2021-2030 .. عقد علوم المحيطات واستعادة النظم الإيكولوجية 2/2

في بريطانيا وغير بعيد عن القطب الشمالي،تشيرالفيضانات الشديدة إلى الحاجة الملحة للتغيير إذا أريد للبشرية البقاء على قيد الحياة، حيث وصلت حالة الطوارئ المناخية بالفعل إلى مستويات “أسوأ السيناريوهات” التي إذا تركت دون رادع ستؤدي إلى انهيار النظم البيئية مع عواقب وخيمة على البشرية وفقا للمدير العام لوكالة البيئة بالمملكة المتحدة، وحذر السير جيمس بيفان من أن هذا ليس “خيالا علميا” و”يجب أن تتغير طريقة تفكيرنا بشكل أسرع من المناخ”.
وقال بيفان لرابطة المؤتمر السنوي البريطاني لشركات التأمين: “ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي إلى تدمير معظم مدن العالم، وتشريد الملايين وجعل الكثير من مساحة الأرض المتبقية غير صالحة للسكن أو غير صالحة للاستعمال” ويضيف: “إن الظروف الجوية الأكثر قساوة ستقتل المزيد من الناس بسبب الجفاف والفيضانات وحرائق الغابات وموجات الحر أكثر من معظم الحروب”.

تحايل بريطانيا من أجل المناخ
ويأتي تحذير بيفان الرهيب قبل تسعة أشهر من مؤتمر غلاسكو لتغير المناخ، حيث من المنتظر أن تستضيف المملكة المتحدة مندوبين وخبراء المناخ من جميع أنحاء العالم بعد تأجيل المؤتمر بسبب جائحة كورونا في محاولة لاتخاذ إجراءات للتكيف مع آثار أزمة المناخ، والحد من الانبعاثات والحماية واستعادة الطبيعة، وقال بيفان: “إن ما حدث في المملكة المتحدة في السنوات الأخيرة يجب أن يكون بمثابة تحذير واضح بشأن مسار العالم”.
ويحدث هذا وسط قلق بشأن جهود الحكومة لمعالجة حالة الطوارئ المناخية قبل قمة المناخ، حيث إن برنامجها الرائد للتعافي الأخضر في حالة اضطراب وتعرض لمزيد من الضغط بعد رفض سحب الدعم لمنجم فحم جديد في كمبرياحيث يؤثر المنجم على مجموعة من المنظومات البيئية المجاورة. وقال بيفان إن الوقت قد حان للحكومة لبذل نفس الجهود لمواجهة “الوباء غير المرئي” لحالة الطوارئ المناخية التي واجهوها في معالجة أزمة كوفيد، وأضاف: “سوف نحصل على البيئة التي ندفع مقابلها وسوف نحصل على المناخ الذي نعمل من أجله”.

فرنسا بطلة المناخ
واستنكرت ثماني عشرة منظمة غير حكومية وجمعيات بيئية الضمانات المالية التي قدمها “بنك الاستثمار العام فرنسا” للمشاريع شديدة التلوث في قلب واحدة من أكثر المنظومات البيئية تضررا من أزمة المناخ، حيث يتعرض القطب الشمالي لضغوط من استخراج النفط والغاز الطبيعي في الوقت الذي يمكننا أن نرى بالفعل أسوأ التطورات في أزمة المناخ حيث تنهار حزمة الجليد والتربة الصقيعية ويصبح الشتاء أقصر وأقصر، تم حفر الفوهات بسبب انفجارات الميثان الناجمة عن ذوبان التربة الصقيعية وربما تكون البكتيريا النائمة القاتلة مثل الجمرة الخبيثة قد عادت إلى الظهور مما أصاب عشرات الأشخاص وآلاف الرنة، وهذه الكوارث البيئية ناتجة عن غازات الاحتباس الحراري.
واكتشف العلماء مؤخرا أن معدل فقدان الجليد يتماشى الآن مع السيناريو الأسوأ الذي تخيلته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حيث لاحظ علماء المناخ أن الخسارة قد تسارعت مع ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي، وارتفعت معها درجة حرارة القطب الشمالي خلال 10 سنوات مثل باقي أنحاء الكوكب خلال أكثر من قرن، وفقا للدراسة نفسها فقدت الأرض 28 تريليون طن من الجليد بين عامي 1994 و2017: وهو ما يكفي لتغطية المملكة المتحدة بأكملها بطبقة من الجليد يبلغ سمكها 100 كيلومتر. ومع فقدان 7.6 تريليون طن من الجليد فإن القطب الشمالي أصبح هو المنطقة الأكثر تهديدا. وبالتالي فإن ملايين الأرواح على السواحل والجزر مهددة بشكل مباشر بذوبان الأنهار الجليدية مما يساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر.

