ذكرى المسيرة الخضراء 40

شهادات وطنية

أحمد سالم لطافي
ملحمة وطنية وتحول تاريخي
طبعا ما أزال أتذكر كل تفاصيل مشاركتي في المسيرة الخضراء. كنا شبابا متحمسين وكانت استجابتنا لنداء الوطن تلقائية.. وكان ذلك واضحا من خلال المظاهرات الكثيرة التي خرجت مباشرة بعد خطاب الحسن الثاني الداعي إلى المسيرة الخضراء، حيث عبر المغاربة نساء ورجال، شيبا وشبابا، عن فرحتهم وتجاوبهم مع تلك الدعوة. وكانت مشاركتي طبعا في هذا الإطار إلى جانب العديد من الرفاق المناضلين، على رأسهم الراحل علي يعته، وعزيز بلال، وشمعون ليفي، وغيرهم…   
بعد 40 عاما على المسيرة الخضراء، مازال الحدث يجسد دلالة قوية على عبقرية الملك الحسن الثاني، ملهم فكرة المسيرة، الذي جعل إسبانيا في موقف حرج من خلال هذه المبادرة التاريخية التي تجند لها 350 ألف مغربي، 10 بالمائة منهم نساء، مجردين من أي سلاح، بل يحملون فقط القرآن.. إذ لم يكن من الممكن أن تهاجم إسبانيا عسكريا هذه الموجة الهائلة، خاصة أن المسيرة عرفت كذلك حضور وفود أجنبية وممثلي الصحافة الدولية.. فكانت المسيرة بحق ملحمة شعبية مكنت المغرب من استرجاع أراضيه الصحراوية بعد اتفاقية دجنبر 1975 التي جاءت كتتويج لتلك الملحمة.
ولذلك فإن المسيرة في ذكراها الأربعين، لم تفقد شيئا من ألقها، بل مازالت عالقة في أذهان كل من ساهم فيها، وحاضرة في وجدان حتى من لم يساهم فيها، وذلك بما شكلته من تحول تاريخي في تاريخ المغرب مكن بلادنا من إجلاء الاحتلال الإسباني عن المناطق الجنوبية.
وكان بعد ذلك ما تبع المسيرة من انخراط النظام الليبي القذافي آنذاك في تحريض جماعة البوليساريو، ثم الجزائر فيما بعد.. وكان التورط الجزائري في الملف واضحا منذ ذلك الحين حيث ثبت أن مجموعات من الناس الذين انخرطوا في المشروع الانفصالي قد تم نقلهم إلى مخيمات تندوف على متن شاحنات جزائرية.
طبعا، المغرب وانطلاقا من إيمانه بعدالة تشبثه بمغربية الصحراء، كان قد طرح فكرة تحديد الهوية ، ولكن شيوخ البوليساريو رفضوا هذا الطرح من خلال رفضهم اعتماد مواطنيهم من الصحراويين المقيمين بالداخلة والعيون وبوجدور، والرافضين للمشروع الانفصالي. ومن ثم تحركت الآلة العسكرية بتحريض من ليبيا والجزائر وحتى كوبا، ضمن ما أعطيت لها آنذاك هالة الحركة الثورية علما أنها كانت مجرد حركة مصطنعة محرضة من قبل الجزائر أساسا والأطراف الأقليمية الدولية الأخرى الداعمة للفكرة الانفصالية.
لكن المغرب تعامل دوما وما يزال بحكمة مع القضية الوطنية، بحيث عمل، بعد المسيرة الخضراء، على بناء الصخرة أو الصرح الذي ستتحطم عنده آمال الجزائر وكل من يتوهم إمكانية فصل الصحراء عن مغربها.. هذه الصخرة القوية المتينة هي العملية التنموية التي مضت فيها بلادنا منذ ذلك الحين وما تزال والتي أضحت نتائجها ظاهرة للعيان.. بحيث اليوم عندما تزور بوجدور أو الداخلة أو السمارة.. فإننا نرى بأم أعيننا المجهود الذي قام به المغرب لفائدة أراضينا الجنوبية ولفائدة مواطنينا المغاربة عليها.. وهذا أمر طبيعي فعلا لأن سكان الأقاليم الجنوبية هم مواطنونا وهم شعبنا ويستحقون كل الاهتمام وكل الاعتبار ضمن المخططات التنموية التي يتم تسطيرها لفائدة مجموع المناطق المغربية، وعلى رأسها الصحراء المغربية.
فالمسيرة أدت إذن دورها، سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى بروز القضية في المحافل الدولية، وكذا في إظهار سلامة وقوة الموقف المغربي الذي تبلور لاحقا من خلال مساهمته في إيجاد حل حاسم للقضية، وهو مقترح الحكم الذاتي، المقترح الذي اعتبر من قبل المنتظم الدولي بمثابة حل واقعي وجدي وذي مصداقية. وهو أيضا المقترح الذي يجسد أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب في هذه القضية، بحيث لا يمكن للانفصاليين ومن ورائهم الجزائر أن يحلموا بتقديم المغرب لأي تنازلات في هذا الصدد. فاليوم وبعد مرور 40 سنة على المسيرة الخضراء مازال المغاربة، دولة وشعبا، موحدين حول قضيتنا الأولى ومصممين على استرجاع المغرب لكامل حقوقه في أراضيه الصحراوية.

