ندوة “أوال – حريات” بالدار البيضاء توصي بضمان “الحق في المدينة” لجميع فئات المواطنين

أجمع المشاركون في ندوة “الفضاء العام من أجل العيش معا”، يوم السبت الماضي بالدار البيضاء، على أن تواجد النساء في الفضاءات العمومية حق قانوني ومطلب واقعي، تواجهه “حدود غير مرئية” هي التمثلات والصور النمطية في الفكر الجمعي المغربي، والتي منحت للرجل وحده كامل الحرية والسلطة على الفضاء العام، بينما حصرت وجود وحركة المرأة في الفضاء الخاص.
وأوضحت مجموعة من الفعاليات الأكاديمية والجمعوية المشاركة في هذه الندوة التي نظمتها جمعية “أوال- حريات” أن الاعتراف للنساء بالوجود ومشروعية التواجد في الفضاء العمومي (المؤسسات العمومية، الشارع، الحديقة، المقهى، الشاطيء..إلخ) ليس في حاجة إلى تدابير قانونية بما أن القانون لا يفرض أي قيود في هذا الاتجاه، بقدر ما يحتاج إلى تغيير في العقليات وإلى تكريسه كحق اجتماعي داخل الثقافة والسلوك للرجال والنساء على حد سواء.
واعتبر المشاركون أن النساء أنفسهن يمارسن نوعا من الرقابة والإقصاء الذاتيين من عدد من الفضاءات العمومية التي تعتبر مشتركة بقوة القانون والواقع، وبالتالي فإنهن يكرسن استئثار الرجل بالهيمنة على فضاء “يعتبره له وحده” ويعمل على طرد المرأة منه ومحاربة تواجدها فيه بجميع الطرق، بحيث يعد التحرش والعنف اللفظي والاعتداء الجسدي مظاهر لنوع من “الدفاع” عن “مجال خاص”، يمارسه الرجل من أجل ثني المرأة عن العودة للاقتراب من ذلك المجال مرة أخرى.
وذهب المشاركون إلى أنه تقع على المرأة أيضا مسؤولية الدفاع عن مشروعية تواجدها في الفضاء العام، والذي اقتحمته فعلا بحكم خروجها إلى العمل واندماجها في جميع المجالات الاجتماعية، مما فرض نسبة من الاحترام لحقها في التواجد في عدد من الفضاءات التي كانت في وقت سابق حكرا على الرجل. لكن، فيما يشبه نوعا من “السكيزوفرينيا” المجتمعية، يبقى هذا الاحترام محكوما بنسبة “نفعية” التواجد في تلك الفضاءات، بحيث أن المرأة ملزمة بأن “تشغل نفسها” بعمل شيء “مفيد لأسرتها” عندما تتواجد في الفضاء العام، لكن مازال لا يحق لها التواجد فيه لمجرد الترفيه أو الراحة أو الاستمتاع بوقتها، خلافا للرجل الذي، بحكم سيطرته الكاملة على الفضاء العام، لا يسائله ولا ينازعه أحد في سبب تواجده هناك.
من جهة أخرى، اعتبر المشاركون أنه في الوقت الذي لا تمارس فيه القوانين تمييزا ظاهرا بين النساء والرجال في الاعتراف بحقهما في استعمال الفضاءات العمومية، فإن هيمنة وسلطة الفكر الذكوري على سياسات إعداد وتهيئة الفضاء العمومي جعلت من هذا الأخير فضاء غير متلائم مع متطلبات وحاجيات النساء. وأكد المشاركون، ومن بينهم خبراء في الهندسة والتعمير، على أهمية إعادة النظر في سياسة التعمير وإعداد التراب الوطني بما يكرس إدماجا فعليا لمقاربة النوع في سياسة المدينة وبرامج الإسكان والتعمير. وهو الأمر الذي أكدت بدرية بنجلون، مديرة التعمير بوزارة إعداد التراب الوطني، أنه يشكل بالفعل محورا للتفكير في الوزارة، حيث تم العمل مؤخرا على وضع برنامج للمشاورات بإشراك جمعيات المجتمع المدني من أجل استجابة المدن للغاية من وجودها كقاطرة للتنمية وفضاء للعيش المشترك وكذا ضمان الحق في مدينة “آمنة ومنصفة ودامجة” لجميع فئات المواطنين.
وشدد عدد من المشاركين أيضا على ضرورة إيلاء الأهمية اللازمة للتربية على الاختلاف والتعايش واحترام المرأة في “الفضاء الخاص” تمهيدا لتغيير طريقة التعامل معها في الفضاء العام، وذلك عن طريق تعزيز قيم المساواة ومكافحة التمييز بين الفتيان والفتيات، بدءا من الأسرة ومرورا بالمدرسة والجامعة، مؤكدين على دور المجتمع المدني الذي عرضت خلال اللقاء بعض مبادراته الرامية إلى تغيير واقع الإقصاء والتهميش الذي تعانيه عدة فئات في المجتمع بما فيها فئة النساء.
يذكر أن اللقاء الذي سيرته المناضلة النسائية رشيدة الطاهري، التي تشغل أيضا موقع كاتبة عامة لجمعية “أوال – حريات”، استهل بكلمة للفاعلة السياسية والنسائية والوزيرة السابقة في قطاع التنمية الاجتماعية، ورئيسة جمعية “أوال- حريات”، نزهة الصقلي، والتي قدمت من خلالها نبذة عن الجمعية.
“أوال”، التي تأسست في سنة 2018، تقدم نفسها كجمعية مغربية من أجل الحرية والمساواة، تحمل رسالة مزدوجة قوامها التعبير عن الهوية المتعددة للمغاربة وكذا تحرير النقاش المجتمعي حول العديد من القضايا الراهنة، ومن ثم كان اختيار تسمية “أوال” التي تعني “الكلام” باللغة الأمازيغية. كل ذلك، تقول الصقلي، في سياق العمل، إلى جانب باقي المكونات والمبادرات المجتمعية، في اتجاه إقامة مجتمع يعيش بالفعل قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، والحكامة الجيدة والتنمية المستدامة.. مجتمع يشجع الإبداع والتفكير والتواصل، ويدعم الحريات وثقافة التعدد والاختلاف.
وأكدت الصقلي على أن المغرب قد خطا بالفعل، خلال العقدين الأخيرين، خطوات مهمة باتجاه تكريس هذه القيم، لكنه مازال في حاجة إلى المزيد من التعبئة من أجل نموذج تنموي جديد يضع الإنسان، مواطنا ومواطنة، في صلب التفكير وفي صلب السياسات العمومية، وكذا مواجهة جميع العوائق المتمثلة في “إيديولوجيا النكوص ومختلف الطابوهات التي تخفي وراءها واقع الظلم والتضييق على عدد من الفئات خدمة لمصالح فئات أخرى”، كما تقول الصقلي.

> سميرة الشناوي

Related posts

Top