ربع قرن على حكم جلالة الملك محمد السادس.. 25 سنة من المبادرات والإنجازات لتمكين المرأة المغربية

جلالة الملك: بناء المغرب الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة رجالا ونساء

لا يستقيم الحديث عن السياسة الملكية خلال 25 سنة الماضية من اعتلاء جلالة الملك محمد السادس لعرش أسلافه دون تسليط الضوء بما يحق من التركيز على موضوع استأثر جليا باهتمام جلالته وارتقى عنده إلى مستوى الأوليات الوطنية الملحة، وهو مسألة التمكين للمرأة المغربية وتعزيز حقوقها وحضورها على جميع المستويات.

وقد ظهر هذا التوجه الطليعي لجلالة الملك في أول خطاب بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 1999، حيث أكد جلالته على دور النساء في تطور المجتمع المغربي، مستحضرا أهمية إعمال قيم المساواة والإنصاف في التعامل مع قضايا النساء، بما يتناسب مع تعاليم الدين الإسلامي وكذا مع ما حققته المرأة المغربية من إنجازات. وتساءل جلالته: “كيف يتصور بلوغ رقي المجتمع وازدهاره والنساء اللائي يشكلن زهاء نصفه تهدر مصالحهن في غير مراعاة لما منحهن الدين الحنيف من حقوق، هن بها شقائق الرجال، تتناسب ورسالتهن السامية في إنصافهن، مما قد يتعرضن له من حيف أو عنف، مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور، سواء في ميدان العلم أو العمل؟”.

وكان هذا التساؤل في ذكرى ثورة الملك والشعب المنطلق والأساس للمشروع الملكي فيما يتعلق بقضايا النساء، ولمسار “الثورة الهادئة” التي رسم معالمها جلالة الملك وبث بذورها في جميع الميادين نحو مجتمع أقوى برجاله ونسائه.

كانت الانطلاقة قوية بإحداث لأول مرة في تاريخ المغرب لوزارة منتدبة لأوضاع المرأة وحماية الطفولة والأسرة وإدماج المعاقين في سنة 2001، وذلك بعد أن كانت المرأة قد دشنت تأثيثها للتشكيلة الحكومية منذ سنة 1997 على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، في شخص أربع نساء تم تنصيبهن ككاتبات للدولة.

وفي نفس السنة (2001)، كان المغرب على موعد مع قرار جريء بنشر اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة في الجريدة الرسمية بعد أزيد من 12 سنة من مصادقته عليها في سنة 1993، وذلك في إطار التعبير عن التزامه بتكريس الحقوق الإنسانية للنساء، بما يتلاءم مع المواثيق والاتفاقيات الدولية في الموضوع. وسيعرف هذا الالتزام بدوره تقدما مضطردا طوال السنوات اللاحقة ليتوج في سنة 2022 بعملية إيداع وثائق الانضمام إلى البروتوكولين الاختياريين الملحقين بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وباتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المتعلقين بالبلاغات الفردية، واللذين دخلا حيز التنفيذ في يوليوز 2022.

مدونة الأسرة.. الثورة “الناعمة”

وشكلت سنة 2004، بدورها، علامة فارقة في مشروع محمد السادس لفائدة النساء، من خلال تتويج عدد من الإصلاحات القانونية المتفرقة بإصدار مدونة الأسرة التي وصفت بكونها خطوة معبرة بقوة عن تميز الأسلوب الملكي وعبقرية جلالته في قيادة سفينة بلد إمارة المؤمنين إلى بر الأمان، بعيدا عن رياح الانقسام وأمواج التلاطم التي رافقت مسار إصلاح مدونة الأحوال الشخصية في أواخر تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الحالية. وحرصت التعديلات على استلهام روح الوسطية والاجتهاد في تفعيل مباديء المساواة والعدل بين الزوجين، والاعتراف بدور المرأة داخل الأسرة والمجتمع، وبالمصلحة الفضلى للأطفال ضمن عملية تدبير الخلافات الأسرية، مع بداية تأطير مواضيع شائكة كالتعدد والطلاق وزواج القاصرات. ومرة أخرى، لم يكن إصدار مدونة الأسرة، على الرغم مما حققته من “ثورة ناعمة” في وجه العقليات التي ظلت تتسبب في هدر حقوق النساء وتكريس العنف والحيف ضدهن، (لم يكن) بدوره إلا بمثابة فتح الباب أمام المزيد من الإصلاحات القانونية في مجال الأسرة، خاصة فيما يتعلق بعدد من القضايا الخلافية كمنح جنسية الأم للطفل أو مسألة الحق في الإجهاض وغيرها، حيث ظل “التحكيم الملكي”، وما يزال، ركيزة أساسية من ركائز البيت المغربي التي يلجأ إليها جميع أفراد ذلك البيت للاحتماء من نوائب الخلاف وعاديات الفتن.

وقد تعززت الحماية القانونية للمرأة داخل الأسرة والمجتمع بعد إقرار، في سنة 2018، القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، كإطار مرجعي توج نضالات ومرافعات الحركة النسائية لعقود من أجل وضع حد لأنواع من التمييز القاسي بحق النساء، ولأشكال من العنف الجسدي والنفسي وغيرهما مما يمارس بحق المرأة من قبل أقرب الناس إليها في كثير من الأحيان.   

وها هو قطار الأسرة المغربية يكاد يصل اليوم، في سنة 2024، إلى محطة جديدة في مسار التحديث والتطوير في إطار الاجتهاد المتنور، عبر عملية مراجعة شاملة وإصلاح جديد لمدونة الأسرة في عهد محمد السادس.