أحمد عصمان: المسيرة لحظة إجماع دفاعا عن القضية الوطنية الأولى
لقد كانت المسيرة الخضراء لحظة تاريخية، فريدة من نوعها، ليس فقط في تاريخ المغرب وإنما في تاريخ الإنسانية جمعاء، إنها حدث استثنائي بجميع المقاييس، وخاصة على المستوى التنظيمي الذي سهر الحسن الثاني شخصيا على حسن سيره.
لقد هيأ الحسن الثاني بدقة وبذكاء لكل صغيرة وكبيرة قبل انطلاق المسيرة، حتى ما يتعلق بالجانب الإسباني، وذلك لكي يجري كل شيء في أحسن الظروف الممكنة ولكي لا يحدق بحياة المشاركين فيها أي خطر. سيذكر التاريخ المسيرة الخضراء كحدث غير مسبوق وأيضا كنجاح سيكون من الصعب تكرار مثيل له
اتخذ الحسن الثاني قرار إجراء المسيرة لوحده، ولم يجتمع مع حكومته، وغاب عن المجلس الوزاري طيلة شهر كامل، ثم اجتمع بنا ذات يوم ليعلمنا بقراره.  لقد قال لنا الحسن الثاني: ذلك اليوم «من لم يكن متفقا مع قرار المسيرة فليغادره، ومن كان موافقا فليبقى».
يجب أن أقول، وهي شهادة للتاريخ، أن الحسن الثاني كان يريد أن يقود بنفسه المسيرة الخضراء، ولم يعدل عن ذلك إلا بعد تدخلات كثيرة لثنيه عن الأمر خوفا على حياته. عشية انطلاق المسيرة الخضراء اتصل بي الحسن الثاني ليخبرني أنني أنا من سيقود المسيرة الخضراء.
استقليت الطائرة إلى طان طان ومن هناك انطلق كل شيء. في الصباح أعطيت إشارة الانطلاق، وكان علي بعد ذلك مباشرة أن أستعد لمعاهدة  مدريد وكان ذلك في اليوم نفسه. انطلقت المسيرة الخضراء في السادس من نونبر وتم التوقيع على معاهدة مدريد في الرابع عشر من نونبر نفسه. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على السرعة التي توالت بها الأحداث المتلاحقة. بالموازاة مع ذلك، كنا على اتصال بأئمة المساجد وممثلي القبائل الصحراوية، خطري ولد سيدي سعيد الجماني.
كان هناك إجماع داخلي منقطع النظير حول المسيرة الخضراء وحول أي وسيلة تمكن من استرجاع أقاليمنا المغتصبة. وتجلى ذلك بوضوح في مؤتمر عدم الانحياز. وما ذهاب جميع الأحزاب السياسية المغربية، ودفاعها التام عن قضيتهم الأولى إلا دليل على هذا الإجماع.

تاج الدين الحسيني: خطاب جلالة الملك في الصحراء.. اختيار شجاع
قضية الصحراء الآن بلغت سن الأربعين، وجرت مياه كثيرة تحت الجسر طيلة هذه المدة، وأعتقد أن المغرب يكون المغرب بمقترحه القاضي بتطبيق الحكم الذاتي، قد بلغ السقف الأعلى من التنازلات التي يمكن أن يصل إليها أمام المنتظم الدولي.
هناك نوع من حرب الاستنزاف التي لا يزال النظام الجزائري وفي فلكه البوليساريو يمارسانها في عدة مناسبات ولعل آخرها ما ظهر في السويد من محاولة الدفع نحو الاعتراف بما يسمى بالجمهورية الوهمية، في مقابل ذلك تمكن المغرب من تحقيق مكاسب عدة، أهمها سحب اعترافات عديد البلدان بالجمهورية الصحراوية، ولعل زيارة العاهل المغربي للهند التي سحبت اعترافها عام 2000 قد وطدت علاقات اقتصادية مع المملكة، حيث سيصبح المغرب بمثابة المنصة لنقل التكنولوجيا والاستثمار الهندي في القارة، وبالتالي أعتقد أن المعركة لم تنتهي وقد يعيش المغرب مراحل أكثر صعوبة خلال السنوات المقبلة.
وينبغي على المغرب أن لا يعتمد فقط على الدبلوماسية الرسمية، بل يجب التركيز على الدبلوماسية الموازية التي ينبغي أن يجند لها كل المواطنين على حد سواء، سواء الأحزاب السياسية أو المجتمع المدني وكذلك النقابات وجمعيات رجال الأعمال والمهن الحرة وممثلي الجامعات، وذلك لدعم الجبهة الداخلية ونقل مواقفها إلى الخارج..
وأعتقد مغاربة الشتات هم في حاجة إلى من نوع من التنسيق، علما أن دول مثل الدول الاسكندينافية، ليس لها علم بما يجري في المنطقة ولا تعرف شيئا عن موقف المغرب، وهو ما يترك الفرصة لأعداء الوحدة الترابية لدرجة مقارنة الصحراء بفلسطين.
على العموم، يجب على المغرب أن يعد نفسه لجيل جديد من المعارك، كالإعلام والحراك على مستوى الاتحادات والمؤسسات الاقتصادية.
وفيما يتعلق بتدبير الملف، لا ينبغي أصلا أن يحتكر من طرف وزارة الخارجية أو الأجهزة التقليدية، حيث تمكنت الجزائر من اختراق عدة مؤسسات في أوروبا وإفريقيا، وبعض بلدان أمريكا، أي أنها تنبهت لقوة الدبلوماسية الموازية في هذه البلدان وقدرتها على الضغط.
أما فيما يخص اختيار جلالة الملك محمد السادس للمناطق الجنوبية لإلقاء خطاب المسيرة الخضراء، فهو اختيار شجاع، وهذا نوع من التحدي الذي كان ينبغي أن يتكرر أكثر من مناسبة ليؤكد أن المغرب في صحراء وفي أرضه.

Top