المقاهي …. حكاية أمكنة مألوفة يفرد لها زمن خاص

تعكس المقاهي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان المدينة كونها فضاء مشتركا للالتقاء والتواصل بين الناس. في مجتمعاتنا العربية، كانت المقاهي في الأصل مكانا للقاء الأصدقاء والمعارف خارج البيوت لما لهذه الأخيرة من خصوصية وحرمة، ثم تطور الأمر فأصبحت المقاهي مكانا، ليس فقط للتسلية والمسامرات بل للتحاور واتخاذ المواقف وحتى تشكيل الرأي العام. لقد باتت المقهى مكانا مألوفا يفرد له زمن خاص يضاهي مختلف الأزمنة الأخرى مثل العمل والمنزل. كان ارتياد المقاهى مباحا لكل طبقات الناس، ووجدت إلى جانب مقاهى العامة مقاه لفئات وطوائف ومهن معينة، فهناك مقاه لعلية القوم وأخرى لأصحاب البدل الأنيقة والموظفين، كما وجدت مقاه لأصحاب الحرف والمهن المختلفة كعمال البناء والحدادة والنجارة وغيرهم. لم تكن المقاهي تحظى باهتمام الدارسين والباحثين ولذلك بقيت ظاهرة مجهولة من طرف المؤرخين، لا سيما، العرب. فالظاهر أن ذلك يعود إلى النظرة الموروثة التي ترى الظاهرة على أنها ذات طبيعة هامشية. غير أنه في ما بعد حظيت باهتمام الباحثين في مجالي علم الاجتماع والانثروبولوجيا قبل أن تحظى باهتمام المختصين في ميادين أخرى من ذلك علم الاقتصاد والهندسة والمعمار.  بيان اليوم تقرب قراءها من بعض هذه الفضاءات التاريخية في مجموعة من الأقطار.