عقد علوم المحيطات والحد من تدمير النظم الإيكولوجية
منحت الحكومة الفرنسية عام 2017 ضمانا بقيمة 350 مليون يورو لشركة الخدمات النفطية “تيكنيك فمسي” المسؤولة عن بناء وحدة تسييل الغاز الطبيعي بالقطب الشمالي، نيابة عن شركة توتال وشركائها، وهكذا أدى هذا المشروع إلى تعطيل بيئة ضعيفة وهدد الأرض باعتبارها نشاط رعي الرنة التقليدي للسكان الأصليين في منطقة يامال، وتسعى توتال الآن لتوسيع أنشطة استخراج الغاز الطبيعي في المنطقة من خلال مشروع جديد بالقطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال إلى جانب شركة نوفاتيك الروسية، وتدرس الحكومة إمكانية المشاركة من خلال بنك الاستثمار العام الذي أصدر بالفعل رأيا مبدئيا إيجابيا بضمان 700 مليون يورو.
هذه المشاريع العملاقة الملوثة في قلب إحدى المناطق الأكثر تضررا من أزمة المناخ هي مثال على اللاوعي البيئي والاجتماعي لصناعة الوقود الأحفوري التي لا تزال تعطي الأولوية للأرباح دون القلق بشأن المناخ الجامح ومع ذلك، فإن القطب الشمالي ضروري للتخفيف من تغير المناخ ويجب حمايته.

القطب الشمالي والمشاريع الأحفورية.. نفاق وتحايل فرنسي من أجل المناخ
تتعارض الضمانات الممنوحة للمشاريع الأحفورية العملاقة في القطب الشمالي مع الضرورة العلمية، وكذلك مع الالتزامات الدولية لفرنسا، ألم يتحدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شركات الشحن في عام 2019، خلال مجموعة السبعة في بياريتز لثنيهم عن استخدام طريق بحر الشمال؟ نفس المسار الذي تخطط ناقلات الغاز الطبيعي المسال لكسر الجليد اتخاذه لجلب الغاز من القطب الشمالي الروسي إلى الأسواق الدولية، ألم يقف الرئيس عندئذ على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة للدفاع عن حماية المحيطات والتنوع البيولوجي؟ نظرا لتقديم قانون المناخ والقدرة على التكيف إلى البرلمانيين فقد حان الوقت لوضع حد لهذه التناقضاتففرنسا لا تستطيع تعيين سفير للقطبين بيد واحدة ودعم سباق الغاز الأحفوري في القطب الشمالي من خلال مؤسساتها المالية العامة.

معايير الإدارة المتكاملة للنظام البيئي
يشمل النظام البيئي جميع الكائنات الحية في منطقة معينة بالإضافة إلى تفاعل مكوناته مع بعضها البعض ومع الطقس والأرض والشمس والتربة والمناخ والغلاف الجوي، كل كائن حي له دور يلعبه ويساهم في صحة وإنتاجية النظام البيئي ككل، تهدف الإدارة المتكاملة للنظام البيئي إلى دعم النظم البيئية لتلبية الاحتياجات البيئية والبشرية، وتستجيب إدارة النظام البيئي للاحتياجات المتغيرة والمعلومات الجديدة، إنه يعزز رؤية مشتركة للنتائج المرجوة من خلال دمج المنظورات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية في إدارة مؤسستنا البيئية.
ويشجع برنامج الأمم المتحدة للبيئة الانتقال إلى الإدارة المتكاملة للنظام الإيكولوجي عن طريق تعزيز ستة من العناصر الرئيسية لضمان أن إدارة النظم الإيكولوجية قادرة على تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة أولها إنشاء البنية التحتية الأساسية لضمان صحة وعمل النظم الإيكولوجية على المدى الطويل؛ ثانيا دمج القيمة الاجتماعية والاقتصادية للنظم الإيكولوجية في صنع القرار الاقتصادي والإنمائي ثالثا إقامة تعاون بين القطاعات للتوفيق بين الطلبات المتنافسة وأوجه الترابط المتعلقة بالنظم الإيكولوجية،رابعا ضمان أن صنع القرار الاقتصادي في القطاع العام يدعم النظم البيئية الصحية والمنتجة؛خامسا دمج صحة النظام الإيكولوجي والإنتاجية في قرارات أعمال القطاع الخاص؛ و أخيراتزويد المهنيين وصانعي القرار في المستقبل بالمعرفة الفنية لتقديم رفاهية الإنسان في وئام مع الطبيعة.

