شهدت سلا مؤخرا احتجاج عشرات المواطنين ضد الاعتداء الجنسي على الأطفال، وهو الاحتجاج نفسه الذي شهدته أيضا مناطق أخرى، وتنقل الصحف بدورها باستمرار قضايا ووقائع حول الظاهرة. وإن كان الأمر موكولا للقضاء للحسم في مدى صدقية الاتهامات المعبر عنها هنا وهناك، والفصل في القضايا المعروضة عليه، فإنه مع ذلك نسجل تزايد الاعتداءات من هذا النوع، ما يجعلنا فعلا أمام ظاهرة تستدعي اليوم وقوف المجتمع كله ضدها، ومواجهة ما يقترف من جرائم في حق أطفالنا.
لقد سبق لأوساط جمعوية أن نبهت إلى وجود ارتفاع كبير في نسبة الاعتداءات الجنسية على الأطفال بالمغرب، حيث أن نسبة الارتفاع بلغت 536 في المائة سنة 2008 مقارنة بسنتي 2006 و2007، وهي أرقام مرعبة فعلا، بالرغم من وجود حالات كثيرة ربما لم يتم التبليغ عنها بالنظر لحساسية الموضوع في مجتمعنا.
وسجل أن أطفال الأسر الفقيرة هم الأكثر استهدافا بالظاهرة، كما أن الطفلات أكثر تعرضا للاعتداءات الجنسية مقارنة مع الذكور، فضلا على أن الأطفال المعتدى عليهم لا يتجاوز سنهم في الغالب ثمان سنوات، ثم أن الظاهرة تكون سببا في إفراز ظواهر أخرى ومآسي متعددة داخل المجتمع…
الظاهرة خطيرة إذن، وهي لم تعد محصورة في السياح والمرضى الأجانب الذين يفدون على بلادنا بقصد ارتكاب هذه الجرائم، إنما صار المجرمون يعيشون بيننا وعدد منهم من بني جلدتنا، وأحيانا من أقارب هؤلاء الأطفال الضحايا، بل ومن مدرسيهم كذلك، وبعض هذه الجرائم تتم داخل فضاءات المدرسة…
هنا فعلا الجريمة تكون مضاعفة في حق الطفل وفي حق المؤسسة التعليمية، وفي حق مستقبل أجيالنا الصاعدة، وصار الخطر يأتي من الشارع ومن المدرسة معا، وهنا نتفهم الرعب الذي تحس به الأسر خوفا على فلذات أكبادها.
الموضوع يعني اليوم أيضا المؤسسة التعليمية، وكل الغيورين على مصداقية وسمعة أسرة التربية والتكوين، ولم يعد من المقبول الصمت أو التغاضي على سلوكات بعض المنحرفين من داخل المهنة…
يعني الموضوع كذلك الأسر بمتابعة الحياة الشخصية والدراسية لأبنائهم، وتأسيس تواصل دائم معهم، وأيضا اللجوء إلى القضاء عند كل حالة اعتداء، وعدم الخوف من أي إكراه اجتماعي أو أخلاقي…
والموضوع ثالثا يعني وسائل الإعلام، بالعمل على فضح الظاهرة، وأيضا مراعاة قواعد أخلاقيات المهنة في معالجة ومتابعة مثل هذه القضايا الحساسة جدا، خصوصا من حيث صورة وهوية الطفل المعتدى عليه وأسرته…
والموضوع يعني الدولة بحث القضاء على التعاطي بصرامة مع الظاهرة، وبملء كل الفراغات القانونية المسجلة في التشريع الوطني على هذا الصعيد، وبتفعيل برامج التوعية والتحسيس في أوساط الأطفال وذويهم، وداخل المدارس، وعبر وسائل الإعلام.
لنتقدم كلنا نحو… «مغرب جدير بأطفاله».