اختار الملك محمد السادس خطاب الذكرى 68 لثورة الملك والشعب من أجل تلقين الخصوم والمتربصين دروسا وعبرا في كيفية التعامل والتواصل مع مغرب اليوم وقادته؛ مبرزا ماهية وهوية المغربي وتاريخه العربي والأمازيغي العريق.. مشيرا إلى أن كل ضربات الغدر والخيانة، لم تزد المغاربة إلا إيمانا وإصرارا على مواصلة الدفاع عن وطنهم ومصالحه العليا. وأن المغرب ماض في طريق الخير والنماء أحب من أحب وكره من كره. موضحا أن المغرب لم يغير توجهه السياسي كما يدعي البعض ولا طريقه تعامله مع بعض القضايا الدبلوماسية. ولكن المغرب يرفض المساس بمصالحه العليا. ويحرص على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة، خاصة مع دول الجوار. قبل أن يعرج على الجارة إسبانيا ويذيب جليد الخلاف الذي غطى على علاقاتها مع المغرب.. مؤكدا أنه أشرف شخصيا على المفاوضات مع الحكومة الإسبانية، والتي يأمل منها أن تكون فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات التي تحكم العلاقات بين البلدين. من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات. كما ذكر بعلاقات الشراكة والتضامن، بین المغرب وفرنسا، والروابط المتينة التي تجمع الملك برئيس فرنسا.
فبعد أن ذكر المغاربة بموعد الاستحقاقات من أجل التغيير وإفراز البديل القادر على تنزيل النموذج التنموي الجديد، وتفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية. تلك الانتخابات التي أكد أنها فقط وسيلة للتأثيث لمؤسسات ذات مصداقية، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن، عاد للحديث عما يتعرض له المغرب من هجمات مدروسة من طرف بعض الدول والمنظمات المعروفة بعدائها للمغرب. والتأكيد على أن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات.
استهداف المغرب والمغاربة نابع من الحقد والحسد وكره العمى الذي ترسخ لدى بعض الجهات المريضة. لأن المغرب دولة عريقة، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب. ولأن المغرب يتمتع بنعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات التي يعرفها العالم، ورغم كل ذلك، يقول الملك إن المملكة تحظى بمكانة وسمعة معروفة، وبشبكة علاقات واسعة وقوية، وبالثقة والمصداقية، على الصعيدين الجهوي والدولي.
كل هذا يجعل المغرب في مواجهة أعداء الوحدة الترابية للمملكة الذين ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة. فهم لا يريدون أن يبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا. هذا العداء الذي يقابله صمت إلى حد التواطؤ من طرف بعض الدول الأوروبية المحسوبة ضمن لائحة الشركاء التقليديين للمغرب، دول تخاف على مصالحها الاقتصادية، وعلى أسواقها ومراكز نفوذها، بالمنطقة المغاربية. تلك الدول التي لم يستوعب بعد قادتها بأن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي، ولا تستطيع أن تساير التطورات .وقد أبانت الشهور الأخيرة، أن هذه الدول تعرف ضعفا كبيرا، في احترام مؤسسات الدولة، ومهامها التقليدية الأساسية.. حيث تم تجنيد كل الوسائل الممكنة، الشرعية وغير الشرعية، وتوزيع الأدوار، واستعمال وسائل تأثير ضخمة، لتوريط المغرب في مشاكل وخلافات مع بعض الدول .بل هناك تقارير تجاوزت كل الحدود. فبدل أن تدعو إلى دعم جهود المغرب في توازن بين دول المنطقة، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية. والهدف طبعا كما قال الملك هو محاولة تلطيخ سمعة المغرب وأجهزته الأمنية ومؤسساته. لم يستوعبوا بعد أن المغرب الكبير قادر على تدبير أموره، واستثمار موارده وطاقاته، لصالح شعوبه.
خطاب ملكي كل ما فيه يزيد من سمو وعفة وقيمة المملكة، ويبرز بجلاء ذكاء وصفاء الملك محمد السادس. الملك الذي بادر مرة أخرى إلى التخلي عن طقوس الاحتفال بعيد ميلاده، وجعل من يوم ولادته يوما عاديا، كسائر الأيام. هي رسالة إذن، مفادها أن الوقت حان للحزم والعزم والجد والمثابرة، وأنه لا بد من إلغاء أو تأجيل الأفراح إلا حين إنصاف كل المغاربة، لتعم الفرحة كل البيوت والقلوب. الأكيد أن الملك يدرك جيدا أن هناك أولويات، يجب تحقيقها لمن عاشوا يشاركونه الحفل بكل صدق، بقلوبهم وجوارحهم وعقولهم. وأن عليه البدء بتصفية الأجواء ممن يعكرونها. وإنصاف من لم ينلهم نصيب من خيرات البلاد.
إشارات ملكية يجب التقاطها وطنيا ودوليا. ويأمل من ورائها في انتفاضة حقيقية بالإعلان الشعبي عن إطلاق الصيغة الجديدة لثورة الملك والشعب.. من أجل دعم مشروعه التنموي الجديد، المبني على ثوابت الأمة ومقدساتها، والخيارات الكبرى للبلاد، التي سبق ولخصها في خطاب سام في ثلاثة خيارات، وهي (الملكية الوطنية والمواطنة، الخيار الديمقراطي والتنموي، الإصلاحات العميقة التي يباشرها مع أخيار الوطن).
يريدها ملكية بطعم مغربي خالص، بعيدا عن تلك المفردات الأجنبية المستوردة. يريدها وطنية ومواطنة، بثوب مغربي رفيع. تحضن كل المغاربة. ويريدها ديمقراطية مغربية منتجة وهادفة. تضمن التنمية والرقي بالمواطن المغربي. فهل بإمكاننا أن نؤثث لحكومة وبرلمان بغرفتيه، بالكفاءات والطاقات المبدعة والجادة اللازمة للخيارات الملكية. وهل لدينا رغبة في تحقيق هذا الانتقال الديمقراطي التنموي، ووقف التلاعب بالمناصب وكراسي المسؤولية؟ أسئلة كثيرة ومتنوعة.. لاشك أن ملك البلاد عاش مخاضها، فأفقدته النوم والاسترخاء وشهية التغذية. وطبعا انتهت به إلى فقدان شهية الاحتفاء بيوم يدخل ضمن حياته الخاصة. مادام هذا الاحتفاء أصبح احتفاء شعبيا. وأن جزء من هذا الشعب خارج تغطية واهتمامات الحكومة ومخططاتها ومشاريعها.
بقلم : بوشعيب حمراوي