تحرك مستعجل آني لمعالجة الأزمات العالمية
اختتمت الجلسة الافتراضية الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة الأسبوع الأخير من شهر فبراير الماضي برسالة واضحة مفادها أن كوكبنا الهش يحتاج إلى المزيد وهو بحاجة إليه الآن، المزيد من العمل والمزيد من التعاون والمزيد من التمويل والمزيد من الطموح، والتزام أقوى بمكافحة الأزمات البيئية وإعادة بناء المجتمعات التي دمرها الوباء العالمي.
تعهدت الدول الأعضاء بالعمل معا ووصفت أيضا الإجراءات التي تم اتخاذها بالفعل على المستوى الوطني مثل الجهود المبذولة لحماية أشجار المانغروف والأراضي الخثية والغابات أو معالجة التلوث والنفايات بما في ذلك المواد البلاستيكية للاستخدام الفردي، وخاطب ممثلو مجموعات الشباب المندوبين مطالبين باتخاذ إجراءات وإبداء صوت على الطاولة، وافقت الجمعية على إعلان نهائي يحذر من أن “صحة الإنسان ورفاهيته تعتمد أكثر من أي وقت مضى على الطبيعة والحلول التي توفرها، ونحن ندرك أننا سنواجه مخاطر متكررة من الأوبئة المستقبلية، إذا حافظنا على أنماطنا الحالية غير المستدامة في تفاعلاتنا مع الطبيعة.
وعلى الرغم من خطورة التحديات التي تواجه البشرية والكوكب، فقد استمع الاجتماع أيضا إلى رسائل ملهمة، إذ قال الموسيقار الغاني وسفير النوايا الحسنة الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة روكي داوني للوفود: “لقد اجتمعنا هنا كسفراء للأمل ومهندسين لنموذج جديد، وعملنا معا وفي انسجام مع الطبيعة سيضمن انتصارنا النهائي”.
قدم تقرير بناء السلام مع الطبيعة التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة خارطة طريق لمستقبل أفضل وأكثر استدامة، والذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأسبوع الماضي،ويوضح هذا بوضوح أنه يجب معالجة حالات الطوارئ البيئية في العالم معا لتحقيق الاستدامة. إنه يعني معالجة الخيط المشترك الذي يربط بين حالات الطوارئ هذه – الاستهلاك والإنتاج غير المستدامين، يقترح التقرير إجراءات ملموسة لمختلف القطاعات – من الحكومات إلى المجتمع المدني إلى قطاع الأعمال – لمعالجة الأزمة العالمية.
وقال الرئيس الكيني أوهوروكينياتا في كلمة ألقاها أمام جمعية الأمم المتحدة للبيئة المجتمعة في أواخر شهر فبراير 2021: “من الواضح بشكل متزايد أن الأزمات البيئية هي جزء من الطريق أمامنا، حرائق الغابات والأعاصير ودرجات الحرارة المرتفعة القياسية وقشعريرة الشتاء غير المسبوقة وأوبئة الجراد والفيضانات والجفاف أصبحت شائعة جدا لدرجة أنها لا تتصدر دائما العناوين الرئيسية”، وأضاف: “تدق أحداث الطقس والمناخ غير المواتية بشكل متزايد جرس تحذير يدعونا إلى مواجهة أزمات الكواكب الثلاث التي تهدد مستقبلنا الجماعي: أزمة المناخ، وأزمة التنوع البيولوجي والطبيعة وأزمة التلوث والنفايات”.
وقال البيان الختامي إن الجمعية ترغب في “تعزيز دعمنا للأمم المتحدة والتعاون متعدد الأطراف وتظل مقتنعة بأن العمل الجماعي ضروري لمواجهة التحديات العالمية بنجاح”، ومضى في التحذير من أن “صحة الإنسان ورفاهيته تعتمد أكثر من أي وقت مضى على الطبيعة والحلول التي تقدمها، ونحن ندرك أننا سنواجه مخاطر متكررة من الأوبئة المستقبلية إذا حافظنا على أنماطنا الحالية غير المستدامة في تفاعلاتنا مع الطبيعة”.
وردد سفينونجروتيفاتن رئيس الجلسة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة ووزير المناخ والبيئة النرويجي صدى التحذير، وأعلن في مؤتمر صحفي في اليوم الختامي أن: “جميع الحاضرين في جمعية البيئة اليوم قلقون للغاية بشأن الكيفية التي يتسبب بها الوباء في حدوث مشكلات صحية واجتماعية واقتصادية وبيئية جديدة وخطيرة، ويؤدي إلى تفاقم المشكلات القائمة في جميع أنحاء العالم”. مضيفا: “سنعمل معا لتحديد الإجراءات التي يمكن أن تساعدنا في مكافحة تغير المناخ وحماية التنوع البيولوجي وتقليل التلوث في نفس الوقت”.
وكان رئيس الجمعية سفينونغروتفاتن وزير المناخ والبيئة في النرويجتوقع، خلال ااحجتماع اإللكتروني للدورة الخامسة لجمعية البيئة، وفي الجلسة العامة األولى للاجتماع عبر اإلنترنت، أن تستمع الجمعية إلى بيانات افتتاحية من رئيس الجمعية والأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.إنه اجتماع حاسم ذلك الذي عرفه الشهر الماضي العالم حيث اعترف جميع المشاركين بأن كوكب الأرض في أزمة ويجب أن تكون الطبيعة في صميم الجهود العالمية لإعادة البناء بشكل أفضل بعد جائحة كوفيد-19. على هذا النحو، سيتم عقد جلستي حوار حول القيادة في موضوع: “مساهمة البعد البيئي للتنمية المستدامة في بناء عالم مرن وشامل في مرحلة ما بعد الوباء”. حيثما أمكن، يجب أن تتوافق التدابير المالية الطارئة لمنع الركود العالمي مع أهداف التنمية المستدامة الشاملة واتفاق باريس بشأن تغير المناخ.

