قد يمر بنا قطار العمر بمحطات وأماكن لا نشعر بجمالها إلا عندما نبتعد عنها.. وقد يؤثث مشهد حياتنا فنانون فرضوا علينا الاحترام بأدائهم و مشاعره الإنسانية الجميلة. وفي أكثر الأحيان لا نشعر بقيمتهم ومدى تأثيرهم في حياتنا إلا بعد أن يغادروننا ويصبحون مجرد ذكرى فيتركون ذكريات قد تثير فينا الشجن والحزن والفرح والابتسامة أو الألم والحسرة.. ولكن تبقى ذكرياتهم محفورة داخلنا، تذهب بنا إلى العالم جميل نستنشق من خلاله عبق المحبة والحنين إلى الماضي حيث نتذكر فيهم وبهم أجمل اللحظات برونق خاص وغصة بالقلب…
رحلوا عنا الغوالي وتركوا لنا ذكريات نتعايش معها وتنبض الحياة في أعضائنا، وصورهم مازالت ماثلة أمام أعينينا..
هكذا هي الحياة، كما هي الممات، لقاء وفراق، دمعة وابتسامة.. فبالأمس رحل عنا العظماء ممن كنا نحبهم لأنهم تركوا بصمات على دركنا وفهمنا للحياة من علماء وشعراء وأدباء وفنانون فهم شخصيات عامة إلا أنهم أناس عاشوا وتعايشوا معنا ليرحلوا بهدوء دون أن ترحل آثارهم وتأثيراتهم..
الحلقة 16
الممثل الراحل محمد بلقاس
ممثل مغربي اسمه بالكامل محمد بيوس بن الطيب من مواليد سنة 1939، انخرط في الميدان المسرحي منذ سنة 1956 ضمن جمعية الأديب لكنه ما لبت أن انضم إلى جمعية الأطلس الشعبية برئاسة مولاي عبد الواحد حسنين التي تكون فيها من خلال الأعمال التي قدمتها الفرقة، ثم بعد ذلك كان من بين المؤسسين لفرقة الوفاء .
كان الراحل من أعمدة فرقة الوفاء، حيث شارك معها في أهم أعمالها : “سيدي قدور العلمي”، “الحراز”، “هالالاي”، “مكتب الوكيل”، “ديرو معنا التاويل”، “الميت الفضولي”، “عالجونا”، “مزاوك في الله”، “الدار الكبيرة”، “مكسور الجناح” كما شارك في مسرحية “الدرهم لحلال” التي اقتبسها إدريس التادلي وأخرجها محمد الزياني، وقدمتها فرقة بساتين.
وقد اقترن اسمه باسم عبد الجبار لوزير، حيث قدما عددا كبيرا من السكيتشات، واكتسب شهرة من خلال هذا الثنائي، وبعد الإنفصال عن رفيق دربه عبد الجبار لوزير، شد الرحال إلى البيضاء، شارك إلى جانب مسرح الناس في مسرحية “محجوبة”، كما شارك في مسرحيات “نص عقل” و”اللي ما عرفك خسرك” و”نسيب المديرة” تحت إشراف إدارة المسرح البلدي بالبيضاء الذي يديره آنذاك عبد اللطيف الزيادي.
كما تألق في مسرحية “فكاك لوحايل” لفرقة مسرح الثمانين إلى جانب حمادي عمور، ومؤسسا الفرقة سعد الله عزيز وخديجة أسد. كما شارك في مسرحية “بولعقول” ضمن فرقة النخيل، وقدم ضمن فرقة نجوم الخشبة المراكشية مسرحية : “هجالة وعريس هبيل” سنة 1997 ثم “الربيب بتريكتو”.
وكان آخر عمل شارك فيه المرحوم “عباس وبلقاس فلاس فيكا ” سنة 1998 إلى جانب نجم الكوميديا المصرية وحيد سيف، حيث تعرض لوعكة صحية أثناء الجولة، أدخل على إثرها المستشفى حيث أجريت له عملية جراحية، وتوفي رحمه الله صباح يوم الأربعاء 11 دجنبر 2002 عن عمر يناهز 63 سنة.
ويقول عبد الجبار لوزير في كتاب حواري أعده الصحفي عبد الصمد الكباص بعنوان: “ثلاث طلقات ونكتة وحلم كبير”: “ارتبط المشوار الفني والشهرة، التي صاحبت محمد بلقاس بكيانين: الأول هو فرقة الوفاء المراكشية، التي كانت الإطار الفني الذي قدم فيه محمد بلقاس أروع أدواره على خشبة المسرح في أعمال يصعب انتزاع أثرها من الذاكرة كمسرحية “الحراز” و”سيدي قدور العلمي” و”الدار الكبيرة” وغيرها …”.
ثم عبد الجبار لوزير الذي شكل إلى جانبه ثنائيا أسطوريا في خدمة البهجة والنكتة الساخرة والفرح بالحياة. فرفقة رفيقه عبد الجبار الوزير قدم بلقاس مئات السكيتشات التي كانت تبث على أمواج الإذاعة الوطنية، فملأت قلوب المغاربة من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها بالبهجة المشرقة، والفرجة الممتعة في زمن لم تكن فيه الفضائيات ولا التجهيزات الإلكترونية لإدخال المسرح الممتع إلى كل البيوت.
“كان بلقاس كما هو شأن جيله من الفنانين العصاميين، يخلق روائع عظيمة، انطلاقا من أشياء بسيطة ونكرة، يجعل منها أمورا ذات معنى، بحيث يعطي للجماد حركة، ويحيي الساكن ويزرع فيه روح الفرجة، بلكنة مراكشية أصيلة نابعة من تراب مراكش “المرصع””.
لذلك يرى محبو بلقاس من أبناء مراكش، وكذا متتبعو مسيرته الفنية، أن الراحل محمد بلقاس الذي توفي في 11 دجنبر 2002 بعد مرض ألم به، “ترك أمرين اثنين: أعمال خالدة أبرزها: “مكتب الوكيل”، و”ديرو معنا التاويل”، و”الميت الفضولي”، “وعالجونا”، و”مزاوك في الله”، و”الحراز” في صيغتها الأولى 1968 والثانية 1982، و”سيدي قدور العملي”، و”الدار الكبيرة”، و”مكسور لجناح”، و”هالالاي”… ومسرحية “محجوبة”، و”نص عقل”، و”اللي ما عرفك خسرك”، و”نسيب المديرة»”، والأمر الثاني أسرة تحتاج لمن يعيد مجد ربها، ويلتفت إليها وهو المسرحي الكبير الذي أعطى الشيء الكثير للجميع”.
قدم المرحوم بلقاس وزميله ورفيقه في عالم الفن عبد الجبار لوزير المئات من السكيتشات التي كانت تبث على أمواج الإذاعة الوطنية فملأت قلوب المغاربة من شمال البلاد إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها بالفرح الخفيف والبهجة المشرقة في زمن لم تكن فيه لا فضائيات ولا تجهيزات إلكترونية لنشر الفرجة في كل بيت.
كان بلقاس كما هو شأن جيله من الفنانين العصاميين، يخلق روائع عظيمة انطلاقا من أشياء بسيطة، سكنته بلاغة المراكشيين التي تشربها من عالم الحرفيين المتمكنين من منابع فن الملحون والنكتة الجارية على الألسن وخفة الروح.