تواصل إسبانيا استعمال ازدواجية الخطاب في علاقتها مع المغرب، فمن جهة تبعث رسائل من أجل استمرار التعاون بين البلدين في القضايا الأمنية، ومن جهة ثانية تعمل على تحريض الاتحاد الأوربي عبر استعمال ورقة الأطفال القاصرين ، في حين إسبانيا نفسها هي موضوع ملاحظات وتوصيات من طرف مفوضية ألأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بجنيف كأعلى هيئة مكلفة بالنهوض وحماية حقوق الإنسان، وهي التوصيات التي همت عدد منها حقوق الأطفال تحديدا.
رزمانة التوصيات الموجهة لإسبانيا بعد تقديم تقريرها الوطني بمناسبة جلسات الاستعراض الدوري الشامل برسم الدورة 35 برسم 2020، أعدها المجلس الأممي بناء على المعلومات التي تضمنتها تقارير هيئات المعاهدات والإجراءات الخاصة وغيرها من وثائق الأمم المتحدة ذات الصلة، والتي وقفت أثناء زيارتها لهذا البلد على الإخلال الواضح بجوانب أساسية وجوهرية لحقوق الإنسان ، وحقوق الأطفال تحديدا ومظاهر اللامساواة والتمييز المستمر اتجاه بعض الفئات بما فيها السكان الغجر والمنحدرين من أصل أفريقي والأشخاص ذوي الإعاقة والمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.
ويعتلي معطى مثير زرمانة الملاحظات والتوصيات، ويتمثل في استمرار الاتجار في الأشخاص من إسبانيا وعبرها ، حيث دعا فريق الخبراء المعني بالمنحدرين من أصل إفريقي ، إسبانيا بوضع مقاربة شاملة قائمة على حقوق الإنسان لمعالجة هذا الإشكال الخطير الذي يمس الأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي ولتحديد النساء ضحايا هذه التجارة الشنيعة ومنحهن الحماية الدولية.
كما سجل التقرير معطى أكثر إثارة يتعلق بحقوق الأطفال، يتمثل في إقدام حكومة مدريد على إغلاق مكتب أمين المظالم المعني بالأطفال ، بل وحرمان الأطفال في الأقاليم الإسبانية التي تتمتع بالحكم الذاتي من هذه المكاتب، في حين تتجاسر على المغرب وتحرض عليه شركاءه في الاتحاد الأوربي وتتهمه بعدم احترام الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وأوصت المفوضية إسبانيا في هذا الصدد بإعادة فتح مكتب أمين المظالم المعني بالأطفال في مدريد وتعزيز قدرة المكتب الوطني لأمين المظالم على معالجة الشكاوى المقدمة من الأطفال، ولا سيما في الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي التي لا يوجد فيها أي مكتب لأمين المظالم.
وتضمنت توصيات المفوضية السامية لحقوق الإنسان معطى مثيرا يتمثل في عدم تصديق إسبانيا على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وهي الاتفاقية التي تنص على ضمان عدد من حقوق هذه الشريحة ، بما يعني النهج الاستغلالي الذي يتم اعتماده حيال هذه الفئة التي تعتمد على عملها قطاعات عديدة في إسبانيا ، وتساهم ماديا بفضل عملها في دعم مخصصات الصناديق الاجتماعية .
علما أن فريق الخبراء العامل المعني بالمنحدرين من أصل أفريقي كان قد وقف على التمييز العنصري والتمييز الفعلي الذي يتعرض له المنحدرون من أصل إفريقي والنقص في الخدمات الاجتماعية والاستغلال في سوق العمل الذي يتم في حقهم.
ومن الملاحظات التي تضمنها التقرير الأممي ، تهم وقف إسبانيا أنشطة المجلس المعني بالقضاء على التمييز العنصري والإثني ، وهو ما كان مثار قلق لدى فريق الخبراء العامل المعني بالمنحدرين من أصل أفريقي ، حيث أوصت اثنتان من هيئات المعاهدات، إسبانيا بتزويد المجلس بالموارد المالية اللازمة لتمكينه من الاضطلاع بولايته بفعالية واستقلالية.
