قالت عائشة لبلق، رئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، إن مسار تحقيق المساواة الفعلية بين النساء والرجال والقضاء على كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء، وما يشمل ذلك من تمكين سياسي واقتصادي لازال شاقا وطويلا، بالرغم من المكاسب التي حققتها المغربيات، والتي يأتي على رأسها التنصيص الصريح على المساواة والمناصفة في الوثيقة الدستورية.
وأكدت عائشة لبلق، في كلمة افتتاح أشغال الندوة التي نظمها منتدى المناصفة والمساواة، حول موضوع “الحقوق الإنسانية بين الرؤية الدستورية والسياسات العمومية”، مساء الخميس الماضي بالمقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط، أن ما تحقق على مسار الحقوق الإنسانية للنساء تم بفضل نضال نساء خضن معركة شرسة من أجل تغيير العقليات والثقافة السائدة، وأن الطريق لازال شاقا، حيث لازالت النساء تنتظرن تحقيق توسيع في المشاركة السياسية، وإعمال المساواة والمناصفة في مختلف أبعادها المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن تفعيل المساواة على مستوى مراكز المسؤوليات الإدارية والسياسية.
وجددت عائشة لبلق، في افتتاح هذا اللقاء المنظم في إطار تخليد اليوم العالمي للمرأة، وكذا في أفق النقاش العمومي تحضيرا للمؤتمر الوطني العاشر للحزب المقرر عقده في شهر ماي القادم، (جددت) التأكيد على أن حزب التقدم والاشتراكية حمل، منذ تأسيسه، القضية النسائية وجعلها جزءا أساسيا ضمن نضاله من أجل البناء الديمقراطي، بل اعتبرها قضية مفصلية ومحورية في قلب النضال من أجل بناء المجتمع الحداثي، معتبرة أنه كان أول حزب في المغرب احتفى بمناسبة 8 مارس، اليوم العالمي للمرأة، بما يحمله من دلالات نضالية وسياسية، وجعل هذا اليوم محطة أساسية لتقييم حصيلة المنجزات والمكتسبات والوقوف على التحديات والرهانات المستقبلية المرتبطة بالمسار.
وأشارت لبلق، في هذا الصدد، إلى الخطة الوطنية للمرأة التي أطلقها وزير من حزب التقدم والاشتراكية على عهد حكومة التناوب، والتي شكلت نقطة تحول كبير، بالنظر لما أحدثته من رجة مكنت من تحويل قضية الحقوق الإنسانية للنساء من طابو، إلى قضية مجتمع بكامله، والدليل هو ما تحقق خلال العقدين الأخيرين من مكاسب، مشددة على أن الرهان لازال معلقا على التنزيل السليم لمضامين الدستور، بإعداد سياسات عمومية في جميع القطاعات تنتصر حقا لمبدأي المساواة والمناصفة.
ومن جهتها، أوضحت رشيدة الطاهري، عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أن تنظيم هذه الندوة يندرج في إطار تخليد اليوم العالمي للمرأة، وأيضا في إطار التحضير للمؤتمر الوطني العاشر للحزب الذي سيكون محطة أساسية لتقييم مساهمة الحزب في النهوض بحقوق النساء، ولتحديد القيمة المضافة لما أنجزه وما حققه على مستوى مسار المساواة على مختلف الواجهات.
ونبهت الطاهري إلى الشوائب التي باتت تعلق بتخليد اليوم العالمي للمرأة، والذي أمسى مناسبة احتفالية تبتعد بشكل كبير عن المغزى والرمزية النضالية التي تحفل بها المناسبة، التي تذكرنا بسقوط عاملات رميا بالرصاص، لكونهن طالبن بحقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وأبرزت الطاهري التي تناولت، خلال هذه الندوة، الجانب المتعلق بمدى توفر رؤية سياسية لتنزيل المساواة وترجمتها عبر السياسات العمومية، أن الوثيقة الدستورية تبقى جد متقدمة مقارنة بما يحبل به الواقع، حيث قعد الدستور للمساواة، ونص على حضر التمييز على أساس الجنس، وأعطى موقع الريادة للحقوق الإنسانية للنساء، وأظهر على أنه ليس هناك تجزئ في هذه الحقوق، مشيرة، فيما يتعلق بتقييم ما تحقق على درب المساواة، إلى أنه “لن نكون عدميين، بل نثمن التراكمات والتأكيد على القيمة المضافة لما تحققت في إطار تفعيل روح ومنطوق الدستور حول المساواة، ونؤكد مع ذلك أنه لازال هناك خصاص كبير على هذا الدرب”.
ولفتت الطاهري التي تعد خبيرة في قضايا النوع الاجتماعي، أن الدستور وفر رؤية دستورية للمساواة، لكن في المقابل تغيب هذه الرؤية عن السياسات العمومية، وتقل الإجراءات التي من شأنها تقليص الهوة على طريق تمتيع النساء بحقوقهن كاملة.
وأشارت الطاهري إلى وجود مقاومات تعترض النهوض بالمساواة ومكافحة التمييز ضد النساء، وتحاول إفراغ المكاسب التي تحققت من مضامينها، حيث تم، خلال تقييم حصيلة 120 يوم من عمل الحكومة، وضع المساواة وقضايا النساء ضمن باب التماسك الاجتماعي، هذا فضلا عما تعرضت له الأجندة الحكومية للمساواة التي باتت تسمى “إكرام”.
