نعم، دفاعا عن شرفات أفيلال

حملة استهداف الوزيرة شرفات أفيلال والتهجم عليها فضحت كثير أشياء على مستوى نفسيات بعضنا وبنائنا السلوكي، وبالتالي حاجة حقلنا السياسي والإعلامي وساحة النقاش العمومي لدينا إلى كثير علاج. في البرنامج التلفزيوني تكلمت شرفات أفيلال عن كثير أشياء في غاية الأهمية، خصوصا بالنسبة للقطاع الاستراتيجي الذي تتولاه بكفاءة تدبيرية ومعرفية عالية، لكن لا أحد أراد الالتفات لذلك، وتركز كامل القول حول جملة من كلمتين، كثيرا ما يستعملهما المغاربة في حديثهم اليومي على كل حال، ولم يبال أحد بأن سلطة التلفزيون لا تترك عادة في مثل هذه السياقات الوقت للمتكلم كي يفسر قوله والمراد منه، كما لم يبال أحد بأن المعنية بالكلام بادرت فورا إلى سحب الكلمتين والاعتذار عن أي تأويل قد يكون أعطي لهما.
رغم هذا تواصل الاستهداف، واستمر كثير متكلمين في توجيه الإهانات والشتائم، ولم يتجرأ أحد على تجريب الحوار عبر الأفكار والمناقشات الجدية والعميقة لموضوع هذه الحملة الغريبة.
لسنا هنا فقط أمام ضحالة النقاش، في الفايسبوك وخارجه، وإنما نحن أمام من يتربص بنا كلنا لجر حوارنا السياسي والمجتمعي إلى قعر أعمق والى درك البذاءة.
شرفات أفيلال ليست فقط الوزيرة الجدية والممتلكة للكفاءة، وإنما هي امرأة شابة عبرت مسار السياسة في مختلف مستوياته ولم تقطر بها سماوات الريع وإسقاط المظلات، وهي أيضا كفاءة علمية حققت النجاح بفضل اجتهادها وعملها ومن دون أي ملاعق من ذهب أو فضة، وهي ثالثا مسؤولة سياسية وحكومية امتلكت كثير مقومات النزاهة والمصداقية ونظافة اليد والقول والسلوك، ولهذا من واجب كل المناضلات والمناضلين اليوم الدفاع عنها، ويجب أن يصرخ الجميع بأن الهجوم فاق أي تأويل سلبي قد يكون أعطي لكلمتين، وبعد أن أعلنت سحبهما لم يعد أصلا هناك معنى لمواصلة الحملة، ما عدا إذا كانت الغاية شيئا آخر أبعد.
قد نقبل أن تحضر تبسيطية الكلام وسطحية المقاربة لمواضيع شائكة ومعقدة على صفحات الفايسبوك وواجهات مواقع التواصل الاجتماعي من طرف روادها، ونعتبر ذلك من حتميات تطور التكنولوجيات الحديثة وتغير الرؤى والقيم، وواقعا لا بد من التأقلم معه والتفكير الجدي في سبل تطوير مستوياته، ولكن ما يدعو إلى الأسى حقا هو أن يبني بعض سياسيينا مواقفهم وتصريحاتهم وخرجاتهم التهافتية على محتوى ما يروج في العالم الأزرق، ويكثفون هم أيضا هجومهم على المناضلة التقدمية شرفات أفيلال، فقط لأنها وزيرة ناجحة أو أنها تنتمي إلى حزب يصر على استقلالية مواقفه وقراراته.
لقد ضيع بعض سياسيينا الرهانات الحقيقية المطروحة اليوم على بلادنا وشعبنا، وباتوا يقبضون على أي شيء من أجل … خرجة إعلامية، وهذا مؤسف وباعث على الشفقة، كما أنه مما يبعث على كثير استغراب أن يختص منشط البرنامج نفسه في تجميع كل التدوينات التي تهاجم ضيفة حلقته الأخيرة ويتولى هو تعميمها والدعاية لها، وهذه سابقة سلوكية ومهنية حقا في العمل التلفزيوني والصحفي.
أجدى اليوم لبعض الطارئين على ساحة السياسة أن يتبنوا نقاشا رصينا لموضوع مثل تقاعد البرلمانيين أو الوزراء أو لسياسة الأجور في بلادنا أو للثروة بصفة عامة وللعدالة الاجتماعية، وأن يجلسوا قليلا للتفكير والاجتهاد ثم يقدموا طروحات حقيقية، والأهم أن يتوجهوا إلى المساطر والمؤسسات المخول لها مناقشة ذلك والحسم فيه وفق القوانين والمساطر ذات الصلة، وذلك بدل تعلم التسلق من خلال حائط شرفات أفيلال، فهنا سيكون الرهان والعنوان معا خاطئين.
أما من كان همه هو فقط استهداف شرفات أفيلال، فليجرب على الأقل القيام بذلك بأساليب أخرى أكثر نزاهة، وليناقش عملها وسيرتها السياسية والعامة، وهنا من المؤكد أنه سيخجل من …تفاهته.
[email protected]

Top