يسار المستقبل

يلتقي اليوم أطر ومناضلو ثلاثة أحزاب يسارية ضمن ندوة حوارية مفتوحة على الجمهور، حول موضوع مركزي اختير له كشعار: اليسار ومغرب المستقبل، وهي تظاهرة فكرية وسياسية تندرج في سياق تنسيق المواقف والعمل المشترك بين أحزاب اليسار من خلال تبني المشاريع الفكرية والسياسية للبناء الديمقراطي الحداثي ومضامين الإصلاح الشامل الذي يتوق إليه الشعب المغربي. يكاد يكون واضحا منذ مدة في ساحة النقاش السياسي والإعلامي، وعلى مستوى المواقف  المبدئية، شبه إجماع في الأوساط الديمقراطية حول أهمية وضرورة بلورة قطب يساري ديمقراطي تقدمي حداثي، لكن عديد تجارب ومبادرات شهدتها البلاد جعلت هذا المسعى يبقى حبيس المبادئ والمتمنيات، وأحيانا يدور في منغلقات البدايات وتكرار البدايات عند كل مبادرة جديدة.
وفي ندوة اليوم، إن اختيار مناقشة الأفكار والاجتهادات بشأن اليسار، هوية وتاريخا ومستقبلا، وأيضا جعل النقاش ينتظم في دائرة الحراك الاجتماعي الحالي، والاستحقاقات الانتخابية المقبلة والدستور الجديد، كل هذا من شأنه أن ينتقل بالمبادرة الثلاثية إلى ما هو أبعد من الآمال، وأيضا من التيه في الإجراءات والمساطر والآليات التي تكون غالبا مكبلة بقيود التاريخ والذات..
الانكباب في ندوة الرباط اليوم على مناقشة الأفكار يعني وضع المبادرة والسياق معا في دائرة القيم، حيث أن اليسار هو قيم أولا.
في السياق نفسه، إن الدفاع اليوم عن الأفق الحداثي للدستور الجديد، وعن التنزيل الديمقراطي لمقتضياته، يتطلب تعبئة «شعب اليسار» للفعل في الميدان دفاعا عن الحريات، وعن المساواة، وعن تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد ومواجهة المفسدين والتصدي لسماسرة الانتخابات ولشراء الأصوات، والانخراط في النضالات الاجتماعية للساكنة…، وكل هذه المهام تقتضي اليوم يسارا واقعيا وعقلانيا وديمقراطيا وحداثيا، يضع نضالاته وتحركاته السياسية والميدانية في دائرة القوى الوطنية والديمقراطية، إلى جانب الكتلة الديمقراطية، وفي انفتاح على مكونات الحقل النقابي والاجتماعي والشبابي والحقوقي والنسائي الحامل لقيم الحداثة والتقدم والعدالة الاجتماعية والمساواة.
ولقد بعثت الأحزاب اليسارية الثلاثة الداعية إلى ندوة اليوم بعض إشارات الوضوح من البداية، حيث جعلت مبادرتها التنسيقية متطلعة إلى المستقبل، وغير مقيدة بما هو إجرائي، كما أنها اعتبرت الخطوة تعزيزية لعمل الكتلة الديمقراطية، وكل الصف الوطني والحداثي الجاد والمناضل ضد الفساد، ومن ثم أضفت عليها من البداية الواقعية والوضوح اللازمين.
واليوم، عندما يخرج المتربصون بأفقنا الديمقراطي من جحورهم، ويستعدون للانقضاض على المكاسب والأحلام، يكون اليسار، بقيمه وبوضوح أفكاره وبصلابة مناضلاته ومناضليه، هو المؤهل لقيادة معركة المواجهة والتصدي في الميدان للفساد والمفسدين.
إن انتخابات 25 نونبر تمثل اليوم تحديا أمام بلادنا، وفرصة للتأسيس فعلا لمغرب المستقبل، ولهذا فمسؤولية اليسار الديمقراطي العقلاني، وكل القوى الوطنية الجادة أن تتعبأ وتوحد جهودها وعملها التنسيقي لكسب رهان المرحلة.
[email protected]

Top