واحة سكورة.. ندرة المياه وإشكالات الري التقليدي

>  سليمان رشيد/ ورزازات

لا يكاد فلاحو واحة سكورة الفقراء ينعمون بمحصولهم الزراعي، حتى تتجدد مشكلاتهم مع ندرة المياه المخصصة لسقي آراضيهم، وهي مشكلة أضحت جزءا لايتجزأ من الدورة السنوية للإنتاج الفلاحي بعموم واحات الجنوب الشرقي للمملكة، بفعل العديد من الأسباب أهمها على الإطلاق التأثر المباشر بالتغيرات المناخية التي تعرفها الأرض وصعوبة التأقلم معها لدى ساكنة الواحات، بالإضافة لتغير أنماط الري بشكل عام، فالمغرب الذي بدا فيه واضحا التأثر بظاهرة  تغير المناخ يعرف اليوم ضغطا متزايدا على الثروة المائية، رغم كونه من أقل البلدان المسببة للاحتباس الحراري، ولولا سياسة تشييد السدود التي انتهجها المغرب مبكرا (منذ الستينيات) لكان الوضع أسوأ بكثير اليوم .

Sans titre-2> النظم التقليدية للري وتقنيات استغلالها

أشهر نظم الري بواحة سكورة تعرف باسم الخطارات، وهي نظام لحمل المياه الجوفية عبر نفق تحت أرضي أفقي أو متعرج يحفر على مسافات طويلة بهدف الحصول على انحدار تدريجي يتقلص لينتهي بظهورها على سطح الأرض بعد قطعه لمسافة بضع كيلومترات بعيدا عن المنبع أو المدور، ويتبع في العادة المخروط الرسوبي للنهر أو ترسبات الوادي بشكل مواز، وعلى مسافات فاصلة متساوية تحفر آبار عمودية متقاطعة مع هذا النفق تمكن من عمليات الولوج قصد الصيانة، وحين يصبح الماء جاريا فوق الأرض يسري عليه ما يسري على السواقي والعيون، لذلك يخضع توزيع مياهه لنظام تقليدي ينبني على المحاصصة يسيره مسؤول محلي يسمى “العميل”  يعتمد القياس المعتمد على الساعات ودورة الأيام، ويطلق على حصص استغلاله عدة أسماء مرتبطة بعدد الساعات المكونة لكل حصة ’ف”النوبة” هي أربع و عشرين ساعة كاملة، و”الفردية” هي اثنا عشرة ساعة تارة بالليل وتارة بالنهار، و”النص” هو نصفها أي ست ساعات مختلفة مواقعها بين الليل والنهار و بين الأولى في الترتيب أو التالية ’و “الربع ” هو ربعها أي ثلاث ساعات تتغير مواقعها ثماني مراتب متتالية، وهكذا دواليك. و من أشهر الخطارات بواحة سكورة نذكر مثالا لـ”عين المالكية ” و”عين الوسطانية” و”عين تماست ” و”عين أكلف ” و”الصالحية ” و”عين المخزن”، ويتفاوت استغلال حصص الماء من فلاح إلى آخر بحسب قدرته المالية.
ومن نظم السقي المعروفة أيضا نذكر نظام “أكوك” وهو نظام يعتمد على حصر الفائض من مياه الأودية على جنبات الأودية ونقله للحقول بتقنية تشبه تقنية الخطارات إلى حد ما، باستثناء أنها تعتمد النقل الأفقي فقط دون تدريج، و هو نظام مؤقت يمكن الاعتماد عليه زمن الوفرة و فيض الأودية لا غير.
ويظهر جليا أن سبب استمرار صمود الساكنة داخل الواحات، مرده استمرار وجود الماء والزراعة و لولاهما لهجرت الواحات، واستمرار تدفق الماء كان دائما مرهونا باستمرار وجود نظام فعال لتنظيم توزيعه بين ساكنة و فلاحي المنطقة.

> اندثار الخطارات وفوضى المضخات

كنتيجة حتمية للتأثر السلبي المباشر بظاهرة الاحتباس الحراري، ومنذ ما لا يقل عن عقد من الزمن تراجعت العيون والسواقي بواحة سكورة لمستويات دنيا لم تبلغها من قبل واندثرت الخطارات بالكامل، ولم يعد بارزا منها سوى النذر القليل وتحولت منابعها المسماة “بالمدور” إلى مكبات عشوائية للنفايات. من جهتها ساهمت الفوضى الكبيرة التي يعرفها انتشار المضخات الكهربائية والغازية في تعميق جراح الفلاحين الفقراء وتكريس معاناتهم مع ندرة المياه، رغم مشروعية اللجوء لهكذا حل، من أجل تفادي الهجرة القروية نحو المدن، إلا أن الفوضى الشاملة لا يمكن أن تكون بديلا أبدا، وضرورة التدخل تفرض نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى . هذه الوضعية الجديدة خلخلت كثيرا النظام العام لسقي الأراضي الزراعية بالواحة، بحيث لم يعد ممكنا الاعتماد على السواقي فقط لري الأراضي، بل أصبح لزاما على الفلاحين التوفر على أبار ومضخات خاصة لتحقيق الاكتفاء، و من لم تتوفر لديه الإمكانات لذلك يلجأ لكراء حصص من الماء بأثمنة غالبا لا تكون في متناوله، وهو ما يعني أعباء إضافية تثقل كاهل الفلاح الواحي، هذا الوضع أفرز فئة من الفلاحين غير قادرة على مسايرة تطور الاستثمار الفلاحي ما تلبث أن تبيع ممتلكاتها الفلاحية وتهاجر نحو المدينة، وفئة أخرى لا تشتغل ذاتيا بل توظف مزارعين أجراء لديها بمقابل مادي لا يسد الرمق ولا يمنعها من هجران الواحة، والنتيجة المحتومة هي فقدان الواحة ليدها العاملة الفلاحية المتخصصة لصالح المدينة وتراجع المساحات المزروعة للحدود الدنيا في أفق انكفائها.