دور المؤسسة الدينية في المجتمع.. النساء شقائق الرجال

وفي سياق ذي صلة، تجدر الإشارة كذلك إلى المكانة المعتبرة التي احتلتها النساء في إطار المشروع الملكي لـ”إعادة هيكلة الحقل الديني” ببلادنا، منذ سنة 2004، مشروع استأثر بدوره بحيز أساسي في رؤية وسياسة جلالة الملك الحريصة على بناء الدولة المغربية الحديثة المستندة إلى تراثها التاريخي والديني العريق، والمجتمع المغربي المتطلع إلى المستقبل والمنفتح على العالم، المتمسك والمعتز بهويته المتميزة.

وفي هذا الإطار، يمكن إدراج ما أصبح يصطلح عليه بعض الباحثين بـ”جندرة الحقل الديني”. حيث تجلى هذا التوجه في تأثيث المؤسسة الدينية الرسمية بوجوه نسائية منذ السنوات الأولى للعهد المحمدي، وحضور أسماء نسائية لعالمات في دار الحديث الحسنية، وفي الدروس الحسنية التي تلقى أمام جلالة الملك في السهرات الرمضانية، وكذا في المجلس العلمي الأعلى ثم في المجالس العلمية المحلية. كما تم إحداث “خلايا شؤون المرأة وقضايا الأسرة” داخل المجالس العلمية المحلية، دعما لدور المؤسسة الدينية في مرافقة وتوجيه الأسرة.   

وبالموازاة مع ذلك، تعزز حضور المرأة أيضا في مجال الوعظ والإرشاد الدينيين، وكذا في مؤسسات البحث العلمي والأكاديمي المتخصصة. ولاحقا، في سنة 2018، كان هناك قرار جريء جديد، بناء على تعليمات ملكية سامية وفتوى من المجلس العلمي الأعلى، باقتحام المرأة لمجال ممارسة مهنة “العدول” التي كانت حكرا على الذكور. وكل ذلك في إطار معالجة قضايا الأسرة والمجتمع، في سياقها الديني، بنظرة جديدة تستحضر زوايا نظر مختلفة في قراءة الواقع ومطابقته بالنص الشرعي والاجتهاد الديني.  

الفصل 19 .. دسترة مقاربة النوع

وتظل محطة إقرار دستور 2011، لحظة فارقة أخرى في تاريخ تطور المسألة النسائية ببلادنا، وتأثرها الكبير بالبصمة الخاصة للملك محمد السادس. وخلق الملك مفاجأة سياسية واجتماعية من العيار الثقيل مجددا، عندما جعل الفصل 19 من دستور 2011، في بابه الثاني المخصص للحريات والحقوق الأساسية، ينص بوضوح على المساواة بين المرأة والرجل في كافة “الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية” الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب. هذا التنصيص كان بمثابة مرجعية قوية ضمن أعلى تشريع بالمملكة لتعزيز حقوق ومكتسبات المرأة المغربية في جميع المجالات، حيث أعطى نفسا جديدا لمختلف السياسات العمومية والمشاريع التنموية من أجل استحضار مقاربة النوع وإشراك النساء في التخطيط والبلورة والتنفيذ. وتكرس هذا التوجه لاحقا في تصورات النموذج التنموي الجديد جاعلا من البرامج التي تشرك النساء في التنمية اختيارا محوريا في أفق مغرب الغد.

وبدأ اختيار إشراك النساء في برامج وجهود التنمية الذي تحدث عنه جلالة الملك في بداية عهده يعطي ثماره أيضا على المستوى الاقتصادي، إذ أثبتت النساء قدراتهن الإبداعية في تصميم وتنفيذ المشاريع الاقتصادية مستفيدات من تحفيزات الدولة، خاصة في مجال الاقتصاد التعاوني وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، فالمعاناة الطويلة للنساء من التمييز والفوارق في مجال التعليم والتشغيل على مدى العقود السابقة، مازالت للأسف مستمرة في الحد من بلوغ جهود التمكين الاقتصادي للنساء إلى مراميها، مما يؤشر على ضرورة تقوية الالتزام بالتوجيهات الملكية في هذا الصدد على مستوى البرامج الحكومية والسياسات العمومية. 

ويجدر التذكير في هذا الباب كذلك، بما أفضت إليه التوجيهات الملكية السامية من تغيير في النصوص المؤطرة للاستفادة من الأراضي السلالية، لضمان حق النساء في ملكية تلك الأراضي واستغلالها، إعمالا وتكريسا لحقهن في الثروات.

مغرب التقدم والكرامة يبنيه جميع المغاربة

منهج إشراك النساء في جميع المجالات الحيوية في المجتمع، على عهد محمد السادس، عرف طفرة غير مسبوقة في مجال تسيير الشأن العام والتمثيلية السياسية، حيث حرص جلالة الملك على مراكمة مبادرات تعيين وتنصيب النساء في مناصب هامة (وزيرات، والية، نساء على رأس مؤسسات عمومية كبرى)، فضلا عن تشجيع إقرار وتنفيذ إجراءات التمييز الإيجابي في القوانين الانتخابية وتشكيل الهيئات والمجالس التمثيلية، على المستويين المركزي والمحلي، من أجل ضمان حضور ومشاركة فعليين وفاعلين للنساء في مراكز القرار العام، وذلك ضدا على عقليات مازالت للأسف تحاول فرض توجهاتها في جعل ذلك القرار احتكارا ذكوريا.

لكن الإرادة الملكية التي طبعت السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، ماضية في تحريك عجلة الزمن نحو المستقبل بناء على قناعة وإصرار ملكيين عبر عنهما جلالته مجددا في خطاب العرش لسنة 2022 بقوله: “إن بناء مغرب التقدم والكرامة الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة رجالا ونساء في عملية التنمية. لذا، نشدد مرة أخرى على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات”.

  • سميرة الشناوي

Related posts

Top