المصالحة مع الطبيعة من أجل نظام بيئي غذائي مستدام
ويذكر الخبراء أن النظم الغذائية تقع في مفترق طرق الصحة البشرية والحيوانية والاقتصادية والبيئية، حيث تعتمد أنظمة الغذاء والمياه العذبة في البر والبحر على الموارد الطبيعية، ولكن النمو السكاني والتغيرات الغذائية بسبب الثروة المتزايدة والتلوث المرتبط بالزراعة كلها أسباب تؤدي في الأخير إلى تدهور الموارد الطبيعية بشكل أسرع مما يمكنها من التكاثر، ويعد نظامنا الغذائي مسؤولا أيضا عن ربع إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن صنع الإنسان، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 10 مليارات بحلول عام 2050، ولضمان وجود ما يكفي من الغذاء الآمن والصحي وبأسعار معقولة، نحتاج إلى إجراء تغييرات كبيرة في كيفية زراعة وإنتاج ونقل غذائنا، وينفق العالم حوالي مليون دولار في الدقيقة على الإعانات الزراعية، حيث أن إعادة توجيه الإعانات والاستثمارات والحوافز إلى الإنتاج الغذائي المستدام والمتجدد للأراضي والمحيطات يمكن أن يلبي الاحتياجات الغذائية للأجيال الحالية والمقبلة.

الزراعة المستدامة والأمن الغذائي
يعرف المختصون الزراعة المستدامة بالزراعة التي تضمن تحقيق الربحية والصحة البيئية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، إنها زراعة صديقة للنظام الإيكولوجي وتدعم مستويات أكبر من التنوع البيولوجي من خلال استعادة الموائل الطبيعية الحيوية. الزراعة المستدامة هي أيضا ذكية مناخيا فهي تستخدم طاقة أقل بنسبة 56 في المائة لكل وحدة من المحاصيل المنتجة، وتقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بأكثر من 60 في المائة للهكتار مقارنة بالزراعة التقليدية، ويحسن الإنتاج الغذائي المستدام الأمن الغذائي ويدعم تحقيق الأهداف العالمية، مثل أهداف التنمية المستدامة والقضاء على الجوع. وكانت الزراعة الصناعية طريقة موثوقا بها لإنتاج الكثير من الغذاء بتكلفة تتسم بأنها منخفضة نسبيا. لكنها ليست بالصفقة التي كان يعتقد في السابق أنها كذلك،ويمكن أن تلوث الزراعة غير المستدامة المياه والهواء والتربة؛ وتكون مصدرا لغازات الاحتباس الحراري؛ وتدمر الحياة البرية – تكلفة بيئية تعادل حوالي 3 تريليون دولار أمريكي كل عام-ويمكن أن يكون لاستخدام المواد الكيميائية ومضادات الميكروبات آثار صحية ضارة ويؤدي إلى عدوى مقاومة. وعلاوة على كل ذلك تم ربط عادات الإنتاج والاستهلاك لدينا بظهور الأمراض الحيوانية المنشأ مثل كوفيد-19.