الحلقة 11

المقاهي الشعبية ملاذ البحرينيين من أعباء الحياة

كانت في السابق مجرد خيام لا تكييف ولا وسائل راحة

تعد المقاهي الشعبية التي تنتشر في المملكة الملتقى المفضل والمحبب للأسرة البحرينية سواء لكبار السن او العائلات او الشباب للقاء وتجاذب أطراف الحديث والترفيه، وتنبعث روائح “الشيشة” و”القدو” وتعبق في المكان روائح المعسل بأنواعه، حيث المقاهي الشعبية نوعان، فهناك الأماكن الفخمة وهي تختلف في الخدمة التي تقدمها عن تلك الموجودة في المنطقة الشعبية. معظم المقاهي التقليدية في السوق بدأت عملها بتقديم القهوة العربية ثم توسعت لتشمل تقديم عروضها الفريدة الخاصة للزوار. تعود نشأة المقاهي الشعبية في المنامة إلى سنوات طويلة، وكانت في السابق مجرد خيام، لا تكييف، ولا وسائل راحة كالتي تنتشر الآن، ويتحول المقهى إلى كرنفالات احتفالية أيام البطولات الكبرى، ككأس العالم، أو بطولة أمم إفريقيا وأوروبا، ويصبح المشاهدون قبائل متفرقة، في تشجيعها لفرقها. من الملاحظ أن التراث هو السمة الغالبة على شكل وتصميم وأثاث المقاهي وكذلك المشروبات والمأكولات والألعاب الشعبية التي تقدم فيها باعتبارها حافظة لتراثنا القديم وحامية له من الاندثار ويحرص كبار السن على التردد على المقاهي الشعبية لأنهم يجدون أنفسهم في بيئتهم حيث المناخ القديم فشكل وتصميم واثاث المقاهي الشعبية نابع من البيئة البحرينية القديمة حيث عاشوا فيها وتعودوا عليها. فالقهوة الشعبية ترتبط بالموروث الشعبي وعادات وتقاليد اذ اعتاد البحرينيون من الآباء والأجداد منذ القدم على التجمع والتواصل والتكافل فيما بينهم من خلال المجالس وبعض المقاهي الخاصة القديمة. ويعتقد كثيرون بان المقهى الشعبي، في ظل المنافسة المصرية لها، بات بلا زبائن، وانه ربما يعيش مرحلته التاريخية الأخيرة، ذلك اعتقاد خاطئ، فالمقهى الشعبي يسيطر على منطقة الأسواق التقليدية في المنامة والمحرق، وهذا يتيح له فرصا لا محدودة في استقطاب الزبون، ومن كل الألوان والأعمار، يأتيه المواطن، وغير المواطن، الصغير والكبير، عابر السبيل، والطامح في جلسة محلية عابقة بعبق التاريخ، هؤلاء يأتون لتناول المأكولات الخفيفة وشرب الشاي والعصائر و”النخي” و”الباجلة” و”الكرك”، ويمكن القول وفي فترة ما قبل الظهيرة تتحول كراسيه الحقيقية، إلى “مجالس أهلية” ترسم الكثير من “مشاهد الماضي الجميل” حيث يزدحم بكتل بشرية كبيرة ومتنوعة، تغلب عليها اعداد متميزة من كبار السن الذين يتلذذون بالكلام عن حكاية الغوص واللؤلؤ. وفي فترة الظهيرة يبدأ المقهى الشعبي في المنامة باكتساب وجه آسيوي نظرا للأعداد الكبيرة التي تتقاطر عليه من العمالة الأسيوية الباحثة عن ملجأ رخيص يؤمن لها استراحة مناسبة وطعاما غير مكلف، وهذه الحالة تستمر حتى المساء، فهؤلاء يعاودون زيارته في هذه الفترة لأكل “الباجلة” وتناول الشاي وقضاء سهرة ممتعة امام شاشة تلفزيون. في ضوء هذا الوضع الجميل للمقاهي في البحرين ليس هناك خوف من انقراض المقهى الشعبي، لكن سيرتبط وجوده وبقاؤه في قادم السنوات، بالأسواق الشعبية، اما في بقية المناطق فالسيادة ستكون للمقهى المصري، فلا نستطيع الاستغناء عن المقاهي الشعبية حيث أصبحت سمة وجزء من التراث والحياة اليومية للبحرينيين خصوصا أنها تلاقي اقبالا واستحسانا ليس عند كبار السن والمتقاعدين فحسب انما من كافة شرائح المواطنين والمقيمين على حد سواء كما أصبحت جزءا من برنامج حياتهم اليومية. وتعتبر المقاهي من الأماكن العائلية المفضلة لدى العديد من العوائل البحرينية والخليجية طوال العام لأنها توفر سبل الراحة للصغير والكبير وللمرأة والشباب وان كان لها خلال شهر رمضان والاعياد رونق وجاذبية خاصة. ومن أشهر المقاهي الشعبية البحرينية الأصيلة والتي تسعى وزارة الثقافة دائما لإبرازها ودعمها في منطقة المنامة:
-مقهى عبد القادر: تسمى رسميًا قهوة محمد عبد الله محمد أحمدي لكنها معروفة أكثر باسم مقهى عبد القادر، هذا المقهى الذي يعد جوهرة حقيقية يخدم المحليين في المنطقة منذ أكثر من أربعين عامًا. توقف عنده لتناول قدح من قهوتهم تقليدية الصنع أو الشاي، وجرب الماي نخي خاصتهم وهو عبارة عن حساء معد من الحمص المسلوق. ومن الأطباق المحلية الأخرى المفضلة لديهم الجبود وهو عبارة عن طبق من الكبد المتبل المطهوّ. يمتلكه ويديره منذ بدايته اثنان من الأخوة هما الآن في سن الشيخوخة، هذه القهوة اللطيفة هي بالتأكيد واحدة من الجواهر الدفينة وتستحق زيارتها.
– بابا طاهر : على مرمى حجر من باب البحرين يمكنك العثور على أقدم مقهى بحريني في المنطقة وهو بابا طاهر. يشتهر بأنه وجهة لتناول الغداء حيث يتمتع العديد من المحليين بأسلوب الطهي المنزلي الخاص به، ويشتهر بأطباق السمك خاصته. جودة الطعام ثابتة وغير مسبوقة، ويختلف “طبق اليوم” المكون من السمك يوميا، ويوافقه أسعار في متناول الجميع.

 إعداد: سعيد أيت اومزيد

Related posts

Top