حذرت وكالات إغاثة دولية من أن أقوى دورات ظاهرة “النينو” المناخية المسجلة حتى الآن قد تزيد من حدة الجفاف في العالم وبأفريقيا على الخصوص، ومن المجاعات والأمراض لملايين الأشخاص في عام 2016.
وظاهرة النينو التي كانت وراء اعتبار عام 2015 الأدفأ في التاريخ يتوقع أن تتسبب في حدوث جفاف في العديد من الدول في حين قد تزيد الفيضانات في مناطق أخرى.
وستكون أفريقيا من أكثر المناطق المتأثرة وفق تقديرات لمنظمات مختصة إذ يتوقع أن يصل نقص الطعام إلى أقصى مستوياته في فبراير الجاري. كما ستصيب هذه الموجة مناطق الكاريبي وأمريكا الوسطى والجنوبية خلال الأشهر الستة المقبلة.
والنينو ظاهرة مناخية طبيعية تحدث كل ثلاث سنوات في المحيط الهادئ وقد تستمر الظاهرة لمدة خمس سنوات وتتسبب في تبدلات مناخية في كل الكرة الأرضية تتمثل في الجفاف والفيضانات وتدمير المحاصيل الزراعية.
وبسبب الظاهرة –تقول تقارير دولية — فان بعض البلدان الاستوائية تشهد تراجعا كبيرا في كمية الأمطار يبلغ حوالي 20-30 في المائة. وعانت أندونيسيا من جفاف شديد وقلت الرياح الموسمية في الهند بحوالي 15 في المائة كما تشير التنبؤات إلى تراجع الرياح الموسمية في البرازيل وأستراليا بحوالي 15 في المائة.
ضرر كبير
وحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة فإن ما يصل إلى 49 مليون نسمة بدول جنوب افريقيا قد يتضررون من موجة جفاف تعتبر الأشد والأطول في 35 عاما بسبب ظاهرة النينو.
وقال البرنامج في تقرير له مؤخرا إن الأحوال المرتبطة بظاهرة النينو أدت إلى أدنى مستوى مسجل للأمطار في الفترة بين أكتوبر وديسمبر منذ عام 1981 متابعا أن التوقعات للفترة بين يناير ومارس أشارت إلى احتمالات كبيرة لمستوى أقل للأمطار في الجنوب الإفريقي وهو ما قد يترتب عليه واحدة من أسوأ موجات الجفاف على الإطلاق.
وأوضح التقرير “التقديرات تشير إلى أن 40 مليونا من سكان الريف وتسعة ملايين في مناطق حضرية فقيرة ممن يعيشون في مناطق تأثرت بالجفاف قد يتضررون”.
وأثر الجفاف على مساحة كبيرة في المنطقة بما في ذلك حزام الذرة في جنوب إفريقيا الاقتصاد الأكثر تقدما في القارة وأكبر منتج للحبوب الغذائية الأساسية. كما تعاني مالاوي أول عجز في محصول الذرة في عشر سنوات مما رفع أسعاره بنسبة 73 في المئة عن متوسط السعر في ديسمبر 2015.
وفي موزمبيق، تراجع إنتاج الغذاء وفق برنامج الأغذية العالمي بمقدار النصف مقارنة بالعام الماضي، وأضحت أسعار الذرة أعلى بنسبة 53 في المائة.
وقالت زيمبابوي الأسبوع الماضي إنها تحتاج إلى ما يقرب من 1.6 مليار دولار لمساعدتها على دفع فاتورة مشترياتها من الحبوب وأغذية أخرى بعد الجفاف.
وتجلب ظاهرة النينو المناخية في العادة أحوالا مناخية أكثر جفافا إلى منطقة الجنوب الإفريقي وأحوالا أكثر أمطارا إلى شرق إفريقيا. ومن المتوقع أن تستمر الأحوال المناخية الجافة والحارة حتى بداية فصل الخريف بالنصف الجنوبي من العالم في أبريل ومايو.
