تضاربت آراء المتدخلين في المؤتمر الدولي الذي نظمته مؤسسة منبر الحرية في توصيف أسباب ضعف المقاولاتية. ففي الوقت الذي ربطه باحثون بأسباب ثقافية من قبيل سيادة قيم ضعف الثقة وعدم القدرة على المخاطرة، وضعف السلوك المدني، اعتبره آخرون لصيقا بضعف المناخ المؤسساتي وعدم ملاءمته لتطور مناخ المال والأعمال.
المؤتمر الدولي الذي نظمه مشروع منبر الحرية بالتعاون مع جامعة بن طفيل، ومختبر ريادة الأعمال والسياسات العمومية بذات الجامعة، ومؤسسة هانس سايدل الألمانية، ومنظمة أطلس للدراسات الاقتصادية، حول ريادة الأعمال والسياسات العمومية، عرف مشاركة خبراء اقتصاديين مغاربة وأجانب، حيث حضر من فرنسا البروفيسور بيير غاريلو، والخبير الاقتصادي جون بيير شوفور، ومدير مجلس رانزن الاقتصادي بيير بنطاطا، وأستاذ الاقتصاد الروماني رادو نيشيطا، أما من المغرب فقد شارك أستاذ الاقتصاد العربي الجعايدي، والدكتور هشام الموساي، والخبير الاقتصادي نوح الهرموزي، والباحث الاقتصادي بدر الدين شيكري.
شوفور: ضعف المقاولاتية ناتج عن عوائق ثقافية
قال جون بيير شوفور كبير الاقتصاديين في البنك الدولي لمنطقة شمال إفريقيا بأن سبعة من بين عشرة مغاربة ينظرون بإيجابية إلى عالم المال والأعمال، غير أن النساء والشباب لا يزالون يمثلون نسبا ضعيفة في عالم المقاولة.
وحدد المتدخل ثلاثة أنواع من المقاولات، الأولى منتجة وقائمة على خلق الثروة والمعرفة وتساهم في الإنتاج. والثانية قائمة على الريع والبحث عن الربح السهل. أما الثالثة فوصفها بالمدمرة والقائمة على الرشوة والمحسوبية.
وحول الصعوبات التي يواجهها مناخ تطوير المقاولة، قال المتحدث بأن عوائق ثقافية من بين أخرى تحول دون تطورها. وأضاف “إنه فبالرغم من أن واحدا من بين ثلاثة مغاربة يفكر في خلق مقاولته الخاصة إلا أن 40 % يظلون مترددين لأسباب عديدة مرتبطة بقطاع العدالة وغيرها من العوائق”.
ومن جهة أخرى استعرض شوفور أرقاما تشير إلى عوائق ثقافية مرتبطة بمعيار الثقة وتمثلات المغاربة لدور الدولة والقطاع الخاص. وفي هذا الصدد أشار اقتصادي البنك الدولي أن 80 % من المغاربة يعتبرون أن الديمقراطية تعني مساواة الدولة للأجور. كما أن مستوى السلوك المدني يظل متدنيا مقدما رقم 200 قتيل لكل مائة ألف وسيلة نقل وهي نسبة تظل مرتفعة بالمقارنة مع عدد من البلدان.
العربي الجعايدي: المحيط المؤسساتي في قفص الاتهام
وبالمقابل، رفض البروفيسور العربي الجعايدي ربط ضعف المقاولاتية في المغرب بعوائق ثقافية معتبرا بأن ضعف المقاولة لا يمكن إرجاعه فقط إلى البعد الثقافي للسلوك. وأكد المتدخل أن “السلوك ليس سوى مكون من بين مكونات أخرى أكثر أهمية”.
وتوقف، في هذا السياق، عند ما سماه المحيط المؤسساتي غير السليم. واعترف في السياق ذاته أن مناخ الأعمال وبالرغم من التطورات التي عرفها لا يزال يعاني من العديد من العوائق وخاصة ضعف المنافسة الناتجة عن احتكار عدد من الشركات الكبرى. وفي هذا الصدد، قال الجعايدي، أنه بالمقارنة بين المغرب والولايات المتحدة “يتضح أن نسبة التمركز في المغرب تفوق نسبة التمركز في الولايات المتحدة”.
