنفيذ هذه العقوبة في أفق استئصالها تماما من القانون والممارسة. لا نفهم ذلك لأن المغرب من الناحية الواقعية لا ينفذ عقوبة الإعدام برغم نطق المحاكم بها منذ سنة 1993.
هذا الموقف غير المفهوم فضلا عن انه يتعارض مع الاتجاه العام لأمم العالم حيث أن أكثر من ثلثي الدول ألغت عقوبة الإعدام، فإنه يتعارض مع أحكام الدستور الذي ينص بوضوح في المادة 20 على احترام الحق في الحياة.

< يقوم حاليا المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين، بزيارة للمغرب، ما هو تعليقكم على تفاعل المغرب مع الآليات الخاصة لحقوق الإنسان، وما هو تقييمكم للمعالجة التي أقرها المغرب بشأن ملف الهجرة واللجوء؟
 > أعتقد أن انفتاح المغرب على الآليات الأممية لحقوق الإنسان أمر إيجابي فلا يمكن أن تسلك الحكومة سياسة النعامة بوضع رأسها في الرمال وإغلاق باب المغرب أمام الهيآت الدولية الحكومية وغير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
ولكن سيظل هذا الانفتاح لا قيمة له إذا لم يتبعه تأكيد الالتزام باحترام النظام الدولي لحقوق الإنسان من خلال العمل بالتوصيات التي تصدر عن هذه الهيآت والآليات، والتنفيذ الفعال لمعايير حقوق الإنسان المكرسة في جميع اتفاقيات القانون الدولي لحقوق الإنسان، والامتناع عن القيام بأفعال تقوض أنظمة حقوق الإنسان داخليا وخارجيا، يما في ذلك شن الهجمات ضدها ّأو الاختباء وراء الخصوصية، ومواءمة الآليات الوطنية لحقوق الإنسان مع المعايير العالمية للنظام الدولي، ونعتقد أن هذا الورش الأخير بالغ الأهمية ومستعجل، حتى نتجاوز مرحلة الثنائية وما يترتب عنها من تداعيات لا تخدم خيارات المغرب المعلنة عنها في ميدان حقوق الإنسان.
 أما بخصوص قضية المهاجرين و اللاجئين وطالبين اللجوء فرغم المجهودات المبذولة على هدا الصعيد لاسيما فيما يتعلق بتسوية الوضعية لآلاف الحالات ، فإن المهاجرين وطالبي اللجوء من جنوب الصحراء الإفريقية لا زالوا يواجهون الاعتقال، وهناك تقارير حول إقدام سلطات الحدود المغربية والإسبانية على استخدام ضدهم القوة غير الضرورية والمفرطة لمنعهم من الدخول إلى اسبانيا، كما سمحت السلطات المغربية بناء على إجراءات تعسفية بإعادة بعض المهاجرين الذين دخلوا الأراضي الاسبانية بصورة غير شرعية.
ونأمل بان تكون بواعث قلقنا هذه لها موقع في جدول أعمال الحوار بين المقرر الخاص المعني بحقوق المهاجرين و الحكومة المغربية.    

< من وجهة نظركم، ما هي التحديات المطروحة  لازالت مطروحة بحدة على الساحة الحقوقية، والتي يجب على الحكومة القادمة الإسراع في معالجتها ؟

> هناك تحديات كبيرة ما زالت ماثلة أمام المغرب في طريقه نحو حكامة حقوقية جيدة، وقبل أن أوضح هذه التحديات، اسمحي لي بأن أشير إلى المحصلات الإيجابية التي تحققت لم تكن حصيلة الحكومة وحدها، بل كان هناك دائما وبالموازاة وفي ظل ظروف صعبة عمل الهيآت الحقوقية الوطنية والدولية، من هنا فإن أول تحدي يجب التغلب عليه هو أن تقوم الحكومة القادمة بفسح المجال أمام عمل المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين كي يقوموا بعملهم الذي لا غنى عنه، وان تصون حريتهم اللازمة لذلك.
 ولذا فإن منظمة العفو الدولية توصي السلطات بأن تضمن تنفيذ القرار الذي تبنته الجمعية العامة الأمم المتحدة في نونبر 2015 لحماية حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان بضمان المساءلة والشفافية، فقد أصبح لا يليق بأية حكومة بعد الآن أن تعتدي على مدافع عن حقوق الإنسان أو تخرجه من تحت مظلة حمايتها.
على الحكومة القادمة أن تعالج مجموعة من التحديات التي نراها ذات الأولوية وفي مقدمتها، الأمن، العدل، سيادة القانون والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فبالنسبة للأمن، فإن التحدي الذي يواجه المغرب لا يتمثل في تعزيز الأمن على حساب حقوق الإنسان بقدر يتمثل في ضمان احترام تمتع جميع الناس بالمجموعة الكاملة للحقوق الإنسان وتنويرهم …
أما فيما يتعلق بالعدل فمن الأهمية بمكان ضمان سلطة قضائية مستقلة وقوية. وفيما يخص سيادة القانون، فإنه من دون ضمانات سيادة القانون، لما في ذلك آليات تكفل المساءلة والحد من الإفلات من العقاب، يمكن للإجراءات المتخذة لتدبير حقل العدالة أن يخلق المناخ المناسب لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان مثل الاعتقال السري، التعذيب وحوادث الاختفاء والمحاكمات الجائرة.        
وبالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية، فنعتبر أن عدم معالجة هذه المعضلة المستديمة تمثل الشرارة التي يمكن أن تحرق كل الحقل، ويكفي هنا للإشارة إلى عطالة الشباب التي لا تزداد إلا انتشارا، بالإضافة إلى أن الكثيرين من المواطنين لازالوا عاجزين عن الحصول على الحد الأدنى لمستويات المعيشية والماء والتعليم والرعاية الصحية ولا يمكن أن يعزى وجود الحرمان إلى نقص الموارد وحده بل انه عدم التصدي للفساد الذي يعتبر أهم عنصر في تخريب الموارد وحماية وتلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتفافية.
وترى منظمة العفو الدولية أن الانتصار على هذه التحديات لا يمكن أن يتحقق إلا من منظور أن الأمن الحقيقي للبشر يعني تلبية جميع الحقوق مدنية كانت أو ثقافية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو بيئية، إذ يرتبط بعضها بالبعض الآخر ولا يمكن تجزيئها ومن تم لا يجوز لأية سياسة آنية أن تتجاهل بعدا واحدا من أبعادها.

*مدير عام منظمة العفو الدولية فرع المغرب

 أجرت الحوار: فنن العفاني

Related posts

Top