اعتبر محمد الهرادي، تقديم رواية ما، بمثابة قراءتها، حيث لا يصبح القارئ في حاجة إلى الاطلاع على النص، وسياق هذا الكلام، جاء أثناء تقديم الرواية الأخيرة، لكاتبها محمد برادة، “رسائل من امرأة مختفية”، بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء.
وأشار الناقد الأدبي محمد الهرادي، إلى أن العمل صدر بموازاة احتفال، محمد برادة بسنته الثمانين، بحيث ارتأى من خلالها أن يكتب سيرته الذاتية، لاسيما وأنها تنطلق من السنوات الأولى للاستقلال، مباشرة بعد عودته من مصر، التي تلقى بها تكوينه الجامعي.
وتعالج الرواية، بحسب الهرادي، مجموعة من الأحداث السياسية والاجتماعية، منذ حكومة عبد الله إبراهيم، حيث ظهر الصراع مع القصر حول السلطة، مرورا بأحداث انتفاضة 23 مارس 1965، بالإضافة إلى الاعتقالات السياسية، ودرب مولاي علي الشريف، وناس الغيوان.. إلى غيرها من الأحداث التاريخية.
ووسط كل هذه الأحداث، تتحرك شخصيات، من قبيل؛ هادية عبد العزيز، وهيمان الكستي، هذا الأخير الذي سيتعرف على صحافية، تنتمي إلى صفوف التحررية، جريئة وتسعى إلى تكسير القيود، لاسيما، وأن الحديث يجري، عن سنوات الستينات والسبعينات، في مناخ اجتماعي وسياسي خاص.
واختار محمد برادة، بأن تكون هذه الصحافية، متزوجة من ثلاثة أشخاص، كان آخرهم هيمان، الشاب المتخصص في الاقتصاد والقارئ المتابع للأدب والفكر، الذي سيساهم هو الآخر في البحث عنها، مباشرة بعد اختفائها، حيث تصير الرواية، من البداية إلى النهاية، بحثا عن امرأة مختفية.
واستنادا إلى المداخلة ذاتها للناقد الأدبي، فإن الرواية تزاوج بين الخيال والواقع، كما أن محمد برادة، يستخدم مجموعة ما أسماه “بالتغطيات”، استنادا إلى استعمال الوسيط، المتجلي في السارد الضمني، هيمان، هادية، زيدان، نجاة.. بمعنى هناك تعدد للأصوات، من خلال استعمال مجموعة من الرسائل.
وقال محمد الهرادي، إن “رسائل من امرأة مختفية” تتكون من طبقات، ابتداء من الطبقة الحلوة، التي يظهر فيها الجسد، والعلاقات الحميمية، كما توجد طبقات أخرى، تحت هذا الخط السردي، ذات مرجعية سياسية وفكرية، من قبيل؛ محكيات الصحافة، الأدب والمرأة.
واستطاع الروائي محمد برادة التغلب من خلال اللعب بهذا الأسلوب، من تكسير رويتن السرد الأحادي والخطي، بالإضافة إلى بنائه ثنائية بين ما هو سياسي وجسدي، حيث تختفي الرغبات الجنسية باختفاء الرغبة في الخوض فيما هو سياسي..
ونهاية الرواية نهايات، بحسب الهرايدي، على اعتبارها اتسمت بتعدد أساليب التعبير، حيث توجد لغة الواقع، والجمال، والنقد، والسياسة، إما بشكل خشن، أو لين، انطلاقا من سياق الحكي، وهو ما جعل برادة يدخل بروايته إلى صالون الأدباء الكبار، خصوصا وأنه استطاع، أيضا، أن يرسم لشخصياته بورتريهات جذابة وفاعلة.
من جهته، نفى محمد برادة أن تكون الرواية تستهدف الواقع السياسي والاجتماعي، مشيرا إلى أن كتابتها تمت في ظرف سنتين فقط، وهو تاريخ على غير العادة، بحيث يستغرق وقتا طويلا، أثناء كتابة نص أدبي.
بيد أن برادة، لم يخف حقيقة أنه حاول أن يظهر بعض معالم الجدل والانتقادات المطالبة بالتحرر من قوانين الذكورية المجحفة، وذلك بالاستناد إلى دفع الصحافية إلى عيش تجربة عاطفية واجتماعية من موقع المراقبة المغامرة، بعيدا عن قيود الأسرة.
وفي تفاعله مع الحضور المتدخلين، أبرز الروائي محمد برادة، في الأخير، بأن “رسائل من امرأة مختفية”، مفتوحة على كل المناهج النقدية، النفسية، الاجتماعية والسيميائية.. على اعتبارها تصور الصراع بين الشخصيات في مرحلة تاريخية معينة، وبهذا فإن برادة يعود إلى البحث عن ذات صحافية مختفية منذ الستينات.
> يوسف الخيدر