وأضاف أن هذا الأمر جعل الشركات المحتكرة تراقب الأسعار وتتحكم فيها في إطار نوع من التوافق. وعزا الجعايدي هذا الأمر “إلى العادات التي اكتسبتها هذه المقاولات على مراقبة الأسعار”. وتعود هذه الممارسات، يقول المتدخل، إلى اشتغال هذه الشركات ولمدة طويلة إلى جانب الدولة، وحتى عند خوصصتها وتحريرها ظل التوافق على الأسعار ساريا بالرغم من تحريرها من مراقبة الدولة.
التجارب المقارنة: الثقافي والمؤسساتي وجهان لعملة واحدة
ومن جهة أخرى، قال البروفيسور الفرنسي بيير غاريلو على أن نجاح المقاولة يعتمد على دور الفاعلين العقلانيين الذين يقومون باختيارات عقلانية. وأضاف أن المقاول شخص عقلاني يبحث عن الربح لكن في بحثه عن الربح إنما يقدم خدمة لغيره ولمجتمعه. وهكذا كلما بدت الفرص سانحة للعمل المقاولاتي انطلاقا من أرضية مؤسساتية سليمة كلما أصبحت المقاولة أكثر ازدهارا.
واستعرض الاقتصادي الروماني رادو نيشيطا نماذج عملية من التجربة الرومانية في دعم المقاولة مبرزا نواحيها الإيجابية ومحذرا من مزالقها السلبية. فعلى المستوى الإيجابي، يقول المتحدث، صارت المقاولاتية مادة تربوية يتم تدريسها في الثانوي غير أن هذا التدريس وبالرغم من إيجابيته يحتاج إلى توفير الموارد البشرية اللائمة. وأشار إلى أن رومانيا، وبالرغم من التطور، الذي سجلته على مستوى ترتيبها العالمي في مؤشر مناخ الأعمال إلا أنها لا تزال تحتل الرتبة التاسعة عشر من بين تسعة وعشرين دولة أوروبية.
أما الخبير الاقتصادي الفرنسي بيير بنطاطا، فإنه اعتبر بأن الأرقام تشير إلى أن فرنسا هي بلد المقاولات بامتياز؛ غير أن المقاولات الصغيرة تعاني بشكل متزايد بالمقارنة مع المقاولات الكبرى وخاصة فيما يخص التمويل. وتعاني المقاولات الفرنسية، حسب ذات المتدخل، من صعوبة الولوج إلى التمويل نتيجة تصلب شروط الاستفادة من القروض البنكية.
وبخصوص التجربة المغربية، قال نجيب الوليدي من جانبه، إن مشكلة المقاولاتية في المغرب تكمن في ما سماه “المقاولة العقيمة” الناتجة عن عدم القدرة على اختيار المجالات القادرة على خلق الثروة وعلى خلق الشغل، حيث أن ما تخلقه من وظائف ومناصب شغل غير مباشر يظل ضعيفا. ويعود هذا الضعف إلى الكلفة والمخاطر المرتفعة والكبيرة للمقاولاتية، وهذه المخاطر تدفع القطاع البنكي إلى رفع الفوائد أمام ارتفاع المخاطر. واستخلص المتدخل أن أثر هذه المخاطر ينعكس على توجهات المقاولاتية حيث يتجه المقاول إما للاعتماد على المحسوبية والرشوة أو يتجه نحو القطاع غير المهيكل. واستخلص في هذا السياق أن ضعف المقاولاتية غير مرتبط بخلل جوهري في العقلية المغربية بل في ضعف المناخ المؤسساتي وعدم سلامته.
يذكر أن هذا المؤتمر الدولي شهد أيضا تقديم أوراقا بحثية لطلبة الدكتوراه حيث قدموا تصوراتهم لكيفية تطوير المقاولة وسبل دعمها. كما استعرض فاعلون اقتصاديون شهادات عن قصص النجاح المقاولاتي من خلال تجارب ميدانية محلية ودولية.
القنيطرة: بيان اليوم – مراسلة خاصة