وسجل التقرير، على الرغم من أن قانون الأمن المدني في إسبانيا أدرج مبادئ التناسب والمساواة في المعاملة وعدم التمييز، فيما يتصل بعمليات التحقق من الهوية، إلا أن اثنتين من هيئات المعاهدات لاحظتا استمرار عمليات التحقق من الهوية على أساس التنميط الإثني والعرقي وفي حق الأقليات، كما خلص فريق الخبراء العامل المعني بالمنحدرين من أصل أفريقي إلى أن التنميط العرقي للمنحدرين من أصل أفريقي مستشرٍ وأن التشريعات الإسبانية تخلو من حظر محدد للتنميط العرقي وأن المعايير القائمة التي يعتمدها موظفو إنفاذ القوانين لإجراء عمليات التحقق من الهوية لا تزال غير كافية.
و فيما يتعلق بمسألة الإفلات من العقاب وسيادة القانون، أوصت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب إسبانيا بمراجعة التشريعات الجنائية المتعلقة بالقاصرين لمواءمتها مع المعايير الدولية، ويذكر في هذا الصدد حالة القاصر المغربي الذي تم تعريضه لممارسات التعذيب مما أدى إلى مقتله.
كما أوصت ولجنة حقوق الطفل إسبانيا بزيادة عدد القضاة المتخصصين في شؤون الطفل، وبضمان توافر محاكم متخصصة في قضاء الأحداث وإجراءات مراعية لاحتياجات الطفل.
تضمن التقرير ملاحظات تخص نشاط الشركات الإسبانية، حيث رفعت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مطالب دعت فيها إسبانيا إلى إحداث آليات فعالة لضمان بذل الشركات للعناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان، كما أوصت لجنة حقوق الطفل إسبانيا بأن تُدمج في خطتها تركيزاً صريحاً على حقوق الطفل، بما في ذلك اشتراط أن تولي مؤسسات الأعمال التجارية حقوق الطفل العناية الواجبة في تنفيذ أنشطتها. وأوصتها لجنة القضاء على التمييز العنصري باتخاذ تدابير تشريعية لمنع الشركات من تنفيذ أنشطة تؤثر سلباً على حقوق الشعوب الأصلية والمنحدرين من أصل أفريقي في البلدان التي تنفذ فيها تلك الأنشطة، وبمساءلة هذه الشركات عما تقوم به من إجراءات..
كما أوصت المفوضية، إسبانيا بالتعامل بالجدية اللازمة فيما يتعلق بالطابع الخاص للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وذلك عبر وضع استراتيجية أقوى بغية تمييز فريق هذه الآلية عن فريق مكتب أمين المظالم، و من تم زيادة الوعي بالطابع الخاص لولايتها، هذا فضلا عن تخصيص الموارد المالية اللازمة لهذه الآلية، وفقا لمقتضيات البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والمبادئ التوجيهية بشأن الآليات الوقائية الوطنية.
وشمل التقرير عديد ملاحظات وتوصيات همت الاختلالات التي تمس ممارسة مختلف الحقوق الإنسانية داخل البلد، علما أن اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أعربت عن قلقها حيال تزايد ارتفاع نسبة السكان المعرضين لخطر الفقر والإقصاء الاجتماعي ، ولا سيما في أوساط الشباب والنساء وأقل الناس تعليماً والمهاجرين.
وسجلت في هذا الصدد، أن نسبة المعرضين لخطر الفقر والإقصاء الاجتماعي هي أعلى في بعض الأقاليم الإسبانية المتمتعة بالحكم الذاتي، وأن الأطفال أكثر عرضة لخطر الوقوع في براثن الفقر. وأبدت لجنة حقوق الطفل بهذا الخصوص قلقها البالغ ، وذلك لأن متوسط المؤشرات الوطنية بشأن الإقصاء الاجتماعي والفقر وعدم المساواة قد ارتفع، في حين لا يزال الاستثمار في تدابير الحماية الاجتماعية المتعلقة بالأطفال أدنى من المتوسط الأوروبي بكثير.
< فنن العفاني