بات من المألوف والعادي إقدام جمعيات ثقافية على تنظيم لقاءات حول التجربة الشعرية أو القصصية لفلان أو علان أو فرتلان، مع أنه لم يكن قد نشر سوى بضعة سطور – بصرف النظر عن قيمتها – على صفحته الاجتماعية الخاصة. بمعنى أنه لم يصدر له كتاب واحد، من شأنه أن يقربنا من هذه التجربة ويتيح لنا المجال لتكوين فكرة شاملة عنها.
اعتدنا في السابق، حين كان لا يزال التنشيط الثقافي يحتفظ بهيبته وجديته، أنه لا يتم التفكير في برمجة لقاء حول التجربة الإبداعية أو الفكرية لهذا الأديب أو ذاك، إلا بعد أن يكون قد راكم مجموعة من الإصدارات وبات يحتل موقعا بارزا في الساحة الثقافية، حتى النقاد كانوا لا يسارعون إلى قراءة منشورات كاتب ما إلا بعد أن تصدر في كتاب.
اليوم، وبالنظر إلى الفوضى التي باتت سائدة في ميدان النشر، نتيجة التكنولوجية الرقمية، لم يعد مفاجئا أن تحاول هذه الجمعية أو تلك فرض اسم نكرة، بدون إنتاج، على الساحة الثقافية.
يتم إعداد ملصق وعليه صورة كبيرة لصاحب التجربة الوهمية، وتعميم نشرها على نطاق واسع.
على ذكر الملصق، لم يسبق أن عرفت ظروف إعداده وإنجازه تسيبا مثلما هو حاصل في وقتنا الراهن.
صارت صور أي نكرة تجد لها موقعا بارزا في هذه الدعامة الإعلانية، وحين تبحث عن الإضافات التي من المفروض أن تكون قد قدمتها الشخصية الرئيسية
tête d’affiche
في الميدان الثقافي، لا تكاد تعثر على أي شيء جدير بالذكر.
هذا التسيب راجع إلى أنه بات يسيرا وبدون تكلفة، إنجاز ملصق وعرضه للنشر، نظرا للإمكانيات التي تتيحها الوسائط الرقمية والتي صارت في متناول الجميع: العاقل والأحمق، الجاد والمتهور.. إلى آخره.
مرة أخرى نجد أن الوسائط الرقمية هي السبب في كل هذا الابتلاء، لعنة الله على التنكولوجية التي لم نعرف كيف نحسن استخدامها.
أكثر من ذلك، صار يطلق على دورة من دورات هذا المهرجان الثقافي أو ذاك، اسم شخص ما بالرغم من أنه لا تتوفر فيه شروط الاحتفاء به وتقديمه باعتباره نموذجا يحتذى به.
إن من يحترم نفسه، ويعرف حقيقة حجمه ومدى عطاءاته، ويدرك بالتالي أنه من السابق لأوانه الاحتفاء به وإطلاق اسمه على دورة من دورات هذا الملتقى أو ذاك، أو إعلان عن جائزة باسمه.. عليه أن يقدم اعتذاره للجهة التي تقترحه لهذا الغرض.
إن تكرار مثل هذه الزلات – وهذا هو الوصف الدقيق الذي ينبغي أن تنعت به تلك المبادرات- يجعلنا نتساءل:
هل تتم بالمصادفة أم أنها متعمدة وغير بريئة وأن القصد من ورائها هو تمييع الساحة الثقافية بكل بساطة؟
مما لا شك فيه أن الساحة الثقافية المغربية على الأقل، بات يسودها نوع من التسيب والفوضى، وهذا راجع إلى كون العديد من الجهات التي صارت تسهر على تنشيط هذه الساحة، اقتحمها أشخاص غير جادين وغير متحلين بالمسؤولية، خصوصا وأن نخبة من الأسماء المحترمة، سواء في ميدان الإنتاج الأدبي والفكري أو في ميدان التنشيط الثقافي، قد توارت عن الأنظار وفضلت أن تنأى بنفسها عن هذا الميدان الذي أضحى مشبوها، إذا شئنا القول، ولسان حالهم يردد الشطر الشعري الشهير:
خلا لك الجو فبيضي واصفري.
عبدالعالي بركات