> محدودية النظم العصرية للري

رغم إقبال بعض المستثمرين الفلاحيين الميسورين على اعتماد أنظمة الري البديلة ببعض مناطق سكورة، كالري بالتنقيط أو الرش (ايماسين – أولاد اعميرة – سيدي فلاح – ادلسان …)، إلا أن انتشارها ظل محدودا مقارنة بحجم الواحة، والواقع أن التوزيع الحالي للملكيات الفردية وتشتتها وصغر حجمها لا يساعد أبدا على نشر هذه التقنيات في أوساط فلاحي واحة سكورة، لذلك يبدو أن حل هذه المعضلات يرتبط ارتباطا أساسيا بحل مشكل الأراضي السلالية باعتبارها احتياطيا عقاريا حانت ساعة استغلاله لتفادي موت الواحة، كما حانت الساعة لوضع حد للري بالغمر والذي أبانت التجربة بالملموس إنهاكه المستمر للموارد المائية دون طائل.
من جهة أخرى، تبدو ضرورة التفكير في استعمال تقنيات وآليات جديدة للري بالواحة، منها ما أسماه بعض الباحثين بالسقي التحت أرضي، والذي يوجه خصيصا للواحات التي تعرف ارتفاعا متواترا لدرجات الحرارة، كما يجب التفكير في مخطط متكامل للإعادة استعمال المياه العادمة في سقي بعض الأنواع من الزراعات والأشجار .

> مشروع السدود الجوفية.. أية إضافة؟

بواحة سكورة، انطلق مشروع السدود الجوفية قبل عام ونصف من الآن، ومن المتوقع أن يتم إنشاء اثنان منها على وادي الحجاج المعروف بحملاته الموسمية المدمرة للأراضي المجاورة، والثالث على وادي بوجهيلة أحد فروع وادي الحجاج من جهة الغرب، والمشروع فرصة لحجز جزء من سيول هذه الأودية التي تجري أثناء فترات الفيض وهطول الأمطار لتغذية الفرش المائية الباطنية لمحيط قد يبلغ عدة كيلومترات في الاتجاهين، وهو ما سينعكس إيجابا لا محالة على مستوى المياه بالآبار والسواقي لمدد طويلة، وعلميا تعرف السدود الباطنية بفعاليتها بمناطق الجفاف وندرة المياه، أكثر من المناطق الرطبة، لكونها تكون بالكامل تحت مستوى سطح الأرض، وبالتالي، لا مجال لتجمع الطين بالتراكم، وعبرها يتم احتجاز المياه بالأسفل، وهي طريقة مجدية وممتازة ويمكن إنشاء العديد منها على الوادي الواحد’ وبهذه الطريقة يمكن حفظ كميات هائلة من المياه في باطن الأرض دون أن تتعرض للتبخر وفي نفس الوقت تكون قريبة من سطح الأرض ’و يعول الفلاحون بواحة سكورة كثيرا على هذا الحل لبعث الحياة بالخطارات والسواقي المطمورة.

> ضخ مياه السقي باستعمال الطاقة الشمسية لم لا؟
من الغريب جدا أن يتواجد مركب نور للطاقة الشمسية بورزازات على بعد ثلاثين دقيقة فقط من واحة سكورة، ويتعب فلاحو هذه الواحة في البحث عن الحلول لجلب مياه السقي بأقل كلفة، وسيكون أكثر غرابة عدم قيام  الدولة بتشجيع الساكنة على استعمال هاته الآلية الفعالة والحديثة لهذا الغرض.
والحال أن استخدام الطاقة الشـمسـية لضخ المياه الجوفية من أجدى استخداماتها نظرا لما يحققه من توفير اقتصادي على المديين المتوسط و البعيد، ومعروف أيضا أن هناك نوعين رئيسـيين من مضخات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية وهذان النوعان هما المضخات التي تعمل بأسلوب الطرد المركزي، والمضخات التي تعمل بأسلوب النقل الفعال، وكلا النوعين يقسـم بدوره إلى مضخات غاطسـة و مضخات سـطحية، وعادة ما تسـتخدم المضخات الغاطسـة لضخ المياه من الآبار العميقة، بينما تسـتعمل المضخات السطحية للآبـار الضحلة، وقد أثبتت الدراسات الاقتصادية وكذلك التجربة العلمية بان فترة استرداد رأس المال الخاصة بالمضخات الشمسية مقارنة بالمضخات الكهربائية أو مضخات الكازوال تتراوح بين سنتين إلى ثلاث سنوات على الأكثر .عمليا شرع العديد من فلاحي واحة سكورة في اقتناء مضخات المياه العاملة بالطاقة الشمسية فعلا، لكن استمرار ارتفاع كلفة الاقتناء (ما بين 30 ألف درهم و 50 ألف درهم  للهكتار الواحد) ناهيك عن غياب دعم الدولة أو الاقتناء بالتقسيط، كلها أشياء تحد من انتشارها خصوصا إذا وضعنا في اعتبارنا بأن اغلب الفلاحين استنفذوا مخزوناتهم المالية في أداء فواتير الكهرباء الذي يجلبون به مياه السقي طيلة السنوات التي خلت، خصوصا، وهم محرومون قسرا من حقهم في الفاتورة الخضراء الذي يكفله القانون.

Related posts

Top