وأوضحت في هذا الصدد، أن “هناك من سيعتبر هذه المسألة شكلية ولا تمس في شيء ترتيب إدراج قضايا المساواة والمرأة، لكنها في الأساس تخفي الرؤية التي تحيط حقيقة بقضايا النساء”.
ودعت إلى ضرورة العمل من أجل تقليص الهوة الفاصلة بين مضامين الاتفاقيات الدولية لحقوق النساء وبين التشريعات الوطنية من جهة، وبينها وبين المعيش اليومي للنساء والفتيات من جهة أخرى، مقترحة أن يشمل النقاش حول النموذج التنموي، الذي هو اختيار سياسي وليس مسألة محاسباتية، قضايا النساء، إذ ينبغي الأخذ بعين الاعتبار الكلفة الباهظة التي ترهن المستقبل في حال لم يتم وضع سياسة عمومية تعتمد بشكل واضح مبدأ المساواة على مستوى جميع القطاعات، والتي تشمل التعليم، الصحة، السكن.
أما الحقوقية، سعيدة الإدريسي، فأكدت بدورها على المشاق التي لازالت تنتظر النساء للوصول إلى حقوقهن الإنسانية كاملة، مبرزة أنه بالرغم من المكاسب المحققة على مسار المساواة فإن المعطيات الرقمية تظهر بشكل جلي التمييز المسجل في حق النساء.
حيث لازالت المرأة تواجه عراقيل جمة لامتلاك العقار، وهو ما يترجمه وضع النساء السلاليات.
فهذا التمييز، تقول سعيدة الإدريسي، يشمل تعيين النساء في المناصب العليا والذي لا يتجاوز 7 في المائة، ويهم مناصب مراكز القرار في الوظيفة العمومية التي لا تتعدى نسبة النساء فيها 15 في المائة، كما أن 8 من بين 10 نساء أو فتيات الحاصلات على شهادات عليا هن في وضعية بطالة، فضلا عن ارتفاع نسبة تزويج القاصرات، وانتشار الأمية التي تصل في صفوف النساء إلى أكثر من 41 في المائة، في حين نجد أن حجم مساهمة المرأة في العمل المنزلي تصل إلى 95 في المائة.
وذكرت الإدريسي بترتيب المغرب على لائحة الدول التي تحرص على المساواة بين الجنسين، حيث احتل المغرب المرتبة 133 من أصل 142 دولة فيما يخص التفاوت بين الجنسين سنة 2014.
وأشارت الإدريسي إلى أن المقاربة التي اعتمدت في تنزيل مضامين الدستور، عبر عدد من مشاريع القوانين، كانت مقاربة محافظة أكثر منها مقاربة حقوقية، حيث اعتمدت مفهوم “الأسرية والخصوصية الثقافية والدينية “حينما تطرح قضايا النساء، معتبرة أن هذا التوجه يعني غياب إرادة سياسية للنهوض بأوضاع النساء.
وأكدت المتحدثة على أن مكونات الحركة النسائية، بما فيها الشبكات والجمعيات والائتلافات والأحزاب السياسية، تؤكد على وقف الردة التي تطال المكتسبات الدستورية التي تحققت للنساء بفضل نضال الحركة النسائية والحقوقية، والالتزام بما سبق وتعهد به المغرب فيما يتعلق بضمان الحقوق الإنسانية للنساء.
من جهته، اعتبر المحامي محمد بلمو، أن إصلاح مدونة الأسرة يعد المدخل الأساسي لأي إصلاح يروم مأسسة المساواة الفعلية، داعيا في هذا الصدد إلى تغيير القوانين التي تكرس دونية المرأة من ضمنها مدونة الأسرة الذي تؤطر الحياة، وإصلاح البرامج التعليمية التي تكرس التمييز بين الجنسين، فضلا عن تمكين النساء فعلا من الملكية العقارية بإنصاف النساء السلاليات.
وربط المتحدث هذا المنحى باعتماد سياسة عمومية واضحة المعالم، تعتمد المساواة بشكل عرضاني، وتمكن النساء من التمتع بحقوقهن الإنسانية، معتبرا أن الحركة النسائية والحقوقية تعاني تناقضات سببها ما أسماه بـ “بالنفاق القانوني السائد”، حيث توجد، على سبيل المثال، مراسيم تخص تمتيع النساء السلاليات بحقهن على قدم المساواة من عائدات الأراضي السلالية، لكن، تصدر في المقابل، أحكام تحرم النساء من هذه الحقوق.
أما يامنة غبار، منسقة لجنة المرأة بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فقد أوردت عددا من المعطيات الرقمية التي تظهر الحيف الذي يطال النساء، والعنف المسلط عليهن والتمييز الممارس في حقهن على عدة مستويات، منبهة في هذا الصدد إلى النواقص التي لازالت تشوب القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.
هذا، وذكرت الحقوقية بالمسار النضالي الطويل الذي قطعته النساء، سواء على المستوى العالمي، أو الوطني للحصول على حقوقهن، مشددة، بالنسبة للنساء المغربيات، على أنهن تمكَّنَّ من تحقيق العديد من المكاسب، وعليهن، من مختلف مواقعهن، أن يواصلن النضال من أجل التفعيل الحقيقي للمساواة والمناصفة كما تضمنتهما الوثيقة الدستورية.
> فنن العفاني
تصوير: رضوان موسى