الأغذية المستدامة وسؤال التكلفة الباهظة
يسمح الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية والأدوية والتعديل الوراثي بإنتاج بعض الأغذية بأسعار رخيصة وبكميات عالية بشكل موثوق، لذلك قد يكون سعر البيع بالتجزئة أقل، لكن هذا أمر مخادع لأنه لا يعكس تكاليف الأضرار البيئية أو تكلفة الرعاية الصحية المطلوبة لعلاج الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي، غالبا ما تكون الأغذية فائقة المعالجة عالية الطاقة وقليلة العناصر الغذائية وقد تساهم في الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري وبعض أشكال السرطان، هذا مقلق بشكل خاص وسط جائحة كوفيد 19، وقد لا يدرك المستهلكون كيف تؤثر اختياراتهم الغذائية على البيئة أو حتى على صحتهم.
قد تكون الأغذية المستدامة أكثر تكلفة لأنها تتطلب يدا عاملة أكثر وغالبا ما يتم اعتمادها بطريقة تتطلب فصلها عن الأغذية التقليدية أثناء المعالجة والنقل، غالبا ما تكون التكاليف المرتبطة بتسويق وتوزيع كميات صغيرة نسبيا من المنتج مرتفعة نسبيا، وأحيانا يكون الإمداد ببعض الأغذية المنتجة بشكل مستدام محدودا…لكن مع زيادة الطلب على بعض الأغذية، ستنخفض التكاليف المرتبطة بالإنتاج والمعالجة والتوزيع والتسويق، مما سيجعلها أقل تكلفة بالنسبة للمستهلكين، حيث يمكن لواضعي السياسات أيضا أن يلعبوا دورا في تسهيل الوصول إلى الأسواق وتمهيد سبل المجال المالي والتنظيمي، إلا أنه يسجل هناك نقص في فهم الطريقة التي تتداخل بها الزراعة والبيئة وصحة الإنسان حيث لا يعتبر صانعو السياسات الطبيعة عادة شكلا من أشكال رأس المال، لذلك لم يتم تصميم التشريعات لمنع التلوث والأنواع الأخرى من التدهور البيئي، وقد لا يدرك المستهلكون كيف تؤثر اختياراتهم الغذائية على البيئة أو حتى على صحتهم، وهناك حافز ضئيل للمنتجين لتغيير نهجهم في غياب الالتزامات القانونية أو طلب المستهلك.
بينما يمكن استهلاك الغذاء بشكل أكثر استدامة من خلال تنويع نظام الفرد الغذائي وطهي المزيد من الوجبات في المنزل مع تناول المزيد من الأطعمة النباتية الغنية مثلالبقول والبازلاء والفول والحمص كمصادر للبروتين،مع تناول الأطعمة المحلية الموسمية، فشراء الأطعمة المنتجة بشكل مستدام ومعرفة المزيد عن ممارسات الزراعة ووضع العلامات، وتجنب التغليف المفرط، والذي من المحتمل أن ينتهي به المطاف في مطرح النفايات.
في هذا السياق،أطلقتالجمعة الماضي منظمة الأغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة “مبادرة العمل يدا بيد” لحماية النظم الإيكولوجية البرية والبحرية، واستصلاحها وتعزيز استخدامها بشكل مستدام، عبر الترويج لبيئة جيدة للنظم الزراعية، ومكافحة تغير المناخ من خلال اعتماد نهج الحد من المخلفات وإعادة استخدامها وإعادة تدويرها وإدارتها بالإضافة إلى حماية التنوع البيولوجي، بما يشمل التنوع البيولوجي الزراعي والتنوع الغذائي، مما سيشكل محفزا مهما لجميع الفاعلين والمتدخلين في المجال، وبذلك ستكون جل الهيئات التابعة للأمم المتحدة قد اعتبرت العقد الحالي عقد إنقاذ ما يمكن إنقاذه لمعانقة الطبيعة وخلق صلح تاريخي معها من أجل الأجيال القادمة.

< بقلم: محمد بنعبو*
(*) خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top