مع افتتاح فترة الانتقالات الشتوية، بدأت الأندية تتهافت على جلب العناصر الجاهزة لتعزيز صفوفها، حيث شهدت الساحة عقد صفقات سواء بالنسبة لهذا الموسم أو حتى بالنسبة للموسم القادم، وبعيدا عن حقيقية الأرقام المعلنة والقيمة الحقيقية للصفقات المبرمة التي تثار حولها الكثير من الشكوك ورود الفعل المنتقدة، فما يهمنا الآن هو غياب الوفرة من حيث عدد اللاعبين.
وقد كان المدرب مصطفى مديح واضحا عندما صرح أن الساحة تفتقد للاعب الجاهز والغير مرتبط بعقد مع إحدى الفرق، رغم وجود موارد مالية لعقد الصفقات إلا أن عدد اللاعبين الجيدين ضئيل مقارنة مع وفرة الطلب.
مدرب شباب الحسيمة طالب بالمناسبة، الأندية بضرورة الاهتمام أكثر بالتكوين وخلق أساليب جديدة للإعداد على مستوى الفئات الصغرى، حتى تتسع أكثر قاعدة الممارسة وتصبح الخيارات متاحة، ويتم وضع حد لكل هذا التهافت الذي أخل بالتوازن على مستوى السوق بين قلة العرض ووفرة الطلب، وظهور جيل من السماسرة الذين لا يترددون في تحويل السوق إلى فضاء للنخاسة، لا تحكمه قوانين أو قيم أو أخلاق.
لكن لماذا تفشل أنديتنا الوطنية في تهيئ الخلف؟ بينما تبرز الأندية الأفريقية مثلا في خلق أجيال من اللاعبين المتألقين، والذين يبهرون العالم بعطاءاتهم داخل أكبر الأندية بمختلف القارات؟…
المؤكد أن البطولة الوطنية أحسن بكثير من بطولات بدول فقيرة كبوركينا فاصو، مالي، الكونغو، غينيا، غامبيا، ورغم ذلك فإن أنديتها تتفوق على نظيرتها المغربية، صحيح أن الأمر يتوقف بالدرجة الأولى على مراكز التكوين التي لا تتطلب عند أغلب الأندية بالقارة السمراء ميزانية مهمة ولا الكثير من الشروط، على اعتبار أن أغلب المراكز المنتشرة بالقارة عبارة عن بنايات بسيطة وأسرة عادية ومطابخ لا تحمل إلا الاسم وملاعب بأرضية ترابية، وأطفال صغار من مختلف الأعمار يتدربون في بعض الأحيان حفاة وعراة …
من قبل تمكنت كرة القدم المغربية من المساهمة بقوة في إغناء رصيد اللعبة بالقارة السمراء، بفضل عطاءات نجوم من العيار الثقيل لم يتكونوا بمراكز مهيكلة ولم يتلقوا إعدادا خاصا باستثناء مدارس عادية تسير بطريقة بسيطة جدا، تسهر عليها أطر وطنية مشبعة بالروح التطوع وخدمة الآخر.
تغيرت الأمور، وشهد المجتمع تحولات عميقة، لتختفي معها الكثير من القيم والمبادئ التي كانت تحكم هذا المجتمع، حيث ظهرت تقليعات جديدة وأساليب مغايرة لما سبق، ليحكم هذا التطور على المجتمع بالدخول في عولمة الصورة والمعلومة والأفكار، ليجد الشباب المغربي نفسه في حاجة إلى حوافز جديدة ومعطيات أخرى، تختلف كليا عن تلك التي تربى عليها سلفه، وتشكل حاليا حافزا للشباب الإفريقي وتغذي طموحه، وانبهاره بأشياء أصبحت بالنسبة للإنسان المغربي متجاوزة…
صحيح أن الرياضة المغربية عموما، غرقت لسنوات في الكثير من الاختلالات والتناقضات الصارخة، إلا أن السقوط المدوي أمام كل النماذج الإفريقية بدون استثناء، يطرح مجموعة من الإشكالات تتجاوز الإطار الرياضي الصرف، لتصل إلى سؤال الهوية، في وقت أصبح فيه البعض يشكك صراحة في جدوى إنشاء مراكز تكوين، وتخصيص برامج الإعداد، بدون تغيير في العقليات وإيجاد سبل جديدة وصيغ مغايرة قصد التحفيز والتأهيل الذهني والنفسي، مع الحرص على تربية النشء على الروح الوطنية.
أما الاقتصار على تكوين ميكانيكي لا ينفذ إلى عمق الشخصية، فيبقى مضيعة للوقت والجهد والميزانيات، لنجد الركب قصد تجاوزنا بكثير…