أثار حادث ضبط سرقة أدبية مطلع هذا الأسبوع نقاشا فائضا، ليس لأن هذا النوع من الحوادث نادر الوقوع، ولكن بالنظر إلى ملابساته؛ فقد تم الكشف عن أن الرواية التي نسبتها سيدة مغربية إلى نفسها، سبق أن طبعت في بلد آخر، مصر تحديدا، وأن مؤلفها معروف، لم تكتف تلك السيدة بسرقة الرواية فقط، بل عتباتها كذلك، من قبيل الإهداء وغيره.
هذا السلوك المتهور، يمكن أن لا يصدقه العقل، لكن حين سنمسك بخيوط القضية من بدايتها، سيتضح أن تلك السيدة كانت ضحية نصب؛ فقد اتصلت بأحد الكتاب واتفقت معه على أن يبيعها إحدى مخطوطاته لتطبعها باسمها، وعوض أن يسلمها ما كانت ترغب فيه، قام بانتقاء إحدى الروايات المطبوعة سلفا لمؤلف آخر، موهما إياها بأنها من مخطوطاته التي لم يسبق له أن نشرها، ثم عرضها عليها للبيع بمقابل مادي محترم.
وطبعا، لم يمر وقت طويل على طبع الرواية المسروقة، حتى انكشفت اللعبة.
ما جعل من هذه القضية مثار نقاش في الساحة الثقافية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، ليست السرقة في حد ذاتها، بل لكونها تتداخل فيها عدة مظاهر، منها أن المؤلفة المزيفة والمحتالة، ليست إنسانة جاهلة، بل حاصلة على دكتوراه، وأن منطلق العملية هو شراء مخطوط ونسبه للغير، كما يظهر أن هذا المخطوط الذي نسبته تلك السيدة إلى نفسها لم تكلف نفسها حتى عناء قراءته، بدليل أنها طبعته بعتباته التي عادة ما تكون خاصة بالمؤلف، من ذلك الإهداء على سبيل المثال، يا لها من سيدة شقية.
لطالما تناهى إلى علمنا عمليات السرقة الأدبية، إلى حد أن هذه الحالة صارت مألوفة، إنها أشبه ما تكون بتلك التدوينات في شبكات التواصل الافتراضي التي يتم اقتسامها مع المؤلف إلى الحد الذي لا يصير بمقدور القارئ الانتباه إلى مؤلفها الأصلي، وحتى إذا انتبه إلى أنها منسوبة إلى غير مؤلفها، تعامل مع ذلك بلا مبالاة.
ورغم انفضاح أمر تلك السيدة؛ فهي لم تلق لذلك بالا، ولم تنظر إلى خطورة ما ارتكبته؛ فقط اكتفت بالتعبير عن أسفها موضحة أنها تم التغرير بها.
ما معنى أن يشتري أحد مخطوطا ويحاول أن ينسبه إلى نفسه، ما الذي يرغب من وراء هذا النوع من الاحتيال؟ سيما وأن هذه العملية تنطوي على مجازفة كبيرة، مثلما حدث لتلك السيدة التي انكشفت لعبتها الدنيئة، وفقدت مكانتها الاعتبارية، ربما أنها كانت ترغب في أن تدعم نهج سيرتها بميزة الروائية، وربما كانت ستشارك بمخطوط الرواية في مسابقة أدبية، وقد تفوز بالجائزة، وتحصل على أضعاف الثمن الذي اشترت به ذلك المخطوط، وهنا نجد أنفسنا أمام عملية استثمارية، ترتكز على فن المتاجرة.
لقد ساهمت محركات البحث الالكترونية في الكشف عن العديد من السرقات، ولم تعد هذه السرقات تقتصر على الأبيات الشعرية، كما كان الأمر في السابق، بل صارت تمتد حتى إلى البحوث الأكاديمية، أكثر من ذلك، أنشئت مقاولات، تعرض خدماتها بالعلالي – حسب التعبير الدارج- لكل من يرغب في إنجاز أطروحة جامعية، ولكل بضاعة ثمنها.
في اعتقادي أنه ما دام هناك تساهل مع مرتكبي السرقة الأدبية؛ فسيظل هذا الفعل الدنيء قائما. وطبعا، ليس من السهل دائما ضبطه والكشف عن حالاته المتعددة. وبالتالي، لا بد من فرض عقوبات زجرية، تكون عبرة لمن تسول له نفسه الاعتداء على حقوق التأليف.
عبد العالي بركات