المتحدثون بالمغربية

في ذلك اليوم بجامعة أمستردام، استغربت كيف أن بعض زملائي المتحدثين بالدارجة المغربية “ماروكانولوغ” (هكذا يسمون أنفسهم) يبيحون لأنفسهم التحدث طويلا عن المغرب في حضوري، بدون أن يأخذوا رأيي.
 أحدهم قال لي:

– وماذا إذن؟ هو البلد الذي ولدت فيه؟ هذا ليس حجة.
أصبت بالذهول.
 هذا ليس حجة.
  أن أكون مولودا في أنوار الشرق مع الريح الشرقية بما يشبه حمام التعميد، أن أجمع بين الألوان الأولى والروائح الأولى مع كلمات الدارجة بالقنيطرة (ذكرى فيضان سبو الشهير..)، أن أكبر بين أزمور العتيق، على ضفة أم الربيع والجديدة، أن أكون قد ذهبت في هذه المدينة مائة مرة للصيد في الميناء بواسطة صنارة عبارة عن عصا ( ذكرى صيد عجيب، ستون سمكة صغيرة تتحرك في السطل..)، أن أكون قد ختنت في الصويرة، مدينة أمي (إذن مدينتي أنا كذلك)، أن أكون قد ارتدت مدارس ابتدائية بالقنيطرة والجديدة، أن أكون قد تابعت وأنا مراهق، المسيرة الخضراء مباشرة، ساعة بساعة، عبر المذياع والتلفزة، وعايشت الحماس الشعبي لتلك السنة، أن أكون قد سيرت في ما بعد، منجما للفوسفاط، وعاشرت لعدة سنوات عمالا قادمين من مختلف جهات المغرب (أي ناطق بالمغربية يمكن أن يتحدث عنه أكثر؟)، أن أكون قد راقبت كيف يستطيع العمال المغاربة المذكورون أن يعملوا بكد وبشكل متقن – مثل يابانيين- بشرط احترامهم  وإعطائهم أجرا معقولا، أن أكون قد هوجمت في أحد الأيام من طرف عصابة من القردة الصغيرة الوقحة في الأطلس(يا لها من مزحة)، أن أكون قد أكلت لحم الجمل بصحبة رحل
في الصحراء – بإفراط شديد- واستطعت أن أثرثر معهم بهدوء بلغتهم الحسانية..

هذا ليس حجة.

  أن أكون قد قرأت لمحمد الناصري، عبد الله كنون، المختار السوسي، محمد عزيز الحبابي، عبد الكريم غلاب، محمد جسوس، محمد برادة، محمد عابد
الجابري، عبد الله العروي، (وأن أكون قد تمكنت من
التحدث معه لمدة عدة ساعات على مر السنوات..)،
محمد الطوزي، محمد الناجي (القائمة لا حصر لها..) وكل الروائيين، أن أكون قد أكلت سايكوك في الفجر، وسط الدكاليين الأشداء، مواطني، أن أكون قد استمعت لجدتي من أمي وهي تدمدم بتاشلحيت في مواجهة السماسرة المدلسين في سوق سيدي بنور، أن أكون قد مارست بشكل غير قانوني وبدون شهادات المهنة النبيلة للتمريض لمدة شهر في بولعوان، أن أكون قد استدعيت مرتين لتناول وجبة الفطور مع أبرهام السرفاتي بنواحي المحمدية، أن أكون قد عشقت في يفاعتي جمالا بربريا بأكادير، لرباطية ذات أنفة، لصحراوية في مراكش، لبيضاوية سليطة اللسان، أن أكون قد أكلت ألف وصفة
من التريد (المعروفة كذلك باسم الرفيسة، أقول هذا لإثارة سجال لا ينتهي خاص بفن الطبخ)، أن أكون قد دخلت في مواجهات خطيرة مع شبان في نواحي زاكورة، أن أكون قد تفاعلت بصحبة الرائع أندري أزولاي أمام المنصة الجهنمية لمهرجان كناوة، وتعرفت على ألف شتيمة بالدارجة (بدون أن أستخدمها على الإطلاق)، أن أكون قادرا على إنشاد قصيدة الملحون “الغزال فاطمة” وأنا أحاكي صوت المرحوم الحاج الحسين التولالي، أن أكون استحممت في كل شواطئ المملكة تقريبا..
هذا ليس حجة.
.. والأعراس التي تابعتها (إحداها كانت انتهت بمشاجرة شملت الجميع)، والنقاشات اللانهائية حول الدين، حيث الممل ابن تيمية كان قد تم استحضاره بصحبة الملتبس الغزالي والعظيم ابن رشد، والنكت التي تكشف عن حياة الشعب أكثر مما تفعله بحوث علماء الاجتماع..
هذا ليس حجة.
  كل هذا لا يهم حسب هؤلاء المتحدثين بالمغربية (هناك استثناءات، لحسن الحظ). قرأوا بعض الكتب عن البلد، كتبوا بحثا حول موضوع دقيق (رواج البطيخ في سوق برشيد بين 1913 و1917).غلف كل ذلك بصلصة إيديولوجية حارة بالبلد الذي يدرسونه وهكذا.
هم يعرفون، أما نحن فمجرد جهلاء، لا نعرف أي شيء.

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top