يدعي أنه يكتب نصوصه الإبداعية وهو واقف، فيما أن أغلب هذه الكتابات كان قد أنجزها وهو طريح الفراش. لعله يريد أن يبعد عنه تهمة كون كتاباته لا تعدو أنها تدخل في خانة ما يسمى بغير قليل من السخرية: أدب الفراش.
هو نفسه يشعر بعدم الرضى على الكتابة في هذا الوضع، لكنه ليس بيده حيلة؛ فالرغبة في الإبداع، في الكتابة، تكاد لا تلح عليه إلا وهو طريح الفراش.
قد يكون صادقا في ما يدعيه بأنه يكتب وهو واقف، إذا جاز فهم ذلك بأنه يكتب النص في دماغه قبل أن يخطه على الورق.
أحدهم كان يزعم أنه يكتب نصوصه الإبداعية وهو يتجول ثم يسرع بعد ذلك إلى بيته ليخط تلك النصوص على الورق، وآخر لا يكف عن القول إن ما يكتبه هو وحي يوحى، وغيره لا يتردد في ادعاء أن الكتابة بالنسبة إليه غدت سهلة إلى حد أنه باستطاعته أن يكتب نصا جديدا بين مكالمة هاتفية وأخرى، غير أننا لا ندري كيف هو حجم هذا النص وكم هي المدة التي تفصل بين مكالمة وأخرى.
حين ينتبه إلى أنه لم يكتب طيلة اليوم أي شيء، ينتابه الشعور بالضيق، لا يستطيع أن ينام بينما يعي أن اليوم يوشك أن يمضي دون أن يكون قد خلف أثرا على الورق.
لكي يقاوم الأرق، عليه إذن أن يكتب، ولتكن جملة واحدة مقنعة؛ فهذا يعتقد أنه يكفي. إنه يكتب بالضبط من أجل مقاومة الأرق ولا شيء آخر؛ فهو لا يكتب مثلا من منطلق التأثير في المجتمع نحو الأفضل، لا يؤمن بدور الكتابة في التغيير، ويعتبر ذلك مجرد كلام فضفاض، وما يهمه بالأساس هو ألا تتغير وتيرة نومه، يعرف أن لا شيء بدون مقابل، وأن عليه أن يدفع مقابل الحصول على حصته من النوم، جملة أو بضعة أسطر يخطها على الورق ولا يهمه بعد ذلك أين تذهب تلك الأوراق، تلك الكتابات.
رغم أنه كان يتضايق دائما من توجيه السؤال إليه حول طقوسه في الكتابة؛ فإن هذا السؤال بالذات، فتح له أفقا جديدا للكتابة، إلى حد أنه كرس معظم نصوصه للحديث عن طقوس الكتابة، سواء لديه أو لدى كاتب متخيل. لا يحب كلمة طقوس ويفضل أن يستعمل بدلها عبارة: طرائق الإبداع. الغريب أن السؤال الذي كان يرفض أن يسأل عنه، صار السؤال نفسه الذي يجيب عنه كل يوم وحين، صار عالمه الخاص، ولا يتورع في التذكير بأنه إذا كان عالم الكاتب الفلاني هو البحر، والكاتب العلاني هو الصحراء، وعالم كاتب آخر هو المقهى، إلى غير ذلك؛ فإن عالمه الخاص هو الكتابة عن الكتابة في حد ذاتها.
حان موعد النوم، لكن شيئا ما يقلقه ويقض مضجعه، إنه لم يكتب طيلة هذا اليوم ولو جملة واحدة، ويستحيل عليه النوم من دون أن يخلف أثرا على الورق.
عبد العالي بركات