ليبيا تتحرك حقوقيا

طي صفحة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، وتعويض الضحايا، مفاهيم تجسدت في التجربة المغربية التي مثلتها «هيئة الإنصاف والمصالحة»، واعتبرت في حينها خطوة شجاعة في السياق العربي والإفريقي والعالم ثالثي، كما أنها عدت من ضمن  تجارب العدالة الانتقالية المثيرة للاهتمام على صعيد العالم. ليس القصد هنا تقييم هذه التجربة أو قراءة ما يحيط بها من جدل حقوقي وسياسي داخل البلاد، إنما الغاية الوقوف عند «عدوى» هذه الدينامية، والتي وصلت اليوم إلى باب نظام حديدي غريب مثل جماهيرية العقيد القذافي.
بلاد العقيد أعلنت مؤخرا أنها خصصت اعتمادات مالية لتعويض سجنائها السياسيين «ممن ثبتت براءتهم، أو لم يقدموا إلى محاكمات أساسا»، وزادت أنه بمجرد قبول المصالحة، يحصل السجين على ألف دينار (822 دولار أمريكي) مقابل كل شهر في السجن لمن رجع إلى سابق عمله، وصرفت له رواتبه طيلة فترة سجنه، وألفي دينار عن نفس الفترة للعاملين في المهن الحرة.
وهذه أول مرة تقدم فيها السلطات الليبية على إقرار صرف تعويضات لسجناء سياسيين سابقين، وفي الوقت الذي رحبت الأوساط الحقوقية بالخطوة الليبية، جددت أمنيستي، الشهر الماضي، انتقاداتها لأوضاع حقوق الإنسان في الجماهيرية، وما سمته الاعتقالات التعسفية والتقاعس عن حماية حقوق المهاجرين وتلكؤ السلطات في إجراء الإصلاحات الموعودة، كما أن هيومان رايتس، طالبت، من جهتها بالإفراج الفوري عن ثلاثمائة شخص مازالوا محتجزين.
الخطوة الليبية، مع ذلك، تستحق الانتباه، وتكشف أن المستقبل هو لاحترام حقوق الإنسان ولإشاعة الديمقراطية والانفتاح، وتبرز أيضا أن الترحيب والاهتمام العالميين اللذين حضيت بهما التجربة المغربية، كان لهما انعكاس ووقع في المحيط المغاربي والعربي، مهما تأخرت النتيجة، وعاندت الأنظمة وتعثرت الديناميات الداخلية.
في ليبيا اليوم، يطالب الناس كذلك باللجوء إلى العدالة، وبعدم تكرار انتهاكات الماضي، وبمحاسبة المسؤولين عن الخروقات، كما يطالب البعض بتشكيل «لجنة وطنية للتسوية» تضم نخبا وطنية نزيهة  ممن لم يكن لهم دور في التجاوزات، وتتعدد المطالبات بالتأهيل السياسي وبالحوار الوطني وبنبذ الانغلاق في المجتمع وفي النظام السياسي…
هل تعيش الجماهيرية انطلاق دينامية جديدة؟ هل هناك شيء ما يتحرك تحت سماء طرابلس؟
في كل الأحوال، الشعوب تسير دائما إلى الأمام، ونحو مستقبل تصان فيه الكرامة، وتحترم فيه حقوق الإنسان، والأنظمة الذكية يجب أن تلتقط الإشارة من نبض شعوبها ومن ديناميات العالم، في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة، لتدفع بالمسيرة إلى الأمام.
والشعب الليبي يعيش اليوم دينامياته الخاصة، ضمن شروطه التاريخية الذاتية، ومن دون شك ستكون له القدرة على تحويلها إلى مكاسب وتراكمات، وسيساهم في جعل الفضاء المغاربي  يعزز مساراته الديمقراطية والتحديثية والتنموية.

Top