ويعيش ثلث المتضررين من الجفاف في أثيوبيا إذ يتوقع أن يصل عدد من يحتاجون مساعدات إنسانية إلى 10.2 ملايين شخص خلال العام 2016.
وأعلنت هيئة التنمية الدولية البريطانية أنها ستقدم دعما طارئا ل 2.6 مليون شخص و120 ألفا من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. كما أعلنت الهيئة أنها ستقدم مساعدات من الطعام والمال لثمانية ملايين شخص بدءا من يناير 2016.
أطفال يواجهون خطر الموت جوعا
الجفاف المتواصل بالصومال بالقرن الافريقي جراء العديد من العوامل ومنها ظاهرة النينو المناخية، وضع حياة أكثر من 50 ألف طفل في الصومال على المحك وجعل الموت يتهددهم. وفي هذا الاطار أصدر مكتب الإغاثة الإنسانية التابع للأمم المتحدة مؤخرا تحذيرا شديدا قال فيه إن الوضع فيما يتعلق بسوء التغذية هناك “ينذر بالخطر” مضيفا أن نحو مليون صومالي “بالكاد يوفرون احتياجاتهم الغذائية”.
ويعود السبب جزئيا في الجفاف الذي يضرب الصومال للظاهرة النينو ولهذا فإن المنظمات المختلفة المعنية تطلق صرخات استغاثة لإنقاذ أطفال الصومال من خطر الموت جوعا.
“طفل المناخ الشقي”
وتحدث ظاهرة النينو نتيجة عدة عوامل منها وجود تيارات ساخنة في المحيط الهادئ تؤدي إلى التغير الكبير في درجات حرارة المياه بالإضافة الى أن الثلوج الكثيفة المتساقطة شتاء على القارة الآسيوية تؤدي إلى إحداث اختلال حراري في فترة ذوبان الثلوج في فصل الصيف وبالتالي اختلال في حركة التيارات المائية القريبة من المحيط الهادي، بالإضافة إلى تأثير بعض الكواكب القريبة أو العواصف الشمسية والتغير في دوران الأرض.
ونتيجة الأحوال الجوية التي ترافق ظاهرة النينو فإن الظروف لا تكون مهيأة لزراعة القمح كما أن إنتاج السكر قد ينخفض وهذا يعني تأثير النينو كظاهرة مناخية على الإنتاج الزراعي مما سيؤدي بالضرورة إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع الأسعار العالمية للغذاء .
وتعود ظاهرة النينو الى عام 1876 حيث تم رصد حادثة شبيهة بها وسجلت تأثيراتها علما أن المتخصصين يرجعون أول حادثة مسجلة في التاريخ عموما إلى منتصف القرن الخامس عشر تقريبا حيث تشير مصادر تاريخية الى وقوع أحداث مشابهة لما يرافق النينو من ظواهر في تلك الفترة.
أما في القرن العشرين فقد شهد أول حادثة تتعلق بالنينو في العام 1982 والتي اعتبرت الأشد عنفا عندما ضربت سواحل أمريكا الجنوبية اذ سجلت حينها درجات حرارة مرتفعة في مياه المحيط الهادئ والتي وصلت إلى 150 درجة مئوية وبين الأعوام 1992-2002 كانت لهذه الظاهرة نتائج كارثية على المزارعين والصيادين في كثير من دول العالم ما يزيد من النتائج الكارثية لأزمة الغذاء في كثير من البلدان في العالم .
وقد أطلق صيادو الأسماك في البيرو اسم “النينو” وفي شرق القارة الآسيوية تعرف باسم “طفل المناخ الشقي” لما تتركه من آثار مناخية واقتصادية سلبية.
الى ذلك تبقى النينو إحدى الظواهر التي تحير العلماء إذ يرى معظمهم أن العلم الحديث لم يستطع حتى الآن إيجاد السبب الحقيقي والواضح لنشوء هذه الظاهرة الطبيعية كما لم يفلح في وضع مخطط يظهر التناوب الذي تتكرر فيه النينو، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بها قبل حدوثها لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تأثيراتها السلبية.