اختار جلالة الملك أن ينعقد مجلس الوزراء تحت رئاسته في مدينة الحسيمة… في الريف.
لم يكن الاختيار عابرا لنظر أهل الريف وللمراقبين، ولم يكن «اختيار المكان» بغير دلالة…
مكان الاجتماع كان وحده كافيا لتحديد زمن الاجتماع، إنه زمن المصالحة مع الذات، المغرب الآخر يكرس على الأرض رمزيات التحول… قرار أعلى سلطة في البلاد سَحَبَ المكان، أي الحسيمة، من مشهده اليومي وذاكرته المعروفة، ومَنَحَهُ حضن الوطن كله…
الدولة  تجتمع هنا في الريف…
صباح الخير لأهلنا  في الربوع…
المكان في حكايتنا اليوم معرف، وهو يحمل كل المعنى وطرق الاستدلال عليه وأشكال إنتاجه..
الخطوة الملكية جسدت إحلال المكان /الرمز محل منطق الحاجة إلى اندمال الجرح، ومطلب إعادة الاعتبار لناس المكان..
لم يكن المكان أبدا حياديا، ليس فقط في الإبداعات الأدبية، إنما في السياسة أيضا وفي إدارة الحكم والدولة، وكذا في باقي حقول الدلالات، حتى أن باشلار تحدث عن «جماليات المكان»، وآخرين صاروا يروجون لعلم المكان في السياسة وفي الثقافة وفي الاجتماع وفي السيميائيات، لكن نحن هنا لن نحاور المكان في تجريديته وفي باقي الخلفيات المعرفية وفي صلته بالأنماط الاجتماعية، إنما  نستحضره هنا ضمن دلالة محددة، وفي سياق يلتقي في وسط الصورة… في الريف.
اخترنا هنا أن نتتبع محركات الدلالة في اجتماع مجلس الوزراء الأخير من نقطة البداية، من العتبة الأولى وهي… المكان.
التأسيس الأول في الخطوة الملكية يتجسد في المكان ذاته، ثم في الوعي به وإدراك قوة الاختيار والتحول الرمزي للمكان، واختزاله لبقية الحكاية، وفي نفس الوقت قدرته على إفراز حكايته وكل الزخم الدلالي…
إن كل اختيار للمكان أو تسميته أو حديث عنه، هو إخراج له من حالة لأخرى، والحسيمة اليوم، ومنطقة الريف  تخرج إلى الحالة الأخرى، إلى المغرب الآخر، إلى عمق المصالحة مع الذات…
الملك في الريف..
الحكومة في الريف..
الريف حكاية للوطن كله وفي داخل العمق الوطني.
في اجتماع الحسيمة اتخذت قرارات تهم أقاليم الشمال وسبل النهوض التنموي فيها، وجرت المصادقة على نصوص  ومبادرات ذات مضمون وطني شامل، ومرة أخرى اسم المكان يجاور محتوى القرارات وزمن اتخاذها، والرمزية القوية للذي ترأس الاجتماع…
المكان هنا يظهر في كثافة المعنى…
الريف يحضر في الانشغال الوطني وفي مسار التحول، والريف يشارك في الفعل وفي صناعة المعنى والدلالة…
الريف ينخرط في الديناميات الوطنية كما باقي المغاربة وكل المناطق والجهات، والريف يرفض باقي الكليشيهات…
المكان يصنع اليوم الحكاية، حكايته، حكايتنا…